تشخيص دقيق لحالة الاتحاد المغاربي

الخيار الإستراتيجي والفضاء الحيوي

جمال أوكيلي

الجزائر وفية لقيم الصرح المغاربي
شخص الأمين العام لمجلس الشورى المغاربي السيد سعيد مقدم، الحالة الراهنة للاتحاد المغاربي سياسيا واقتصاديا وتنظيميا على ضوء الذكرى الـ ٢٨ لقيامه واصفا مساره بـ «المتعثر»، نظرا لعدم قدرته على تحقيق الأهداف السامية المتوخاة وغياب المبادرة والقرار، في مقابل ذلك أبدى السيد مقدم تفاؤله في الجانب الإقتصادي الذي يمكن أن يحرك الأوضاع بالرغم  من أن المؤشرات تصنف في خانة التراجع.


هذه المعادلة بين ماهو سياسي وإقتصادي يصعب الفصل بين أطرافها، غير أن الجنوح للمحور الثاني بعد أن لوحظ وجود بوادر لإنعاش التبادلات التجارية التي كانت في سقف ٣٪ وهي الآن في مستوى متدني عقب كل هذا التأخير منذ منتصف التسعينات.
وكان السيد مقدم صريحا في هذا الشأن، عندما بعث برسالة مفادها أننا اليوم لا يمكن أن نواصل السير على هذا المنوال حفاظا على هذا الإتحاد خاصة مع وجود إرادة صادقة لدى القادة في إعادة بعثه من جديد، وفي هذا السياق فإن الأمين العام لمجلس الشورى المغاربي من دعاة التغيير الجذري في أدبيات الإتحاد بدءا من المعاهدة المؤسسة إلى غاية الإتفاقيات رافضا ما يصدر عن البعض من دعوة إلى تحيين النصوص كون عمر هذه الوثائق الموقعة وصل إلى مداه وهي لا تستجيب لمتطلبات المرحلة والتفاعل مع الأوضاع الجديدة الحالية.
وهكذا فإن لمسة الجزائر في هذه الحركية واضحة ولا غبار عليها، وهذا بفضل وفائها للقيم المغاربية على أكثر من صعيد تاريخيا ونعني به ماضيا وحاضرا إيمانا واعتقادا منها بأن الإتحاد هو فضاؤها الطبيعي.
والإتحاد المغاربي خيار استراتيجي بالنسبة للجزائر غير مرتبط بتاتا برؤية محدودة تجاه مصالح معينة، أو نتاج مقتضيات ظرفية أملتها حسابات ضيقة، لا تخدم هذا الصرح العتيد الذي لطالما راود صانعيه منذ أن كانت شعوبه ترزح تررح تحت نير الإستعمار.
والتحليل السياسي اليوم الصادر عن أوساط بالمنطقة تجاه الحالة التي يوجد عليها الإتحاد إنما يتحمل مسؤوليته الكاملة الذين لم يقدروا الآثار المترتبة عن أي قرار في هذا الإطار كإحترام التسلسل الدوري لإحتضان الاجتماعات على المستوى العالي، فكيف لهؤلاء أن يبدوا قلقهم اليوم على مصير هذا الهيكل؟ ويقارنوه بتجمعات سياسية وكيانات اقتصادية أخرى.
في هذه الذكرى التاريخية، لابد أن نعود إلى تقييم الإتحاد من الناحية التنظيمية، أين موقعه اليوم في خضم ما يجري من حولنا؟ ولماذا تتضاءل فرص تنشيطه من جديد؟ من الصعوبة بمكان العثور على الإجابات الجاهزة، لأن الإتحاد غيب لأسباب يعلمها العام والخاص، لا تخرج عن نطاق ذاتي بحت، وهذا الموقف كلف كل هذا التعطيل المسجل اليوم، وحدثت المستجدات مغاربيا بعيدا عن آليات الإتحاد التي بإمكانها أن تعطي إضافة في فض النزاعات القائمة، دون مراجعات أخرى دولية غير مطلعة على حيثيات المنطقة.
وهذا الفراغ المؤسساتي فرضه نقص عامل الاستشراف في العمل السياسي اعتقادا بأن الاستقرار سيكون للأبد، هذا غير صحيح بدليل ما وقع في تونس وما يحدث في ليبيا، كل ما شهدته المنطقة جرى في غياب الإتحاد المغاربي الذي يتوفر على هياكل قادرة على احتواء أي إشكال.
والسياق الراهن سياسيا وأمنيا لا يسمح بتفعيل هذا الإتحاد لعدة اعتبارات تتطلب المزيد من الوقت لإزالتها تكون غايتها الإستقرار وتشغيل المؤسسات، هذا من جهة ومن جهة ثانية السعي من أجل الكف عن تبني نوع من الخطاب لا يمكن أن يساهم في إرساء أرضية هدوء للسماح بالإنتقال إلى آفاق رحبة.
ومهما يكن، فإن الحديث عن إتحاد المغرب الغربي، إنما يدعونا إلى التذكير بالمساعي الجزائرية في هذا الشأن وما قدمته من إقتراحات وأفكار من أجل ديمومة هذا الإطار منذ قرار التأسيس خاصة بإصرارها على الإلتزام الصارم بمواعيد اللقاءات الدورية في مجالات حيوية كالقضاء، النقل، التربية وغيرها، وكذلك حرصها على المطابقة للقطاعات الأخرى، مع الإتفاقات المبرمة لتجاوز كل الحالات غير المتوازنة في النصوص المسيرة.
وما أنجز على صعيد الإطار القانوني، في حاجة ماسة إلى تدعيم على مستويات أخرى، خاصة السياسية منها، لإستكمال هذا الحلم من أجيال طنجة في ١٨٥٨، إلى غاية يومنا هذا، شريطة أن تتوفر تلك الإرادة المخلصة والنوايا الصادقة، لإعادة فتح هذا الملف، وفق مقاربات جديدة، تراعي التطورات الحاصل إقليميا، متوسطيا وإفريقيا.
ويكون الإتحاد المغاربي قطبا من الأقطاب المؤثرة، في حركية هذه العلاقات دون إقصاء أو إبعاد لطرف من الأطراف الحاضر مع هذه المجموعة، بحكم رسوخه التاريخي في المنطقة ألا وهو الشعب الصحراوي الذي لا يمكن قيام أي مؤسسة سياسية أو اقتصادية في غيابه وهذا هو الفهم الحقيقي للاتحاذ المغاربي وهذه هي دلالات الخيار الاستراتيجي الشامل والموحد الذي يبنى على مواجهة الآخر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19467

العدد 19467

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19466

العدد 19466

الجمعة 10 ماي 2024