معلم حضاري ضاع وسط أشغال لا تنتهي
تحيي الجزائر غدا اليوم الوطني للقصبة المصادف لـ ٢٣ فيفري من كل سنة، تخص كل هذه المعالم الحضارية عبر ولايات الوطن وليس في العاصمة فقط، قسنطينة، دلس، وغيرها تروي مسيرة عمران فريد في تصميمه صمد في وجه كل المحاولات الرامية إلى طمسة ومحوه، خاصة خلال الفترة الاستعمارية عندما عمل «مهندسوه» على محاصرة هذا الصرح بالعمارة الحديثة ذات الطابع الغربي البعيدة كل البعد عن الثّقافة الأصلية.
بقدر ما يكون هذا اليوم للذّاكرة المرتبطة بالزمان والمكان والزاخرة بالانتماء إلى حيّز تاريخي بأبعاده الذاتية، فإنّ هذا التراكم الداخلي يؤدّي حتما إلى إسقاطه على الواقع من خلال السّعي لتحسيس الناس بحضور هذه القلعة في النشاطات المبرمجة والمعارض المقامة هنا وهناك كتعبير عن العروة الوثقى بين الانسان وبيئته، وحرصه وإصراره على إبقاء تلك العلاقة حتى وإن كان الشّخص خارج أسوارها لكن الحنين كالمغناطيس يدفعه دائما إلى الالتصاق بالمكان هذا التواصل الفيّاض وغير المفهوم أحيانا نظرا لحماسته غير المحدودة، يفضي في كل الأحوال إلى السعي إلى تفكيك هذا اللغز والانغماس في أغوار هذه الطّلاسم لبلوغ الهدف المراد ألا وهو فهم أعماق الصّلة بين الفرد وإقامته.
وأمام كل هذا «الفخر» الظّاهر فإنّ هناك شقّا آخرا ألا وهو المتعلّق بالباطن الذي يتجاوز شكل التباهي، هناك من يستغل أو بالأحرى يغتنم الفرصة خلال حلول هذا اليوم ليطالب بأن يكون موعدا للتقييم أي معرفة ما يجري في القصبة، هل هناك ورشات ترميم مفتوحة؟ وماذا أنجز إلى غاية يومنا هذا خاصة منذ أن صنّفت كتراث عالمي من طرف اليونيسكو؟ وما هي الإجراءات الجديدة المتّخذة لاستكمال هذا المسعى؟
إنّها الأسئلة التي لا تنتهي أولا ولا تجد لها أجوبة، ثانيا بحكم تعقّد ملف القصبة والخلفيات السّابقة التي أثّرت كثيرا على سمعة هذا الفضاء، والأمر هنا يعني كل تلك الأغلفة المالية المخصّصة لها لكن لم نصل بعد إلى الغاية المدركة، أي تطبيق مخطّطات التّهيئة كما كان يأمله الجميع، ويتم الانتهاء من هذا الكابوس الذي اسمه القصبة بعد منح ٢٤ مليار دينار للتكفل بهذا الفضاء في غضون ٤ سنوات، وهذا بعد إسناد الموقع التاريخي لولاية الجزائر، وتخلي وزارة الثقافة عن متابعة الأشغال المتعلقة بالمعلم، وتسجّل حاليا على مستوى دار البارود مسجد البراني، مسجد الداي، وقصر حسن باشا، دار المجاهدة جميلة بوحيرد، دار بشطارزي، ودويروتان بشارع أوسليماني (لي زار سابقا)، وتتراوح نسب الإنجاز ما بين ٣٠ و٦٠ ٪ يضاف إلى كل هذا عمليات استعجالية منها إعادة تهيئة ٢١٢ بناية، ٧ معالم تاريخية، ٥ مساجد عتيقة، ٩ منازل قديمة، ٥٧ فضاء، تنظيف ١١٤ موقع ورفع ١٣٠ ألف متر مكعب من الردوم والنفايات.
كل هذا العمل المنجز مرجعيته القانونية المرسوم التنفيذي رقم ٠٥ - ١٧٣، المؤرخ في ٩ ماي ٢٠٠٥.
وما ذكر من مواقع السّالفة الذكر، ليست القصبة بأكملها بل أجزاء فقط، أدرجت في عملية التّرميم، وقد لاحظنا ذلك خلال زيارتنا إلى أزقّة القصبة لم نقف على أي مشروع ظاهر لا لشيء سوى لأن أغلبها تابعة لأملاك الخواص، والأغلبية مغلقة ناهيك ما سقط من بنايات في الوقت الراهن وصلت إلى ٤٧ كما سجّلنا أكواما من بقايا الأتربة ملقاة على الأرض، هذا هو الاشكال اليوم أي غياب آلية متابعة ميدانية بعيدة عن المنطق الاداري، لذلك انعدمت الرؤية المتحكّمة في الواقع، واختفت معها الأرقام حول حركية نشاط القصبة.
واستنادا إلى ما هو موجود من معطيات، فإن هناك ٦٣٠ منزل تقليدي، منها ١٨٧ فارغة ومغلقة، و٨٩٣ قطعة فارغة أي لدينا ٢٩٢ مالك بـ ١٥١ دار وقف (حبوس) بمجموع ٤٤٣، و١٨٧ منزل فارغ، أي ٦٣٠ دويرة، و٨٩٣ قطعة فارغة يضاف إليها ٦٣٠ تساوي ١٥٢٣ دويرة.
وقد تطلّب الأمر دعوة ملتقى دولي حول حماية القصبة انعقد مؤخرا أي خلال الأسبوع الأخير من شهر جانفي علقت عليه آمال عريضة في اكتساب أرضية واضحة في كيفية الاستفادة من تجارب والخبراء، وكل ما احتفظ به من شارك فيه هو مقولة الخبير الألماني التي مفادها أنّ ما صرف على القصبة من أموال تجاوز ما استفادت منه مدينة نورمبرغ بعد تدميرها كلية عقب الحرب العالمية الثانية، والكثير انتظر أن ينزل المشاركون إلى القصبة في زيارة عمل للاطلاع عن قرب على كل ما يقال نظريا للأسف هذا لم يحدث لا ندري لماذا؟ زيادة على استغلال التوصيات في شكل كتيب يتحوّل إلى دليل تقني بعد أن يدقّق فيه وينقحه الجزائريون ليوزّع على المؤسّسات والهيئات والجمعيات المهتمّة لمعرفة مسار المتابعة في الميدان.