الواقع الجامعي منفصـل عن الميداني:

إلزام الفاعلين الاقتصاديين بتخصيص ميزانيات للبحث العلمي

فريال بوشوية

نبه الدكتور أحمد فلاق، إلى أن الإشكالية التي تطرح بخصوص البحث العلمي، والجامعات بحد ذاتها، تخص “مواكبة الجامعة لسوق العمل، وكيف يمكن للأخير الاستفادة منها”، مقترحا الانتقال من الطابع التوصوي إلى الطابع الإلزامي، الذي يفرض على الفاعلين الاقتصاديين تخصيص ميزانية للبحث العلمي.
طرح الدكتور أحمد فلاق لدى استضافته أمس بـ«الشعب”، إلى جانب الدكتور عمار عبد الرحمان، والدكتور عمر يوسفي إشكاليات بخصوص البحث العلمي، والجامعات بحد ذاتها، “الإشكالية الأساسية مواكبة الجامعة لسوق العمل، وكيف يمكن للأخير الاستفادة منها”، وغالبا ما يتم إيجاد حلول ـ حسبه ـ قد تكون قاصرة في حدود معينة”.
واستدل الدكتور فلاق، بنظام “الآل.آم.دي” الذي تم اعتماده في العام 2004، وطبق عمليا في العلوم الإنسانية والاجتماعية سنة 2007، كان الهدف منه تحقيق المواكبة لأن عروض “الآل.آم.دي” يتم تجديدها سنويا، وفي كل سنة تقدم عروض جديدة، ما يكرس تكيف مستمر مع متطلبات سوق العمل، أي أن برنامج التكوين على عكس السابق لا يمتد لـ 10 إلى 15 سنة”، وبرز ما يعرف بـ “عروض تكوين تحت الطلب” بشكل غير تفصيلي، على أن تحدد العروض من قبل الفاعلين في سوق العمل.
والعملية لم تتم بالشكل المطلوب حسبه، لأنه كان من المفروض إبرام اتفاقيات بين الجامعة والفاعلين الاقتصاديين الذين يمولون البحث، لماذا لأن هناك تطبيق لنظام جديد بعقلية نظام قديم، ما نتج عنه عروض تكوين بثوب قديم، والتلميع الذي تم القيام به شكلي، إضافة إلى إشكالات قانونية تخص عروض التكوين في حد ذاتها، من حيث صبغتها بما يحول دون تكيفها مع الواقع، هل هي عروض أكاديمية أو مهنية، والنتيجة كانت مأزقا حقيقيا، ذلك أن المستوى الأكاديمي يستفيد من المهني، وليس العكس، وعوض أن لا تتجاوز فترة تأقلم العامل مع الواقع المهني شهرا من الزمن، باتت تستغرق على الأقل سنة.
وحل إشكالية انفصال الواقع الجامعي عن الواقع الميداني، يتوقف ـ وفق ما أكد الدكتور فلاق ـ على “الانتقال من الطابع التوصوي إلى الطابع الإلزامي”، من خلال إلزام “المؤسسات والفاعلين الاقتصاديين بتخصيص ميزانيات محددة للبحث العلمي، لتجاوز مرحلة الاكتفاء بالأمور الشكلية والكلام الطوباوي الذي نسمعه دائما “نحن مع الجامعة”، للانتقال إلى مرحلة أكثر جدية أي مرحلة “العمل”.
وأفاد في السياق، “المؤسسات السياسية يمكنها أن تفرض على المؤسسات الاقتصادية، تخصيص نسب معينة للبحث العلمي”، لافتا إلى أن ذلك “يدفع بالجامعة للالتصاق بهذا الواقع، بمعنى أن تظهر بأن لديها جدوى، كيف ذلك؟ مثلا يمكن فتح عروض تكوين من خلال عقد الشراكات مع الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والاجتماعيين”، لكن “الذين لم ينجحوا في الحصول على عقود” ـ أضاف يقول ـ “يتم فتح عروض تكوينية، لأنه عندما تحس الجامعة بأن وجودها مهدد، فهي مطالبة بأن تقنع الشريط السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بجدوى البحوث التي تنجزها لكن يجب أن تظهرها  من الناحية العملية”.
وخلص إلى القول، “يجب على الجامعة أن تنتقل إلى سوق العمل، وتبحث في الإشكالات المطروحة لإقناع الشركاء بأنها يمكن أن تفيدهم”، ولا يؤمن الدكتور فلاق “أن يتم الأمر بمبادرة شخصية، وإنما بطابع إلزامي، وأن ندفع الجامعة دفعا بالتوجه نحو الواقع المجتمعي للبحث عن حلول من خلال إظهار فاعلية البحث العلمي الذي يتم إنجازه”.
وضع الثقة في الكفاءات الوطنية ضرورة  أولا
وطرح الدكتور فلاق اللجوء الدائم لفكرة الخبير الأجنبي، أسهل طريق بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية، الذي يمكن أن يفيد لكن في الجانب التقني المحض، لأنه في نهاية المطاف لا يفقه في خصوصيات الواقع الجزائري، وبالتالي لا تكون استشارته ناجعة دائما”، مستدلا بمثال عن “طالب في جامعة وطنية وجد حلا لمشكل تسربات سد، عجز الخبراء الأجانب عن حلها”.
وفي معرض رده على سؤال يخص تفضيل خيار الخبراء الأجانب على الكفاءات الجزائرية، وإن كان مرتبطا بفعالية ونجاعة الأخيرة، أفاد ضيف “الشعب” أنها “مزدوجة إذ أن الكفاءة لم تستطع أن تثبت أنها ناجعة بالنسبة لهؤلاء”، بالإضافة إلى “العادة المستديمة، إذ نلجأ دائما إلى الخبير الأجنبي، أسهل الطرق ولأننا نعتبر أن الحلول بهذا الخيار يمكن أن تكون مضمونة”، ولا بد من بناء جسر الثقة بين الاثنين ـ برأيه ـ “ لنثمن الجهود البحثية التي تتم، ولعدم تشتيت الجهود”، مستدلا بمثال عن كلية الإعلام، التي تناقش 100 أطروحة أي 100 إشكالية بحثية، سنويا خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، فيما لا يتجاوز عدد التي يمكن الاستفادة منها في الواقع المهني، عدد أصابع اليد الواحدة للأسف”.
من جهة أخرى، نبه ذات المتحدث إلى أنه “عندما نتحدث عن البحث العلمي، فإننا نتحدث عن هواجس بحثية، ما هي طبيعة المشكلات ومن يحددها”، مؤكدا أنها “عروض التكوين التي تكون ملتصقة مع رغبات الفاعلين الاقتصاديين”، لكن الإشكال المطروح حسب ما أكد الدكتور فلاق، عدم اندماج الفاعلين الاقتصاديين مع نظام التكوين الجديد، إلى درجة عدم وجود اتفاقات تخص عروض التكوين، لأنه في بنود العروض يفرض على الدكاترة إعداد بحوث، وعندما لا يندمجون في العروض، أصحاب الأخيرة مضطرون لفرضها من تلقاء أنفسهم.
والنتيجة وفق تحليله، وضع إشكاليات بحث قد يستفيد منها وقد لا يستفيد المجتمع، وبالتالي تطرح الإشكالية الحقيقية للبحث العلمي، “من يطرح الإشكالية؟ وما هي طبيعتها؟”، أما عند الانتقال إلى مستوى ثاني، الاستفادة من البحوث، وكيفية الاستفادة منها، وهل هناك رغبة فعلية والتي يعكسها مدى إقبال الفاعلين على الجامعات.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19819

العدد 19819

الخميس 10 جويلية 2025
العدد 19818

العدد 19818

الأربعاء 09 جويلية 2025
العدد 19817

العدد 19817

الثلاثاء 08 جويلية 2025
العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025