تجربتي في الصحافة العمومية

المعلومة مقدسة والتهويل غير مرغوب فيه

فتيحة. ك

منذ ما يقارب السبع عشرة سنة، التحقت بجريدة «االشعب»، حيث وجدت أساتذة تعلمت منهم أبجديات العمل الصحفي. ورغم أنني تلقيت عروضا من بعض الصحف الخاصة، إلا أنني فضلت القطاع العام وإن بقيت متعاونة بالقطعة قبل اندماجي وترسيمي، وكان الأمر بالنسبة لي محسوما، لأنني أعرف جيدا الفرق بين قول الحقيقة وتهويلها.
مع مرور السنوات توقفت عند حقيقة تأدية الخدمة العمومية التي تقدمها «الشعب» أم الجرائد، لتزويد المواطن بمعلومة مؤسسة لا تقبل الشك؛ معلومة تثير أحيانا نقائص في قطاعات ما، تعرض بغرض الحث على تسويتها بدل اتخاذها ورقة ضغط ومتاجرة من عناوين خاصة تهول لكل شيء لأغراض تجارية ربحية.
أعتقد أن المواطن عندما هرب إلى الإعلام الخاص، كان بغرض إيجاد الحقيقة عنده كاملة بلا مزايدة أو تشويه، إلا أنه وقع في إعلام «طيابات الحمام» الذي أصبح رهين ما يطلبه أصحاب الإشهار من المؤسسات الخاصة ورجال الأعمال، وصار التهويل والتشويه الخط الافتتاحي للكثير من العناوين، بل أكثر من ذلك يترجم عناوين خاصة كل ما يقال إلى عكسه لتصنع بها صفحاتها الأولى، حتى صار القارئ يعيش ضغطا كبيرا بسبب ما ينشر على صفحاتها.
ولن ألوم الإعلام الخاص على ما يفعله من جرائم تجاه الخبر أو المعلومة، لأن الأخصائيين يؤكدون أن الإعلام العمومي وما يقدمه من خدمة هو السبب في ارتقاء أو انحطاط الإعلام الخاص، فأولا كل صانعيه هم خريجو ميدان الصحافة العمومية.
هذه المعادلة جعلتني أتساءل في كل مرة، عن سبب عدم إعطاء الإعلام العمومي حقه من الاعتبار والتقدير.
في 2012 وعند تطبيق سلم الأجور الجديد استبشر الصحافيون خيرا، ظنّا منهم أن القطاع سيعرف تغيرا جذريا، لأن إعطاء الصحافي راحة مادية تنعكس إيجابا على حياته الاجتماعية وسيكون له الأثر الإيجابي على عطائه المهني.
هذه نقطة تحسب لكل شخص أراد أن يمنح الصحافي حياة كريمة، ولكن السبق كرامة له أيضا والمعاملة بالمثل بعيدا عن الدونية هي أيضا تشجيع الأجيال القادمة على احترام القارئ بإعطائه الحقيقة كما هي، فمن منا لم يجد نفسه في موقف حرج بسبب المعاملة المزدوجة تجاه الإعلام العمومي والخاص.
في بداياتي، كان يُقال لي من بعض المسؤولين «أنتم انتاوعنا» وهذا خاطئ تماما، لأننا حملنا على أكتافنا مهمة كتابة الحقيقة وليس العكس.
من الغريب أن تكون كل تلك الأخلاق المهنية التي علمتنا إياها أقلام كبيرة، منها من تقاعد ومنها من هو اليوم يعمل معنا، جنبا إلى جنب، يعلمنا ويعطينا خلاصة تجربة دامت سنوات طويلة، لم تنل حقها من الاعتبار والتقدير المستحق والالتفاتة أمام «بروباغندا» بعض العناوين الخاصة.
وحتى لا ننسى، نقف احتراما لهؤلاء الذين علّمونا أن القلم قوته في احترامه لغيره. وصدقه مرهون بالحقيقة التي يكتبها، بعيدا عن المزايدة، التهويل أو التشويه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19817

العدد 19817

الثلاثاء 08 جويلية 2025
العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025
العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025