فريق جبهة التحرير الوطني ...من نيل الحرية إلى تكوين جيل جديد

مدارس لتكوين اللاعبين ..خزان للرياضيين الواعدين

عمار حميسي

يبقى فريق جبهة التحرير الوطني أفضل مثال يحتذى به في التضحية من اجل التحرر والاستقلال. ساهم فريق جبهة التحرير في نيل الحرية بالامس يساهم اليوم في المساعدة على تكوين الجيل الجديد من خلال مدارس التكوين المنتشرة عبر 16 ولاية، وهوالامر الذي سنكتشفه خلال هذا الاستطلاع الذي انجزته «الشعب» في عيد الحرية، مستندة الى شهادات حيّة لمن صنعوا مجد الجزائر.
*محمد بومزراق يعتبر الرأس المدبر لفكرة تأسيس منتخب جبهة التحرير الوطني وذلك بعد صدور قرارات مؤتمر الصومام سنة 1956 التي أصرت على إنشاء تنظيمات تابعة للجبهة، بالتالي وجد بومزراق نفسه يُفكر في هذا الأمر بعد حضوره المهرجان العالمي للطلاب والشباب بالعاصمة الروسية موسكو سنة 1957.اتصل لاحقا بالمرحوم مختار لعريبي وإتفقا معا على تأسيس منتخب جبهة التحرير الوطني .
الفكرة بدأت تصل للاعبين الجزائريين الناشطين في الدوري الفرنسي حينها تواليا، أشرف بومزراق على العارضة الفنية لهذا المنتخب كما نشط كلاعب أيضا وهو الذي درب بعض الأندية الفرنسية قبلها مثل لومان وكولمار .
ساند فكرة بومزراق المرحوم مختار لعريبي الذي كان مدربا ولاعبا مع منتخب الجبهة وهوأحد المؤسسين لهذا المنتخب رفقة أسماء بارزة أمثال محمد معوش، عبد الحميد كرمالي وعبد العزيز بن تيفور. فهولاء اللاعبين كانوا وراء التخطيط لاستقطاب اللاعبين الجزائريين الناشطين بفرنسا قصد الإلتحاق بمنتخب الجبهة .
 كان على رأس أوائل الهاربين من فرنسا مصطفى زيتوني، قدور بخلوفي والحارس عبد الرحمن بوبكر. وهوالثلاثي الذي كان ينشط مع موناكو بالإضافة إلى عمار رويعي الذي كان لاعبا في صفوف أونجي. وجاء التخطيط لإلتحاق باللاعبين عبر 3 أفواج، فوج من روما يقوده بن تيفور، فوج بروكسل يقوده معوش بالإضافة إلى فوج سويسرا بقيادة لعريبي.
تم التخطيط بدقة لهروب جماعي للاعبين الجزائريين من فرنسا قصد الإلتحاق بـ تونس والإنضمام إلى منتخب الجبهة. فإذا كان الكثير منهم تمكن من مخادعة الشرطة الفرنسية والمرور عبر الحدود فإن بعض الأسماء لم يُكتب لها المجيء في الدفعة الأولى إلى تونس خلال أفريل 1958 بعدما اعتقلتها الشرطة الاستعمارية الفرنسية بينها محمد معوش الذي كان واحدا من المؤسسين والمعنيين بالتخطيط لقدوم اللاعبين لكنه إلتحق بمنتخب الجبهة في نوفمبر 1958.
ويعتبر بوبكر، زيتوني، رويعي وبن تيفور الفوج الأول الذي وصل إلى تونس، قبل إلتحاق فوج آخر يضم مخلوفي، لعريبي، كرمالي وعبد الحميد بوشوك، وكلهم لاعبون ينشطون في أندية فرنسية محترمة.

التضحية بالمشاركة في المونديال في سبيل الحرية

كان المنتخب الفرنسي في تلك الحقبة يضم في صفوفه بعض اللاعبين الجزائريين في مقدمتهم رشيد مخلوفي ومصطفى زيتوني، وهوالثنائي الذي كان بإمكانه أن يشارك في نهائيات كأس العالم التي جرت بالسويد سنة، 1958 لكنهما هربا من فرنسا وإلتحقا بتونس للإنضمام إلى منتخب جبهة التحرير الوطني.
 وبالتالي سقط إسميهما من القائمة المعنية بخوض المونديال الأمر الذي شكل ضربة موجعة بالنسبة لـ»الديكة» ذلك ان المدافع زيتوني كان ركيزة إلى جانب مخلوفي الذي ساهم في تأهل فرنسا إلى المحفل العالمي وقتها.
 علما أن عناصر أخرى أيضا حملت قبلها ألوان «الديكة» في صورة بن تيفور، إبرير وبراهيمي.  التحق اللاعبون الجزائريون تواليا بمنتخب جبهة التحرير آنذاك فبعد الأسماء المذكورة في البداية، لبى آخرون نداء الوطن لاحقا وإنضموا إلى صفوف ثورة التحرير.
 الحارس عبد الرحمن إبرير هو الاخر حمل ألوان منتخب فرنسا وهوحارس سابق لأندية بوردو، تولوز وأولمبيك مرسيليا، كما التحق أيضا من الأندية الفرنسية، دحمان دفنون، محمد وعبد الرحمن سوخان، سماعين إبرير، شريف وحسين بوشاش، سعيد حداد، علي بن فداح، حسان شبري، سعيد براهيمي، أمقران وليكان، عبد القادر معزوز، عبد الكريم كروم، أحمد وجاني، بوجمعة بورطال وعبد الحميد زوبا، كما إنضم لاعبون آخرون من الدوري التونسي وحتى من أندية جزائرية .
 دامت فترة هذا المنتخب 4 سنوات كاملة، حتى نجحت الجزائر في نيل إستقلالها من الإستعمار الفرنسي، حيث أشرف المرحوم محمد بومزراق طيلة هذه الفترة على تدريب فريق جبهة التحرير الوطني .
 يمتلك بومزراق خبرة تدريبية مع الوقت في فرنسا بمساعدة المرحوم مختار لعريبي الذي كان لاعبا في نفس الوقت وتحسن مردود منتخب الجبهة مع مرور الوقت خصوصا بعد إلتحاق كافة العناصر. وكانت التشكيلة المثالية في تلك الحقبة كالتالي: دودو، زيتوني، محمد سوخان، زوبا (أودفنون)، بخلوفي، لعريبي (أومعوش)، بن تيفور، رويعي، كرمالي (أووجاني أوعمارة)، عبد الرحمن سوخان ومخلوفي.
فارق العديد من صانعي تاريخ الكرة الجزائرية الحياة الدنيا في السنوات الماضية، بينهم مؤسس منتخب الجبهة وهومحمد بومزراق الذي توفي سنة 1969 إضافة إلى عبد العزيز بن تيفور الذي توفي في السنة الموالية، كما غادرنا المدافع الصلب مصطفى زيتوني وسبقه عبد الحميد كرمالي الذي وافته المنية سنة 2013 .
 إلى جانب مختار لعريبي الذي قاد وفاق سطيف للقب الإفريقي وتوفي في 1989 كما توفي أيضا عبد القادر معزوز (1978)، سعيد حداد (1981)، عبد الرحمن إبرير (1988)، علي بن فداح (1993)، سعيد براهيمي (1997)، أحمد وجاني (1998)، عبد الرحمن بوبكر (1999)، عبد الحميد بوشوك (2004)، أمقران وليكان (2010) وعلي دودو(2014).

المواهب موجودة وتبحث عن من يكتشفها

فكر بعض لاعبي فريق جبهة التحرير الوطني في منح الاضافة للرياضة الجزائرية بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة من خلال التركيز على التكوين الذي يعد العصب الأساسي لنجاح أي بلد في هذا المجال..
ويعكس التطور الكبير الذي عرفته عدة بلدان

افريقية واوروبية تركيزها على عامل التكوين، وهو الامر الذي يمنح الاستمرارية فيما يخص النتائج ووفرة اللاعبين الجاهزين القادرين على رفع التحدي في احلك الظروف .
بعد تفكير عميق اهتدى لاعبو فريق جبهة التحرير الوطني الى تأسيس مجموعة من المدارس على مستوى بعض الولايات وكانت في كل مرة تتوسع الدائرة لتشمل ولايات أخرى دون الوضع في الحسبان العامل الجغرافي فالهدف الاسمى كان البحث عن المواهب في أي منطقة من الوطن .
البداية بـ 43 ولاية

بداية نشاط فريق جبهة التحرير في مجال التكوين كانت مشجعة حيث استطاع تكوين مدارس على مستوى 43 ولاية وهي بداية لمشروع طموح له اهداف نبيلة اهمها خدمة الكرة الجزائرية ومساعدة الأندية في مجال التكوين .
بغض النظر عن هدف ايجاد لاعب ممتاز على مستوى كل ولاية ومنحه الرعاية والاهتمام حتى يصل الى المستوى العالي، كانت الرغبة كبيرة لدى فريق الجبهة في اكتشاف لاعب على الاقل في كل ولاية وهو ما يعد انجازا كبيرا خاصة انه بجمع كل اللاعبين يصبح العدد يناهز الـ50 لاعبا .
ولقيت مدارس فريق جبهة التحرير الوطني اقبالا كبيرا من الاطفال الذين وجدوا فيها السبيل الوحيد للتكوين على اسس عصرية وطرق ابواب أكبر الاندية


الوطنية والدولية . البداية المشجعة دفعت فريق جبهة التحرير الوطني الى التواصل مع مديري الشباب والرياضة على مستوى الولايات المعنية من أجل اختيار طاقم فني من 3 عناصر مدرب ومساعدين.
اختار لاعبو فريق جبهة التحرير الوطني لقب «المربي» على المدرب في كل ولاية خاصة ان الهدف الاول هو تربية اللاعبين وتحسيسهم بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم من اجل تقوية الشخصية وهو الامر الذي يسمح لهم بمواجهة الصعوبات مهما كانت.
ووجد لاعبو فريق جبهة التحرير الوطني تجاوبا كبيرا من طرف مديري الشباب والرياضة على مستوى الولايات خاصة انهم لبوا النداء من الوهلة الاولى ووفروا كل التسهيلات اللازمة بالنظر إلى أن الهدف النبيل الذي يسعى اليه فريق جبهة التحرير الوطني هو أسمى من اي مساومات قد تحدث .
يبلغ سن اللاعبين من 10 الى 16 سنة، وهوسن ملائم من اجل صقل الموهبة إذا كانت ظاهرة أواكتشافها ان لم تكن كذلك حيث كانت النتائج جد مميزة في البداية وتم اكتشاف عديد المواهب التي استطاعت فرض نفسها وهوالامر الذي يؤكد ان الجزائر تزخر بالعديد من المواهب لكنها تنتظر الفرصة فقط من اجل البروز .
تقلص الامر فيما بعد ليصبح 16 ولاية فقط بسبب نقص الامكانيات رغم ان عدد الولايات الحالي يفي بالغرض من الناحية الفنية إلا ان رغبة لاعبي فريق جبهة التحرير الوطني منح الفرصة لجميع الشبان على مستوى الوطن اصطدمت بالواقع .
الدراسة في المقام الاول
يكلف المدرب أوالمربي، كما يطلق عليه بمتابعة تطور مستوى اللاعبين، لكنه بالمقابل ايضا يشرف على دراستهم من خلال متابعة تطورات حالتهم الدراسية سواء كانوا متفوقين أولا . والمفارقة العجيبة ان المدرب يستطيع معاقبة كل لاعب لم يظهر بمستوى جيد في الدراسة في حال تراجعت نتائجه الدراسية قد تصل الى حد الابعاد النهائي من الفريق إن لم يتدارك الامر.
 حفز هذا الامر الاولياء للموافقة على انضمام ابنائهم الى مدارس فريق جبهة التحرير الوطني على مستوى الولايات خاصة انهم لن يكونوا قلقين على دراستهم في ظل الاهتمام والرعاية التي يوليها المدرب المعني بهذا الامر.
ساهمت هذه الخطوة في تحسن المستوى الدراسي للعديد من المواهب خاصة ان طريقة تحفيزها ترتكز على منعها من ممارسة أهم رياضة يحبها الاطفال وهي كرة القدم وبالتالي حرمانهم من تحقيق حلمهم باللعب في المستوى العالي.
 يتم تقسيم الحصص التدريبية على مدار الاسبوع من خلال انتقاء توقيت التدريب بعناية كبيرة حتى لا يؤثر على تمدرس اللاعبين، من خلال برمجة حصص تدريبية، مساء كل يوم جمعة، سبت وثلاثاء وهي أيام لا يتم فيها الدراسة.

برنامج تقني وتكتيكي موّحد

يشرف لاعبو فريق جبهة التحرير بأنفسهم على تطبيق البرنامج التقني والتكتيكي الموحد بين جميع الولايات حتى يضمنوا التطور والتقدم بصورة موحدة وأيضا من أجل الحفاظ على التنسيق بين جميع المدربين. يتم تطبيق البرنامج الموحد من خلال لقاءات دورية مع كل المدربين على مستوى الوطن الذين يقومون بالاشراف على مدارس التكوين، كما تكون الفرصة مواتية من اجل الاستماع الى الانشغالات التي يعاني منها المدربون خلال اداء مهامهم في الاشراف على مدارس التكوين .

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19875

العدد 19875

الأحد 14 سبتمبر 2025
العدد 19874

العدد 19874

السبت 13 سبتمبر 2025
العدد 19872

العدد 19872

الأربعاء 10 سبتمبر 2025
العدد 19871

العدد 19871

الثلاثاء 09 سبتمبر 2025