يرى العديد من السوسيولوجيين والباحثين الأكاديميين الجزائريين، أنّ الذكرى الـ 56 لعيدي الاستقلال والشباب تحل هذا العام في ضوء متغيرات العصر وتحديات جديدة تواجه وطننا ومجتمعنا ومؤسساتنا المختلفة، ولعل أبرزها عامل التفاعل الالكتروني وسط الفضاء الأزرق واحتلاله مقدمة الاتصال على كل المستويات. إنّها محطّة توقّفت عندها «الشعب»، آخذة في الاعتبار شهادات حيّة لأساتذة ورؤيتهم ومقاربتهم في هذا التحول الجزائري.
المستخدم الجزائري يعكس هويّة وطنية واضحة لهذه الدولة
أكّد الدكتور بن دريس احمد أستاذ محاضر بقسم الإعلام والاتصال بجامعة وهران ومدرب دولي معتمد في الإعلام والاتصال، أن عالم التواصل الاجتماعي، أصبح يوازي بأهميته وضخامته مجريات الحياة الواقعية (الاجتماعية والعملية والاقتصادية)، وخصوصا في ظل تزايد شعبية خدمات المشاركة والتفاعل مع المجتمع والمحيط.
ورأى بن دريس في تصريح لـ «الشعب» أنه لم يعد بالإمكان اليوم تجاهل الدور الذي باتت تلعبه منصات التواصل الاجتماعي في الحياة الاجتماعية والاقتصادية ومختلف المجالات الأخرى، لدرجة أنّها أضحت متنفّسا ومنبرا للتعبير عن المكنون وعن الحلم.
وقال الدكتور إنّ تزايد شعبية خدمات مواقع التواصل الإجتماعي على شبكة الإنترنت، هو سمة بارزة في المجتمع البشري الحديث بكل فئاته وتنوعاته، وخاصة بين المراهقين، ولذلك دعا الجميع (حكومة، مؤسسات وأفراد) إلى إدراك أهمية التعامل مع هذه الأدوات بإيجابية وتطويعها لصالح المجتمع.
وأبرز الدكتور أهمية المنظمات الإلكترونية التي تضم بداخلها مجموعة واسعة من المواقع الاجتماعية، وقد أصبح العالم الافتراضي بديلا عن الواقع الحقيقي، ومتنفّسا للشباب بشكل خاص للتعبير عن طموحاتهم وأهدافهم بأن تكون الجزائر أفضل من أوروبا وأهم من العالم بأسره.
وأوضح أنها ردود أفعال طبيعية وأمر مقبول وصحيح، مبرزا تمسك رواد التواصل الاجتماعي خاصة «الفايسبوكيين» منهم بالهوية الوطنية والاعتزاز بالوطن والإستشهاد بالوقائع والأحداث الماضية كالثورة المجيدة والاستقلال، رغم عديد الظواهر الواقعية التي ما فتئت تتزايد باستمرار، وعلى رأسها الهجرة غير الشرعية.
وهنا تأتي أهمية وسائط التواصل الاجتماعي، من خلال المدوّنات والمنشورات والمحادثات التي ينشرها المستخدم الجزائري، والتي تعكس كما قال محدثنا «هوية وطنية واضحة لهذه الدولة، وتؤكد على أنّ الجزائريين قلب واحد مع الجيش الوطني الشعبي وقوة واحدة ضد اللاأمن وكل من يتربص بالجزائر، بعدما ارتفع عدد المقيمين في البلاد إلى أكثر من 40 مليون نسمة، وهي لسان حالهم ومعبره عن مشاعرهم وآمالهم وطموحاتهم».
...الدعوة إلى تطوير المناهج والسياسات بما يتواكب مع العالم الإلكتروني
من جانبه قال الدكتور بن طرمول عبد العزيز أستاذ بالعلوم السياسية، متخصّص في سوسيولوجية الحدث، «أنّ مجتمعنا وبلادنا لا يختلف عن باقي الدول بتعاطيها مع العالم الالكتروني بكثير من الفضول والتمعن، بالنظر لحساسيته وأدواره بمضامين يجري تسويقها بالتعليق والتحليل والكشف عن التفاصيل، باعتبارها سبقا إعلاميا..على أنّ اللافت للانتباه في هذا الجو الايجابي هو تراجع سيادة الدول على عالم الاتصال والإعلام بسبب دخول جهات وأطراف ومرجعيات في جل عمليات الإعلان والبث والترويج».
وأوضح بن طرمول لـ «الشعب» أنها ظاهرة نوعية جديدة، شجّعت السوسيولوجيين والباحثين الأكادميين على متابعتها ودراستها، وتخصيص حيزا معتبرا من الوقت والبحث الميداني من أجل قياس التأثير وفهم الأسباب، نظرا لاعتمادها على عناصر التفاعل التي تبنى عليها المواقف والأدوار بصورها الإيجابية والسلبية.
كما اعتبر بن طوبال أن «الاهتمام بالظاهرة الالكترونية اليوم صار ضروريا وحتميا من أجل الضبط والتحكم والسيطرة على فضاء الإعلام والاتصال بواسطة التشريع والقانون...مما يتطلب تطوير المناهج والسياسات الخاصة به»، مؤكدا على ضرورة أن تستفيد الجزائر من خبرات وتجارب الدول المتقدمة في هذا المجال.
ومن أهم الايجابيات ذات الأثر الواضح، أشار نفس المتحدث إلى تأسيس مجموعات بأسماء مختلفة تدافع عن سيادة وأمن الدولة، كالجيش الالكتروني الجزائري الذي يتابع عن قرب كل التحولات والأحداث، مما يضيف قيما ورموزا ذات وزن كبير، تساعد الدولة على تعزيز وجودها ومكانتها.
وقد ساق بعض الأمثلة على ذلك، من أهمها تيقنتورين وما أثارته من ردود، تقدّمتها تنديدات المواقع الالكترونية الوطنية للشباب ومستعملي الانترنت، ليؤكد في هذا الصدد على المكانة الهامة التي صارت تحتلها المنابر الالكترونية، منوّها إلى أنها
«إضافة نوعية للنهج الإعلامي والاتصالي للدولة ومؤسساتها العديدة، بل حتى الشخصيات السياسية والدبلوماسية والعمومية صارت تصنع لنفسها موقعا وموقفا، من خلال فضاء الأنترنت والإلكترونيك، كما يتوقّع - يضيف محدّثنا - أن يتطور ويتّسع مع مرور الوقت.
هنا أشار الدكتور بن طرمول إلى متغيرات عديدة لعبت دورها في فهمنا وممارستنا، واستغلالنا للتقنية الالكترونية إما إيجابا أو سلبا، قائلا: «إذن أصبحنا نعيش واقعا متجدّدا لممارسة الحرية من أبواب الإعلام والاتصال والتفاعل مع الرأي العام الافتراضي والواقع الجديد الذي تبعته دراسات أكاديمية وبحثية وتجريبية...ولنا فيما يسمى الربيع العربي المثل المعبر من باب الدور الذي احتلته الشبكات الاجتماعية في تدبير وتسيير الأحداث والتبليغ عن التفاصيل التي أحاطت بها...».
كما أوضح أنّ الإيجابيات هي اليوم تستغل أحسن استغلال في مجال الاتصال والإعلام، وكذا العلاقات العامة التي تحتل صدارة التعريف بالدولة وأجهزتها وأدوارها بالداخل والخارج، مبيّنا أن المتتبع للأنترنت يلاحظ خلال هذه الأيام تسجيلات مختلفة وثرية عن تفاصيل ثورتنا المجيدة في تفاصيل عديدة ومواقع مختلفة تبث لأول مرة منذ خمسة وستين سنة، إحياءً لذكرى استقلال البلاد من الاستعمار الفرنسي.
وفي هذا الإطار لفت إلى تزايد انتشار ممارسات التعامل والتفاعل في الجزائر مع الفضاء الالكتروني بالأخبار والأحداث والتعريف بكل ما يستحق إبراز الاهتمام، وهو ما أدى بالسلطات حسبه دائما إلى سحب السيطرة على الجزء الهام من اختصاصها في الإعلام والتبليغ والأخبار.
من جانب آخر، أكّد بن طرمول أنّ أغلبية ما ينشر الآن بداخل بلادنا هو من مواقع وجهات ليست بالضرورة مصدرا رسميا ترعاه وزارة أو سلطة أو جهة تابعة لها، وأنّ هذه الحالة المتجلية في عدة مجالات تدفع بالدولة والمجتمع إلى تحمل ضغوطات وتبعات قد تكون مؤثرة على السلم والأمن القومي، ولا يساعد الدولة على أداء دورها الاتصالي والإعلامي بما تتطلبه مسؤولياتها وصلاحياتها الموزعة على كل القطاعات.
وتطرّق المصدر للحديث عن الإشكال القانوني والتشريعي الذي تفرضه الواقعية الجديدة، حتى تفرض الدول هيبتها وتوضع حدا للفوضى التي تكتسح العالم الافتراضي، وما يتبعه من جنايات وجنح الكترونية هي اليوم تشغل بال المشرّعين والقانونيين وغيرهم، مؤكدا على ضرورة أن تستفيد الجزائر من الخبرة الدولية القانونية من أجل استنباط التشريعات المقارنة، وهو ما تشير إليه التقارير العديدة من دول الشمال التي تخصص كل عام إمكانيات وبرامج وميزانيات في مستوى التطلع والمنافسة.