17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية من 1960 إلى 1966 :

«اليربوع الأزرق» شفرة الإبادة بأمر من ديغول

س. بوعموشة

اليربوع الأزرق هو اسم الشفرة التي أعطيت لأول تجربة نووية جوية، أجريت في الصحراء بتاريخ 13 فيفري 1960، بناء على أمر الجنرال شارل ديغول، والتي ما تزال انعكاساتها السلبية إلى غاية اليوم تتسبب في تشوهات خلقية وأمراض سرطانية غريبة على سكان منطقة الصحراء، ولم يسلم من ذلك الحيوان والبيئة، إنها فرنسا المجرمة رافعة شعار  الحرية والمساواة والأخوة وتدعي نشر الحضارة، ويا لها من حضارة التي تبقى وصمة عار على جبين الإنسانية.
التاريخ يشهد لفرنسا الاستعمارية إجرائها 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية بالتحديد بالحمودية غير البعيدة عن رقان ومنطقة تانزروفت القريبة من الحمودية نقطة الصفر أي النقطة التي يطلق منها التفجير، وذلك  من 1960 إلى 1966، ومن فيفري 1960 إلى أفريل 1961 أجرت أربع تجارب جوية، من أجل البحث عن سبل التحكم في تكنولوجيا الذرة النووية ذات الأهداف العسكرية،   بحيث انتهت الاستطلاعات العامة والدراسات الاستراتيجية إلى اختيار رقان كمجال جغرافي أمثل لإجراء، وتنفيذ مشروع التجربة النووية الفرنسية  وذلك في جوان 1957، وكان المسؤول المباشر على المشروع الفرنسي في الصحراء الجزائرية الجنرالCHARLES AILLERT.
لم فرنسا تخف مصالحها الحيوية في الصحراء الممتدة إلى القارة الإفريقية، حيث نشرت المجلة العسكرية سنة 1959، ما يلي:» تجد فرنسا نفسها في وضع ممتاز من حيث الحاجة، إلى الميادين الواسعة للحرب الحديثة بالنظر إلى شساعة أقاليم الصحراء وقرب اتصالها النسبي بالوطن الأم …، إن هذه المكانة المميزة كفيلة بأن تحدث تأثيرا قويا في أساليب دفاعنا الوطني نظرا لأهمية الصواريخ من جهة، وإلى مدى ارتباط هذا الموضوع بمسألة التجارب..».
في هذا الصدد، أكد شارل ديغول هذه الأهمية الاستيراتيجية، من خلال مشروع اتخاذ الصحراء فضاء جغرافيا للتفجيرات النووية المرتقبة، من جهة ومن جهة أخرى المحافظة على أوضاع آبار النفط المستخرج قائلا:» ولكي نحافظ على أوضاع آبار البترول الذي استخرجناه، وقواعد تجارب قنابلنا وصواريخنا، فبوسعنا أن نبقى في الصحراء مهما حصل، ولو اقتضى الأمر أن نعلن استقلال هذا الفراغ الشاسع. ولكي يبقى جيشنا في الجزائر، مادام وجوده فيها مفيدا للسيطرة على إقليمها وحدودها، فليس علينا سوى أن نقرّر ذلك ….» .
  بدأت الأشغال في سنة 1958 وكان يعمل بها اختصاصيون من فرنسا ودول الحلف الأطلسي، وجلب إليها عمال من مختلف الجنسيات، وفي أقل من ثلاث سنوات أصبحت رقان مدينة حقيقية وسط الصحراء، يقطنها 6500 فرنسي و3500 صحراوي، كلهم يشتغلون برقان لإنجاح التجربة في الآجال المحدّدة لها، واعتبرت المنطقة قبل إجراء التجربة منطقة محرّمة قٌسّمت إلى ثلاث مناطق رئيسية:
- المنطقة المركزية لرقان تبلغ مساحتها 6000 كلم مربع وقد مُنع الطيران فوقها بصفة دائمة  ابتداءً من 15 أكتوبر 1959 .
- المنطقة المحيطة برقان: وتمتد على مساحة 50 كلم أُطلق عليها اسم «المنطقة الزرقاء» ومُنع الطيران فوق أراضيها على ارتفاع أقل من 3000 م أثناء الست ساعات التي تعقب وقت الانفجار.
- منطقة تحتوي المنطقتين السابقتين: أطلق عليها اسم «المنطقة الخضراء» يبلغ عرضها من الشرق إلى الغرب 200 كلم وطولها من الشمال إلى الجنوب 150 كلم، ومنع تحليق الطيران فوقها على ارتفاع أقل من 3000 م مدة 12 ساعة التي تعقب ساعة الانفجار.
 أول انفجار للقنبلة الذرية برقان كان بتاريخ 13 فيفري 1960، قدّرت قوته ما بين 60 و 70 ألف طن من T.N.T   هذا يعني أن هذه القنبلة كانت أقوى من قنبلة «هيروشيما» بخمس مرات، ولقد تمّ إشعار المواطنين حيث حلّقت طائرة صفراء على القرية، ووجهت لهم تعليمات للخروج من بيوتهم والارتماء أرضا حسب شهادة بعض المواطنين.
 وبعد اختفاء الطائرة عن الأنظار، دوى انفجار مهول زلزل الأرض واكتسح المنطقة سحاب ساخن، وعلى الرغم من بعد مسافة الانفجار (60 كلم)، فقد تحطّمت بعض المباني.  
أبدت العديد من الدول موقفا متضامنا مع الجزائر مندّدة بالتفجيرات، واعتبارها خرقا للأعراف وعدوانا آخر على سيادة الجزائر وشعبها. وأما الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية عبّرت هي الأخرى عن مواقفها، فالجامعة العربية عقدت جلسة في 31 مارس 1960 الذي صادف واحدا من التفجيرات، وناقشت لجنة الشؤون السياسية  ببالغ القلق موضوع تفجير فرنسا قنبلتها الذرية الثانية في الصحراء الإفريقية مستهينة بسلامة سكان المنطقة وأمنهم.
وأعربت أمانة مؤتمر الشعوب الآفروآسيوية عن استيائها، وحرّرت برقية وجهتها إلى شارل ديغول تصف فيها التفجير بالخرق والمساس بحرمة، وسيادة الشعب الجزائري وتحدّيا سافرا للرأي العام الدولي.
 أما المنظمة الأممية، اكتفت بالإعراب عن قلقها إزاء التفجيرات وأنها منشغلة بمتابعة تطورات القضية أمام تنكر الدول الغربية عن طريق ممثليها والذين طبّقوا لغة الصمت، وانتهت جلستها الطارئة ليوم 20 نوفمبر 1959 بإصدار القرار رقم 1379 يطالب فرنسا بوقف تجاربها نظرا لما تحدثه من مضايقة للشعوب خاصة منها الشعوب الإفريقية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19467

العدد 19467

الأحد 12 ماي 2024