المجتمـع المدني عاجــز ولا يـدرك أهميــة الذاكـرة الوطنيــة
أكد أ.عامر رخيلة الباحث في تاريخ الحركة الوطنية أن ورقة التاريخ لا يمكن طيُّها قبل تصفيتها، و من ثم لا يمكن انتظار تغير في موقف الجانب الفرنسي و تنازله للاعتراف بارتكابه مجازر في الجزائر بل هو أمر مستحيل، ولن يكون ذلك إلا بدافع نابع من إرادة سياسية حقيقية وشعبية، تدرك أهمية إعادة الاعتبار للتاريخ و ليس من مجتمع مدني طفيلي نفعي تبعي لا يدرك أبعاد هذا المطلب.
في هذا الإطار، أوضح رخيلة ضيف “الشعب” عشية إحياء مجازر 8 ماي1945، أن على أصحاب القرار في الجزائر أخذ مسألة الذاكرة التاريخية بجدية منتقدا تعامل الجانب الجزائري مع تجريم الاستعمار و الجرائم المرتكبة خلال هذه الحقبة برد فعل انفعالي وظرفي مؤقت سرعان ما يتلاشى، في الوقت الذي كان من المفروض أن يكون هناك موقف دائم و ثابت مبني على دراسة وأهداف محددة.
وتأسف الباحث في الحركة الوطنية لغياب تفاعل من المؤسسات الرسمية بخصوص هذا الموضوع لأن الحديث في هذا الإطار هو حديث عن العلاقة بين الدولتين وبالتالي فالتأطير يجب أن يكون من جانب الدولة الجزائرية، حيث يتعين أن تكون الذاكرة التاريخية الوطنية حاضرة في كل لقاء مع الوفد الفرنسي مهما كان شكله اقتصادي أو سياسي، للتأكيد على التمسك الوطني بهذا المطلب.
وأعطى رخيلة في هذا السياق وجه التناقض المطروح بين الدولتين في الوقت الذي نجد فيه الموجه الجزائري يطرح رؤية أخرى تستنبط من مواقف بعض المسؤولين السابقين على غرار التحجج بعدم طرح المسألة من الرؤساء السابقين للجزائر كأحمد بن بلة وهواري بومدين، و نفس الأمر للمجلس الشعبي الوطني الذي رفض جدولة مشروع قانون بهذا الخصوص بالرغم من أنه مقترح قانون قدّم له من طرفة مجموعة برلمانية وعدم امتثاله لنظامه الداخلي و دراسته وأخذ رأي الحكومة و من ثم إرساله إلى اللجنة المختصة.
وفي المقابل نجد أنه بالرغم من تصريحات إيمانويل ماكرون ومحاولات سابقة للرئيس هولاند لتسليم الأرشيف للجزائر، خرج المدير العام للأرشيف الفرنسي ليقول إنه الوحيد صاحب الاختصاص أو المخول الوحيد باعتباره ممثلا للدولة الفرنسية للتصرف في الأرشيف ولو تم إقالته لقامت القيامة، وهنا تطرح مسألة دولة المؤسسات، ونفس الأمر بالنسبة لما تقدمت به مجموعة برلمانية في فرنسا حول مشروع قانون بخصوص 19 مارس والحركى ومعاناتهم، معربا عن تخوفه من” أن يأتي يوم يُجرّم فيه جنود ومناضلو جبهة التحرير الوطني”.
المال عصب السياسة و ورقة متاحة للجزائر لابد من استغلالها
وحول الوسائل المتاحة حاليا قال رخيلة إن على الجزائر الاستفادة من ورقة المال باعتباره عصب السياسة، وهي ورقة كانت موجودة وما تزال موجودة وستبقى كذلك، بالرغم من أزمات الرأسمالية لأن فرنسا ستبقى دائما بحاجة للاقتصاد الجزائري وفرصه وكل ما هو جزائري من أموال وجالية وحتى سواح، معربا عن أمله في أن يدرك البرلمان الجديد هذه الورقة المتاحة لرسم رؤية جديدة في علاقاتنا مع مكونات المجتمع الدولي ككل والفرنسي تحديدا، باعتبار أن هذا الأخير لديه حصة الأسد من حجم الاستثمارات الأجنبية بالجزائر.
وبخصوص الآليات الدولية المتاحة، قال الباحث في الحركة الوطنية إنها ليست في صالح الجزائر لأنها غير تمثيلية وما تزال نتيجة إفرازات الحرب العالمية الثانية، بالرغم من تغير كل المعطيات والقضايا وحتى الإجراءات التي تضمنها تجاوزها الزمن، ولا تخدم سوى مصالح القوى الكبرى على غرار الفيتو الذي مازال يكرس سياسة الكيل بمكيالين ما ضيع حقوق العديد من الضحايا في العالم، وفي المقابل بإمكان الإرادة الشعبية والسياسية أن تحدث المفاجأة ونحن لسنا أقل شأنا من ليبيا التي نجحت في دفع إيطاليا لدفع التعويض، ولا فرنسا التي دفعت ألمانيا للاعتذار.
واستدل رخيلة في هذا السياق بتغيير موقف الأمريكيين من القضية الجزائرية التي كانت تصوت ضدها إلا أن الدبلوماسيين الجزائريين نجحوا في إقناع كينيدي الديمقراطي والحركات النقابيين و رؤساء بعض الصحف فامتنعت أمريكا عن التصويت في سنة 1957 وكان ذلك مكسبا للجزائر وحرر العديد من الدول المنقادة لأمريكا وارتفعت أسهم التصويت لصالح القضية الوطنية في الجمعية العامة.
وهي الإرادة الشعبية نفسها التي أجبرت ديغول على إصدار عفو عن الجنرالات والمستوطنين الذين ارتكبوا جرائم كثيرة بعد وقف إطلاق النار بين 19 مارس إلى مطلع جويلية 1962، أكثر من تلك المرتبكة من 1959 إلى غاية الإعلان عن وقف إطلاق النار بشهادة قياديين فرنسيين، مستغلين في ذلك بعض المواد التي تضمنتها اتفاقيات إيفيان المتعلقة بمنع متابعة الأفراد الذين ارتكبوا أفعالا من 1 نوفمبر 1954 إلى غاية 19 مارس 1962.