قراءة في المشهد البرلماني الجديد

أحزاب ضحايا خطاب سياسي، غياب الفكر الأيديولوجي، والإنخراط

جمال أوكيلي

الأحزاب السياسية التي تفاجأت للمقاعد التي تحصلت عليها، في تشريعيات ٤ ماي، عليها أن تتساءل عن الأسباب الكامنة وراء ذلك، قصد إعادة ترتيب البيت لانطلاقة جديدة خلال المواعيد الانتخابية القادمة، التي ستكون محكا ملموسا لمدى القدرة على بناء كيان للجميع.
التساؤلات الأكثر إلحاحا، وحضورا، تلك المتعلقة بالتنظيم الداخلي والفكر الأيديولوجي، والعمل أو النشاط الميداني ونعني بذلك الكفاءة العالية، والمهارة الفائقة في التعبئة والتجنيد والانخراط، هذه العناصر الحيوية هي المحدّدة أصلا لمفهوم الحزب.. هل هذا موجود عند هذه التشكيلات التي لم تسجل النتائج المرجوة؟.
من الصعوبة بمكان إصدار أي حكم مسبق نظرا لغياب عناصر ملموسة تؤكد هذا الوضع القائم على السرية أحيانا في معرفة التركيبة البشرية للحزب وعدد منخرطيه ولا تجد أبدا من يعطيك أو يكشف لك عن هذه الأرقام.
غير أن المؤشر الحيوي الذي نستند اليه او نبني عليه اي حكم الاحصائيات الصادرة عن وزارة الداخلية والجماعات المحلية، بخصوص عدد المقاعد التي فاز بها كل واحد.
وبقراءة أولية يتضح بأن تجمع أمل الجزائر ١٩ مقعدا، وجبهة المستقبل ١٤ مقعدا، التحالف الوطني الجمهوري ٨ مقاعد، وحركة الوفاق ٤ مقاعد، حزب الكرامة ٣ مقاعد تحركوا في كل الاتجاهات من أجل الفوز بأصوات الناخبين والنتائج تدل دلالة واضحة على ذلك.. وهذا من خلال العمل بقوة في الميدان وهذا ما يلاحظ عند تاج الذي قام بعمل جبّار في الواقع خاصة مع الشباب.
هذه عينة حيّة لصعود أحزاب بشكل ملفت للانتباه قد يكون لها الأثر الايجابي خلال المحليات القادمة المقررة في نوفمبر وبالتوازي مع ذلك، فإن كيانات مثل حزب التجديد الجزائري وحزب التضامن والتنمية والجبهة الوطنية الجزائرية حركة الاصلاح الوطني، تجد صعوبة كبيرة في الاقلاع نحو أفق سياسي واعد.
منذ سنوات أو قل عقود من الزمن، تعود الى تاريخ التأسيس لم تتجاوز المقعد الواحد باستثناء الأفانا الذي تقهقر بشكل مهول، من فترة تشريعية الى أخرى والى غاية وصوله الى موقع «صفر مقاعد» هذا ما حدث له يوم ٤ ماي ليمحى من الخريطة السياسية كلية لماذا يا ترى؟ أما باقي الأحزاب الأخرى، فقد دخلت البرلمان بمقعد او مقعدين وهي فتية على الساحة اعتمادها كان منذ حوالي ٥ سنوات فقط في اطار منح الاعتماد لكامل الأحزاب.
في مقابل ذلك حزب العمال بـ١١مقعدا، الأرسيدي ٩ مقاعد والأفافاس ١٤ مقعدا، يعطي الانطباع بذلك التراجع الرهيب في النتائج بسبب عدم القدرة على بلورة خطاب سياسي مقنع موجه للآخر وانما سقط هؤلاء في مطب النقد اللاذع غير المؤسس، مازال منذ أعوام لم يتغير في مضمونه، يعتمد على الأحكام المسبقة والخلفيات المضرة تجاه ما يسمونه بـ» السيستام» او النظام او أوليغارشيا.
أما حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتحالف حركة مجتمع السلم، لها تقاليد في هذه المواعيد التشريعية وقد تمّ احترام المنطق، في صناعة صيغ سياسية معروفة للحصول على الأغلبية في تمرير مشاريع القوانين وهو ما يعمل به أي «التحالف» قد يكون بين الأفلان والآرندي.. واستنادا الى دستور ٧ فيفري، فإن الوزير الأول يختار من ضمن الأغلبية يبقى فقط تشكيل الحكومة التي تكون مفتوحة على أحزاب حازت على مقاعد محترمة، غير أن الوقائع تقول إن حركة مجتمع السلم ٣٣ مقعدا والاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء ١٥ مقعدا، حركة الاصلاح الوطني مقعد واحد قد ينضوون في تحالف يجمعهم ، قد ينضم اليهم تاج بـ١٩ مقعدا، الأحرار بـ٢٨ مقعدا.. وان كان الأمر مستبعدا بالنسبة لغول والمستقلين نظرا لاختلافات سياسية جذرية.
لذلك فعلى قادة الأحزاب الذين دخلوا هذا المعترك، سواء الذين فازوا أو خسروا تقييم الانتصار والاخفاق لم لا!؟
وأولى هذه الالتفاتة تكون داخلية تخص الفكر الايديولوجي هل للحزب هذه المنظومة من الأفكار ذات الوزن الثقيل؟ ليس لها علاقة أبدا بالبرنامج وإنما التموقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للأسف هذا لا نجده الا عند الأفلان الآرندي وحمس اي المرجعية الايديولوجية التي يستند اليها كل من يريد الالتحاق بهذه التشكيلات، على قناعة تامة كبيان أول نوفمبر والمواثيق الأساسية للثورة العدالة الاجتماعية، التضامن وغيرها في حين تجنح حمس الى «الخلفية الدينية».
وعليه، فإن العمل السياسي أصبح معقدا يستحيل إقناع أي كان الانخراط في حزب معين ونقصد الوجوه الجديدة وهكذا وجد قادة الأحزاب أنفسهم وجها لوجه مع مناضلين منذ اللحظة الأولى للتأسيس لم يتغير أي شيئ زيادة على إبعاد فلان وعلان نتاج ما يعرف «بالتكتلات» المقيتة التي أهلكت هذه التنظيمات وماتزال اثارها ظاهرة للعيان.
يضاف الى كل هذا الأزمة الهيكلية وهي عبارة عن أزمات داخلية بحتة تتعلق بالزعامة هذا الجانب أثر تأثيرا مباشرا في رؤية تشكيلة مستقرة قادرة على دخول المنافسة بعيدا عن ذلك التطاحن والخلافات الحادة، التي جعلت الحزب محل صراعات يومية في كل مرة يغير مقره.. وهناك من ترشح وهو مثقل بالانقسامات والنتيجة معروفة.
ولابد من التأكيد هنا، بأن العمل السياسي التحسيسي والتوعوي لا نجده عند هذه الأحزاب، وتسجل غيابا ملحوظا في الميدان من أجل إستمالة الناس ولم نر أي حزب منذ ٢٠١٤ موعد الرئاسيات الى غاية التشريعيات وكل ما كان يحدث خلال هذه الفترة تلك النزاعات ذات الطابع السياسي.. التي عصفت بالكثير.
هذه العوامل وأخرى تستدعي التعجيل بمراجعتها ودراستها بدقة لتفادي كل ما من شأنه عرقلة مسار الحزب، خاصة مع الاستحقاقات المحلية القادمة.. لفهم حقيقة ما حدث لها يوم التشريعيات بالتخلي عن سياسة الهروب الى الأمام.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19817

العدد 19817

الثلاثاء 08 جويلية 2025
العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025
العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025