دعـم طبــع الكتـاب ضعيـف ولايرقى للتطلعات
يؤكد الباحثان الدكتور يوسفي اعمر والدكتور احمد فلاق أن هجرة العقول الجزائرية، من بين التحديات الكبرى التي تواجه البحث العلمي، سيما ونحن نحتفل اليوم بيوم العلم، حيث يختلف الأكادميون أنفسهم حول أسباب الهجرة وتداعياتها، في حين يطرح آخرون إشكالية طبع الكتاب العلمي وتأثيره على تراجع مستوى الباحثين.
قال الدكتور يوسفي أعمر بجامعة الجزائر 03 إنه لا يمكن تقديم تشخيص دقيق لأسباب هجرة الكفاءات الجزائرية نحو الدول المتقدمة، لكنه اعتبر أن أولى الأسباب يكمن في غياب أرضية بحثية تهتم بالباحث على المستوى الوطني.
وأوضح أستاذ الإعلام يوسفي أن الباحث يسعى دوما إلى إيجاد فرص التطوير الذاتي التي تعتبر ميزة خاصة بكل الباحثين، فالبيئة العلمية المتميزة التي تقدم للباحث كل فرص البحث ومتابعة التكنولوجيات تبقى هي المستقطب الأول حسب نظره.
في سياق مغاير قال الباحث إن فرص العمل في الدولة المتقدمة باتت وجهة كثير من الطلبة والباحثين، حيث أن الكثير من الطلبة يفكرون في الهجرة قبل انتهاء مدة تكوينهم في الجامعات الجزائرية بحثا عن العمل بالدرجة الأولى، وطموحات بحثية بدرجة ثانية.
وفي هذا الإطار أوضح الدكتور يوسفي أن عامل الرفاهية والظروف الاجتماعية الحسنة التي توفرها بعض الدولة المتقدمة والمتطورة، على غرار الأجر الزهيد والسكن والبيئة المثلى للبحث، مضيفا أن الحياة الكريمة والرفاهية باتت مقصدا للكثير من الباحثين.
إشكالية طبع الكتاب العلمي تعتبر هي الأخرى من بين التحديات التي تواجه الباحث الجزائري اليوم، فالدراسات تشير إلى أن نسبة كبيرة من الباحثين في الجامعات لم يتمكنوا من طبع مؤلفاتهم التي باتت رهينة رفوف المكتبات.
الدعـــم المـــادي للكتاب العلمي ضعيف ولا يرقـــى لمستــــوى التطلعـــات
يسجل الدكتور بكلية الإعلام بجامعة الجزائر 03 احمد فلاق أهم الأسباب التي يأتي في مقدمتها العامل التجاري، فهو يعتبر أن الطباعة لا تعتبر في حد ذاتها تحديا للباحث الأكاديمي، بقدر ما يعتبر بيع الكتاب صعوبة في الوقت الحالي لاسيما في ظل الوضع الاجتماعي الذي يعيشه الباحث.
فحسب دراسة وزارة الثقافة التي أشار إليها الباحث فلاق في مداخلته، فالكتاب العلمي يحتل المرتبة الثالثة من حيث الإقبال، ومستوى المقروئية في الجزائر، وذلك بعد الكتاب الديني وكتب الطبخ، مشير إلى أن هذا معضلة كبيرة للبحث العلمي في الجزائر.
ولا تعتبر بيئة المستهلك فقط هي التحدي الأكبر أو المعيق الوحيد أمام الباحثين، فالباحث فلاق طرح مشكلة غلاء طبع الكتاب العلمي الذي يحتاج إلى أسلوب إخراج متميز ونوعية ورق رفيعة حتى يلبي حاجيات القارئ.
وحسب الدكتور فإن قارئ اليوم يختار نوعية الكتاب العملي حسب عدة مواصفات،لذا فالباحث مطالب بدفع المزيد من المال لتحقيق نسبة إقبال كبيرة، رغم أن هدفه ومصلحته ليست تجارية عكس دور النشر الوطنية.
وأضاف الباحث مشكلة غياب الدعم المادي لطبع البحوث العلمية التي باتت رهينة المكتبات، الأمر الذي يؤثر على مستوى الباحث والبحث على وجه سواء، داعيا إلى توجيه إعانات مالية من الجامعات لدعم الباحثين وحثهم على طبع البحوث.
الباحثـون خـارج دائـرة اهتمـام الأحـزاب السياسيــة
قال الدكتور عمار عبد الرحمن أن ضعف الاهتمام بقطاع التعليم والبحث العلمي، في برامج الأحزاب السياسية المشاركة في انتخابات ماي القادم، يعود إلى الهوة بين السياسيين والأكادميين، التي أدت إلى إغفال شريحة واسعة من الناخبين ذوي المستوى العلمي، مشيرا إلى أن الأحزاب تلجأ إلى استمالة المواطن بطرح مشاكل اجتماعية.
تأسف الباحث لدى نزوله ضيفا على “الشعب”، أمس، من تخصيص سطر واحد لقطاع التعليم والبحث العلمي في برنامج حزب سياسي عريق يشارك في الانتخابات، موضحا أن قطاع التعليم بات خارج اهتمامات السياسيين ولا يهمهم سوى استمالة المواطن بطرق غير شرعية وقانونية.
ويرى الدكتور عبد الرحمن أن غياب إرادة سياسية هو السبب الأول لجعل التعليم آخر اهتمامات المواطن،موضحا أن ممثلي الأحزاب لم يمنحوا الأكادميين أو التعليم بصفة عامة أي مكانة في البرامج الانتخابية.
ووصف الباحث الأمر “بالعقدة بين الباحث والرجل السياسي”، حيث يعتبر الأخير أن التعليم مجال بعيد عن اهتمامات المواطنين تماما ولا يهمه سوى برامج السكن والوضع الاجتماعي الذي جعلته الأحزاب مادة لحملتها الانتخابية.
ووصف الباحث ثقافة المواطن الجزائري “بالمادية”، هذا السلوك يقول عمار عبد الرحمن أدى بالاحزاب إلى تسطير برامج اجتماعية لدعوة المواطنين للتصويت عليهم واستخدام ورقة السكن وتحسين القدرة الشرائية بدل الدعوة إلى انتهاج برامج تعليم متطورة.
وأشار الباحث إلى التغير في السلوك الاجتماعي للمواطن الجزائري، من خلال تفضيله لكل ما هو مادي، موضحا أن الأحزاب أغفلت شريحة واسعة من الناخبين يمثلهم طلبة الجامعات والأساتذة وغيرهم، متسائلا عن غياب الاهتمام بالأكاديميين في المجال السياسي.