تداعيات نتائج التشريعيات على الأحزاب

حتمية إعادة الهيكلة تنظيميا وسياسيا

جمال أوكيلي

التجديد شعار المواعيد القادمة

لا يجب أن تبقى قلوب قادة الأحزاب الذين لم يتحصلوا على أي مقعد في البرلمان متأثرة بالصدمة التي تلقوها جراء ما حدث أو تظل أذهانهم شاردة لا تفكر إلا في كيفية الرد على مالم يتوقعوه تارة بالتصريحات النارية، وتارة أخرى بالذهاب إلى الخيارات الرديكالية.
اليوم على مسؤولي هذه الأحزاب وحتى التي وجدت نفسها بمقعد أو مقعدين أو التي تدحرجت إلى المراتب السفلى وشعرت بردات الهزة، أن تجلس مع هيئات أركانها من أجل فتح نقاش عميق ثري وهادىء، بعيدا عن أي تشنج.
لماذا كل هذا التراجع؟ وأين الإشكال بالضبط؟ هل هو تنظيمي أم سياسي؟ داخلي أو خارجي، هل يتم مواصلة العمل بهذه الطريقة القائمة على مبدأ نفس المقدمات، تعطي نفس النتائج؟ هل الأسئلة التي لا تنتهي في هذا الإطار وهي متداخلة لا يستطيع الحزب الإجابة عليها مالم تكلف لجنة أو فريق عمل من العارفين بالبحث في هذا الجانب، فهل في ممارساتنا النضالية نتحلى بهذه الثقافة الحزبية، لا نعتقد ذلك والدليل أن جل هذه التشكيلات انطوت على نفسها بدلا من تقييم أوضاعها الداخلية، هناك من فضل «الاحتجاج» هروبا من المحاسبة من قبل منخرطيه.
لابد وأن يدرك قادة هذه الأحزاب بأن الساعة كانت للنظر في واقع وآفاق هذه التنظيمات السياسية ماذا أصاب محركها حتى يعجز عن الإقلاع؟ وماهي حالة أو سلامة قطع الغيار؟ كل هذا وغيره، يكون محل إطلاع خلال هذه الفترة، لتفادي كل ما من شأنه إلحاق صدمة أخرى بهؤلاء، ونحن على مشارف المحليات قبل نهاية السنة، كيف سيكون الدخول إلى هذا الموعد؟ هل باستراتيجية أبانت عن محدوديتها خلال التشريعيات؟
ليس هناك خيار آخر ماعدا الشروع في إعادة هيكلة دقيقة بوضع ملف الحزب على بساط البحث، أمام كل الغيورين عليه، والمؤمنين بالفكرة الجنينية، التي حولته إلى مشروع وطني للأسف تعطلت مسيرته في امتحانات شعبية لقياس مدى قدرته على التفاعل مع الواقع السياسي وولوج المؤسسات المنتخبة.
صيغة إعادة الهيكلة، لا تعني طرد الناس ومعاقبتهم على الفشل، لا الأمر ليس هكذا، المسألة تتعلق بتكييف هياكل الحزب مع الواقع السياسي الجديد، قد تكون لا تتماشى مع الحركية الراهنة، وهذا بتغيير التسميات وكذلك إعادة توزيع الموارد البشرية، وإزالة أو بالأحرى شطب البعض من المصالح التي أخفقت في مهامها وهو ما يعرف  بـ«الأمانات» بإضفاء عليها طابع «المردودية» أي «الفعالية» في الأداء خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بالأمين العام أو رئيس الحزب، أو السكرتير الأول، منها التنظيم، الإعلام، الإنتخابات، التحسيس والتجنيد، كل هذه المؤسسات تتطلب نظرة جذرية، وليست قضية إعادة تلوين المكان فقط، لأن العبرة اليوم بالنتيجة ولا يعقل أن يقبل «زعماء» هذه التشكيلات ما أصابهم من ضربات موجعة هذه المرة تحتم عليهم القيام باستشارة واسعة لسماع أراء المناضلين ومعرفة بالضبط الاختلالات الواقعة والتي قد تؤثر عليهم في حالة عدم تصحيح مسارهم التنظيمي والسياسي.

التشخيص الدقيق

هناك أحزاب لم يمر على تأسيسها ٥ سنوات على أقصى تقدير حصلت على مقعد أو مقعدين، قد يدرج هذا ضمن توجه مشجع من الزاوية السياسية بدخولها إلى البرلمان، لكن من الناحية التنظيمية لم ترق إلى تلك الطموحات المرجوة، قد يكون حضورها في ولاية أو ولايتين فقط وهذا مايعد نقصا كبيرا إذا ما قورن بعدد ولايات الوطن، ينتظرها في هذا الصدد عمل جبار لتغطية باقي الدوائر الإنتخابية، والفوز بمقاعدها لم لا؟.
هذه المفارقة يجب أن ينتبه لها الجميع لا يعقل لأي حزب أن يكون موجودا في منطقة واحدة معينة، هذا يتناقض مع سياسة انتشاره في كامل ربوع الوطن، حتى يكون له حق التمثيل، ومن السابق لأوانه إعادة النظر في آليات عملها، لكنها مدعوة لأن تعتمد استراتيجية انتخابية أخرى تنظيميا وسياسيا وإعلاميا.
وهناك أحزاب أخرى لها باع طويل في الممارسة السياسية لكنها لم تنل هذه المرة ما كانت تنتظره، كحزب العمال، التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وجبهة القوى الإشتراكية، وحركة الإصلاح الوطني، وبدرجة أقل الجبهة الوطنية الجزائرية، هذه التشكيلات أصبحت غير قادرة على التفاعل مع العناوين الكبيرة نظرا لانهيار منظوماتها السياسية في ضبط الموعد الإنتخابي بكل مقاييسه المتعارف عليها.
- أولا: نفور جماعي للكفاءات المناضلة نحو وجهات أخرى بسبب النزعة التسلطية للقيادات، برفض صعود الوجوه الجديدة، والحفاظ على أنظمة تسيير أكل عليها الدهر وشرب.
-  ثانيا: التمسك بنماذج من المناضلين أضروا كثيرا بسمعة الحزب، رافضين مبدأ التداول على الترشح، واعتماد قاعدة القرابة والإنتماء العائلي، وإحلالها محل صفات المهارة، والقدرة على التسيير وحسن التدبير.
-  ثالثا: فشل أداء ما يعرف بالمكتب السياسي واللجنة المركزية، والمجلس الوطني والشوري والهياكل التابعة للحزب في صناعة القرار، هذه التسميات تجاوزها الزمن ووصلت إلى الإنسداد ولم تعد قادرة على إيجاد الحلول، وتوفير الاجابات للمناضلين.
- رابعا: تناقض صارخ بين الفئات العمرية لرؤساء الأحزاب والمناضلين الشباب الذين اصطدموا بأناس يتصرفون بذهنية إدارية والأوامر.. غيبوا الحوار والتشاور.
- خامسا: مازال خطاب هؤلاء يتسم بالسرد للوقائع أكثر من تحليلها، يعيش على مرحلة التسعينات، باستعمال مفاهيم اندثرت لا يعي مغزاها شباب اليوم، الأوليغارشيا، المفترسون، التغيير الهادىء، التفسخ.
-  سادسا: إنقطاع الأحزاب عن الواقع الشعبي، وعدم القدرة على إقناع الناس بأفكارهم، ظهر ذلك خلال الحملة الانتخابية.. نشاطات جوارية جمعت مناضليهم فقط.
هذه المسائل الحزبية الشائكة، تستدعي من القيادات التحلي بالشجاعة الكافية لطرحها على الهياكل الداخلية المعنية، منها الإقرار بالفشل، مما يؤدي حتما إلى مراجعة المـؤسسات المكلفة بمهام معينة، وللأسف لم تحقق الأهداف المسطرة خلال المواعيد المسطرة، أو تغيير مهامها، وهذا بالعمل مع المواطن وليس مع النخب هذا الخطأ وقع فيه الكثير.
وقد تكون تجربة تجمع أمل الجزائر «تاج» نموذجا في التنظيم واختيار المناضلين، وقد اتضح ذلك في القوائم الأخيرة، هذا ما سمح له بالحصول على 19 مقعدا زكاها المجلس الدستوري.
علينا اليوم أن نبحث عن تصورات وأفكار جديدة، في النهوض بالعمل الحزبي عندنا، لأن تراكمات التسعينات ماتزال معشعشة في أدبيات الأحزاب، وهذا يعطلها ويترك المبادرة للآخرين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19467

العدد 19467

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19466

العدد 19466

الجمعة 10 ماي 2024