يعد الباحث في التّراث محمد بن مدور كفاءة لا يستهان بها في مجال القدرة الفائقة في التكفل بملف القصبة نظرا لخبرته الواسعة، وتجاربه الرائدة في إلمامه الكامل بمسار هذا الصرح الحضاري من كل الجوانب، كونه أشرف على خلية الاستماع والمعلومات عندما كان يشتغل بدار عزيزة، وهذا بالعمل على جمع أكبر قدر من المعلومات بخصوص حالة هذا الموقع في تواصل يومي بالسكان، زيادة على إحصاء شامل لكل ما يحدث لحظة بلحظة، ويقوم بدوره في نقلها إلى الجهات المسؤولة قصد اتخاذ القرار المناسب والاجراءات اللازمة حفاظا على هذا المكان، ومنع أو بالأحرى وقف المزيد من التدهور وكان في اتصال دائم بالجمعيات المعنية بهذا الجانب التي تزوده بكل صغيرة وكبيرة لإبلاغ الوصاية بما يجري حتى يكون التفاعل في الوقت المناسب، والتحكم في سيرورة الوقائع والثنائية في تبادل المعلومات وقفنا عليها في مكتب بن مدور قبل أن يتركه وينسحب عدد لا يحصى من الجمعيات التي تتوافد عليه كل صباح، حاملة معها كل أسرار القصبة، ونعني بذلك وضعية البنايات بدقّة متناهية يتبع ذلك مباشرة الحل الذي يراه مناسبا من خلال الاقتراحات المقدّمة إمّا بالترحيل أو بإعادة الترميم والتهيئة، وكانت السلطات الولائية تتعامل مع هذه الخلية بكل ارتياح نظرا لكفاءتها وقدرتها على حل المشاكل القائمة بعيدا عن أي تهريج أو تلاعب أو تجاوزات فيما يتعلق بالسكن الممنوح للمعنيّين لأنّ الملفات كانت مصنّفة بكل نزاهة لمن يستحقها.
اليوم، تغيّر الوضع جذريا لا توجد أي آلية مباشرة تربط بين السّلطات العمومية والسكان، لذلك انفرط هذا العقد كلية وللأسف ليس هناك أي معالم توحي بهذه الصيغة التكاملية بين مؤسسات الدولة وسكان القصبة فيما يتعلق بواقع وآفاق هذه المنطقة.
ومنذ أن غابت خلية الاستماع والمعلومات كوساطة بين طرفين لم تعد هناك معطيات منظمة في إطار رسمي تنقل مباشرة إلى المسؤولين أفقيا وعموديا لمعرفة حقا ما يمكن القيام به، وحتى لا تكون الصحافة المصدر حول انهيار العمارات أو الترميمات وغيرها. ولابد من القول هنا بأنّ القصبة تسجّل في الآونة الحالية سقوط البعض من البنايات لكن لا يسمع بها أحد، وهذا راجع إلى انعدام صيغة تواصل في هذا المقام.
لابد من تغيير طريقة العمل بالقصبة، الأمر لا يتعلق بالأرقام حول إعادة التهيئة بقدر ما هي تفكير في طريقة الاتصال بالآخر، خاصة بالجمعيات والمواطنين لتكون هناك ساهرة على هذا المعلم الحضاري والثّقافي.