أحد أعمدة الإعلام الجزائري يرحل عنّا

وداعا... زهير إحدادن

أسامة إفراح

صبيحة أمس السبت، لم تكن موعدا للبهجة أو الفرح.. كيف نفرح ونبتهج وقد فقدنا زهير إحدادن، الأكاديمي والكاتب والمؤرخ وأستاذ تاريخ الإعلام بجامعة الجزائر، وقبل هذا وذاك الرجل السمح الخلوق المتواضع صاحب الابتسامة الخالدة.. الرجل الذي له الفضل من قريب أو بعيد على كلّ قلم خطّ سطورا في الإعلام الجزائري.. الرجل الذي أعطى الكثير في حياته، وترك من ورائه كنوزا معرفية ستنهل منها أجيال وأجيال.
ذات 17 جويلية سنة 1929، بسيدي عيش بولاية بجاية، وُلد زهير إحدادن.. في هذا الزمان والمكان، جاء إلى العالم أحد أعمدة الإعلام في الجزائر، وأحد مناضليها قبل الثورة وأثناءها، وأحد بناة الجامعة في الجزائر المستقلة.
مناضل دائم الترحال
نستشهد هنا بما جاء به أ.مراد آيت بلقاسم عن مسار الدكتور زهير إحدادن، المنحدر من منطقة بني وغليس سيدي عيش بوادي الصومام. تنقل بين الطاهير، ثم بجاية سنة 1942 أين لم يمكث طويلا بعد نزول الحلفاء وتحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية، ثم رجع إلى توجة حيث اجتهد وحفظ القرآن الكريم، ثم إلى قسنطينة سنة 1946 حيث التحق بمدرسة التعليم الفرنسي الإسلامي، وفي عاصمة الشرق الجزائري بدأت مسيرته النضالية حينما انخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري، قبل أن ينتقل إلى الجزائر العاصمة لمتابعة دراسته العليا، وفي 1955 اشتغل أستاذا بثانوية مليانة التي لم يمكث كثيرا بها حيث أوقفته السلطات الاستعمارية وأودع السجن ثم أُبعد إلى وهران، وهناك قُبض عليه مجددا وسُجن، ثمّ فرّ من سجنه وتوجه إلى فرنسا حيث “شقيقه الحفيظ الذي كان من أبرز علماء الذرة بفرنسا”، بحسب آيت بلقاسم.
بعد ذلك توجه إحدادن إلى تونس، ولم تدم إقامته بها طويلا فغادرها إلى المغرب، ثم تحول إلى جريدة المجاهد سنة 1957 رفقة رضا مالك وفرانز فانون ومحمد الميلي، وبقي بالمغرب إلى الاستقلال.
عاد إحدادن إلى الجزائر ودرس أستاذا بثانوية الإدريسي، وساهم في تأسيس المدرسة العليا للأساتذة بالقبة، كما عمل في مديرية النشر والتوزيع بوزارة الثقافة لمدة خمس سنوات، ومن ثم تحول إلى وزارة التعليم العالي والمدرسة العليا للصحافة التي كان مديرا لها في سبعينيات القرن الماضي. ووصف مراد آيت بلقاسم إحدادن بأنه مثقف طلائعي عمل لرقي الإنسان، وعُرف بصراحته المتناهية وإبداء رأيه دون انحياز.
أحبّ الجزائر بكلّ اللغات
لم يتوقف إحدادن عن طلب العلم، فهو حاصل على شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها من جامعة الجزائر، قبل أن يقرر متابعة دراسته العليا بفرنسا حيث حصل على شهادة دكتوراه دولة في العلوم السياسية من جامعة باريس-2. ولم يتوقف نشاطه العلمي مع التقاعد، بل سمح له ذلك بالتفرغ إلى البحث والتأليف.
كان الدكتور إحدادن غزير الإنتاج العلمي، ويبقى كتابه الأشهر على الإطلاق “مدخل لعلوم الإعلام والاتصال” الذي يعتبر المرجع الأساسي لكلّ دارس للصحافة أو مهتم بها.
كما له كتب أخرى منها “علوم الإعلام والاتصال” عن ديوان المطبوعات الجامعية سنة 1985، “الصحافة الإسلامية الجزائرية من بدايتها إلى سنة 1930” الصادر عن المؤسسة الوطنية للكتاب سنة 1986، “شخصيات ومواقف تاريخية” ثم “المختصر في تاريخ الثورة الجزائرية 1954 ــ 1962” وكلاهما صادر عن الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، “الصحافة المكتوبة في الجزائر” عن ديوان المطبوعات الجامعية، “التاريخ المستقل للمغرب (الجزائر من 1510 إلى 1962)” باللغة الفرنسية عن منشورات دحلب، وعنوان هذا الكتاب مستمد من “تحرير التاريخ من الاستعمار” لشريف صالحي. كما كتب “الصحيح في تاريخ المغرب” الذي أصدر منه الجزء الأول (التاريخ القديم) سنة 2016، وشاءت الأقدار أن يلتحق الفقيد بالرفيق الأعلى عشية صدور كتابه الأخير باللغة الفرنسية “مسار مناضل” عن منشورات دحلب.
ولعلّ من سماته إتقان اللغتين العربية والفرنسية كتابة ونطقا، وجاءت كتب التاريخ التي ألّفها باللغة الفرنسية ردا على بعض المؤرخين الفرنسيين الذين وقعوا في الكثير من المغالطات والأخطاء التاريخية والعلمية. كما احتفى الفقيد بثقافة الجزائر الأمازيغية وجذورها الضاربة في القِدم، بتاريخ يمتد إلى 50 قرنا، عاش ثلاثة قرون فقط تحت نير الاحتلال البيزنطي والوندالي والروماني والفرنسي، أما 47 قرنا المتبقية فقد عاشها حرا مستقلا، بحسب إحدادن، وهو ما يدحض آراء من يزعم بأن تاريخ الجزائر هو تاريخ الاحتلال، وبالتالي لا وجود للجزائر المستقلة عبر التاريخ.
زهير.. الملائكة
يجمع كلّ من يذكر الفقيد أو يتحدث عنه، على أنه كان على خلق النبلاء وتواضع العظماء.. وحسب الأستاذ لمين بشيشي، فإن إحدادن كان يلقب بـ “زهير الملائكة”، لما كان عليه من خلق حميد ومن صفاء السرية ورجاحة العقل. وكان الفقيد سنة 1976 في وزارة الأخبار، حيث عمل نائب مدير مكلف بنشر الثقافة الشعبية والتاريخ، يقول بشيشي في شهادة قدمها في لقاء بالمجلس الإسلامي الأعلى. وفي ذات المناسبة، اعتز الدكتور لمين خان بصداقة إحدادن لأكثر من ستين سنة، بعدما التقى الإثنان عند الشهيد عبان رمضان في ربيع 1955؛ لقاء تمّ عن طريق المرحوم عمارة رشيد.
توفي، صباح أمس السبت، الأكاديمي والمناضل زهير إحدادن (1929-2018)، بمستشفى عين النعجة العسكري.. توفي وترك وراءه أصدقاء يبكونه، وطلبة يحبونه، وكتبا تشهد عليه ما دامت القراءة منهجا لأهل العلم والقلم، وقلوبا تدعو له بالرحمة والمغفرة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024