تبحث عن مكانة لها في مجتمع يرفض بكل قوته أن تكون جزءا فاعلا فيه، يريد أن يصنع مستقبله بيديه التي ربما لم يملكها يوما، يطمح إلى رؤية مستقبله الذي يتمناه يتحقق رغم أن عينيه لم تعرفا النور يوما فمنذ صرخته الأولى في الحياة كان العالم بالنسبة له مجرد صوت وظلام لا يعرف تفاصيله، ورغم وجود ترسانة من القوانين إلا أنها فشلت في منح المعاق على اختلاف احتياجاته الخاصة حقه في حياة كريمة، هذا الكائن البشري الذي صنّفه الكثيرون أقل شأنا من الإنسان الطبيعي يملك داخله «الإنسان» الذي يتمنى الجميع أن يكونوه ولو بِنسبٍ متفاوتة.
أكد ياسين ميرة رئيس الجمعية الوطنية للتربية والتشغيل والتضامن مع المكفوفين على ضرورة إشراك المعاقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة وإقحامهم في اتخاذ القرارات الخاصة بهذه الفئة لأنهم الأعلم بوضعيتهم على أرض الواقع وعلى دراية بالنقائص التي تحول حياتهم في شتى المجالات إلى كابوس حقيقي ما يخلق إرهاصات وتبعات تعود بالسلب على نفسياتهم التي غالبا ما تجعل منهم أشخاصا منكسرين مستسلمين لإعاقاتهم بسبب سوء التكفل بهم، فالقوانين وحدها لا تكفي لتمكين هذه الشريحة من الاندماج الكامل مع مختلف فئاته.
تطبيق القانون هو إذا أهم مشكل يعانيه المعاق حسب ياسين ميرة لأن الجزائر من الناحية النظرية أمضت العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتكفل بالمعاقين إلا أنها بقيت حبيسة الأدراج لأنها بعيدة كل البعد عن صرامة الردع في التطبيق، لأن المعاق لا يحتاج إلى «مزية» من أي شخص مهما كانت مكانته في المجتمع لأن القانون فوق الجميع، من جهة أخرى لا يجب ترك المعاق رهين عقليات وأمزجة قد تحرمه حقه لمجرد أنها في حالة نفسية مضطربة، لأن كرامته كإنسان تمنعنا وتحثنا على جعل القانون الفاصل بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه.
وقال ميرة إن تطبيق القانون بإشراك هذه الفئة في اتخاذ القرار سيضمن للمعاق التكفل التام به فتهيئة المحيط والمباني ووسائل النقل وتوفير الكتب المدرسية بالبرايل والجامعية حتى يتخلص المكفوف من ارتباطه الدائم بشخص يقرأ له الكتب في أبحاثه العلمية، وحتى يضمن الطفل المعاق مستقبله بعيدا عن تسول الناس عطفهم واستجداء مساعدتهم لأن أغلبهم لا ينتمون إلى عائلات تستطيع التكفل بهم خاصة فيما يتعلق بالعتاد الشبه طبي، وأعطى مثال المرأة المطلقة التي تتكفل بطفل معاق يجب أن تكون نفقتها أكبر من تلك التي تتلقاها المطلقة التي أطفالها عاديون، لأن 4000 دج لا تؤمن ولو القليل من احتياجات الشخص المعاق فمثلا المكفوف يشترى اللوحة الخاصة بكتابة البرايل 3000 دج والعصا بـ1000 دج.
ولم ينف ياسين ميرة الجهود المبذولة على أرض الواقع والمكاسب المحققة منذ الاستقلال إلا أنها تبقى قليلة مقارنة بالمعاناة التي يعيشها المعاق على أرض الواقع خاصة وسط غياب إستراتيجية وطنية طويلة المدى للتكفل بهذه الفئة لتحويلها من فئة ذات احتياجات خاصة إلى فئة ذات مميزات خاصة، الأمر الذي ينعكس إيجابا على المعاق ما يمكنه من تقبل ذاته كما هي بنقائصها ومميزاتها، وسيحول الشعور بالنقص إلى إرادة تُلين الصخر وتصنع المعجزات.
ولاحظ رئيس الجمعية الوطنية للتربية والتشغيل والتضامن مع المكفوفين أن غياب إحصائيات دقيقة لمختلف الفئات من المعاقين سواء كانت إعاقة حركية أو ذهنية أو صم بكم أو مكفوفين، ساهم في تأزم الوضع بالنسبة للمعاق لأن العدد الحقيقي لهذه الفئة سيعكس النقائص الحقيقية لها، ما يؤدي إلى عقلنة تسيير الموارد اتجاه هذه الفئة، لأن الدولة تصرف الملايير عليها ولكن دون دراسة أو بحث دقيق عن حاجياتها، المعنوية والمادية. فالمعاق بحاجة إلى قانون ساري التطبيق على أرض الواقع أما حملات التحسيس فتأتي في المرتبة الثانية لأن الأسرة بحاجة إلى قانون يدعمها في تكفلها بابنها المعاق، هي لا تبحث عن إلغاء وصف «مسكين» عن إبنها وإنما تبحث عن حياة كريمة تحفظ القوانين الكثيرة فيها حياة يكون فيها بفضلها عادية، لأن تطبيق القانون وإشراكه في القرارات المتخذة بشأنه هو أكبر دعم له بل هما الطريق المعبدة نحو اندماجه في المجتمع.
ياسين ميرة من خلال جلسة النقاش التي جمعته مع صحفيي جريدة «الشعب» عكس مثالاً حياً لإنسان يعتبر نفسه جزءا من المجتمع الذي يعيش فيه بل أحد مكوناته الأساسية، في مسيرة المعني كانت دائما المنحة الانشغال الأكبر لهذه الفئة، لكن هذا الشخص جعل من المعاق صاحبا تحت مظلة القانون حول اهتمامه إلى تطبيق هذه الترسانة من القوانين لأنها الخطوة الحقيقية التي تضمن لهذه الفئة كامل حقوقها وإن لم تكن هناك عدالة في توزيعها على اعتبار أن أبناء المجاهدين من المعاقين يتلقون منحة مقدارها 20 ألف دج بينما الآخرون كما ذكرنا سابقا لا تتعدى منحتهم 4000 دج.