بقيمة سوقية تتجاوز 3500 مليار دولار

”إياتياف 2025”.. انطلاقة اقتصادية جديدة لقارة واعدة

محمود عامر

تسهيـل المعامـلات التجاريـة وتبسيـط تبـادل السلـع والخدمـات

بعد أن ظلت إفريقيا لعقود طويلة رهينة الصورة النمطية باعتبارها مجرد مزود للمواد الأولية والأسواق الخام، ها هي اليوم تفرض نفسها بجدارة كإحدى أكثر الوجهات الاقتصادية جاذبية في العالم، بقيمة سوقية تتجاوز 3500 مليار دولار، وبقاعدة بشرية تقترب من 1,4 مليار نسمة، ما يجعلها مرشحة لتكون مركز ثقل النمو الاقتصادي العالمي في العقود المقبلة.

 تأتي الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، المزمع تنظيمها في الجزائر من 4 إلى 10 سبتمبر 2025، لتؤكد هذا التحول التاريخي، حيث يجتمع الفاعلون الاقتصاديون، المؤسسات، الهيئات القارية، ورواد الأعمال، في فضاء اقتصادي شامل، يعكس الرغبة المشتركة في بناء اقتصاد إفريقي متحرر من التبعية، قائم على التكامل والتصنيع والإبداع.
تمتلك القارة الإفريقية ثروات طبيعية وبشرية هائلة، منها ما يقارب ثلث الاحتياطات المعدنية المؤكدة عالميا، وأكثر من 75 بالمائة من احتياطي الكوبالت الضروري لصناعة البطاريات، فضلا عن إمكانات طاقوية متجددة، خاصة الطاقة الشمسية التي تمثل 60 بالمائة من أفضل الموارد العالمية، إضافة إلى 60 بالمائة من الأراضي الزراعية غير المستغلة. هذه المؤهلات لا تجعل إفريقيا مجرد خزّان موارد، بل رافعة حقيقية لتحقيق الأمن الغذائي والطاقوي العالمي إذا ما أُحسن استغلالها.
ومن خلال هذا المعرض، تسعى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى تحويل هذه الإمكانات إلى واقع تنموي ملموس، عبر تحرير الرسوم الجمركية، توحيد قواعد المنشأ، وتسهيل انسياب السلع والخدمات. كما أن الصفقات المنتظر توقيعها ستساهم في خلق شبكات إمداد إفريقية متماسكة، قادرة على تقليل التبعية للأسواق الخارجية، وتعزيز الثقة في القدرات المحلية.
الجزائر، باحتضانها لهذه الطبعة، تترجم التزامها العميق بالاندماج القاري، فهي ليست فقط جسرا جغرافيا بين إفريقيا وأوروبا والحوض المتوسطي، بل أيضا فاعلا محوريا في رسم مسارات التعاون الاقتصادي. انضمامها إلى نظام الدفع والتسوية الإفريقي (بابس) يعكس إرادتها في تسهيل المعاملات التجارية وتبسيط تبادل السلع والخدمات، بما يعزز ديناميكية المبادلات.
إضافة إلى ذلك، فإن هذا الحدث يتيح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة فضاء للولوج إلى السوق الإفريقية الموحدة، ويفتح المجال أمام رواد الأعمال لتبادل الخبرات، إبرام الصفقات، وتطوير شراكات استراتيجية. كما أن برمجة معارض قطاعية مثل “معرض إفريقيا للإبداع” و«المعرض الإفريقي للسيارات” تسلط الضوء على أهمية التصنيع والابتكار باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لتحقيق التنمية المستدامة.
ولعل ما يميز هذا المعرض أنه يجسد اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية في بعدها العملي، أي الانتقال من النصوص القانونية إلى الواقع الميداني، ومن الرؤى السياسية إلى المشاريع الاقتصادية الملموسة. وهنا تكمن قيمته الاستراتيجية، كونه منصة جامعة تحوّل الإرادة الإفريقية في التحرر الاقتصادي إلى خطوات عملية قابلة للقياس والإنجاز.
إن انطلاقة إفريقيا الاقتصادية الحقيقية لن تكون مجرد شعار أو خطاب، بل مسارا متدرجا يتطلب التزاما مشتركا، استثمارات قوية، وتنسيق سياسات ناجع. ومعرض التجارة البينية الإفريقية 2025 بالجزائر يمثل لحظة فارقة في هذا المسار، حيث تلتقي الإرادات القارية لتؤسس لمستقبل اقتصادي أكثر استقلالية، أكثر تنوعا، وأكثر انسجاما مع طموحات شعوبها.
بهذا، يمكن القول إن إفريقيا لم تعد فقط قارة الإمكانات، بل قارة الانطلاق الفعلي نح

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19865

العدد 19865

الثلاثاء 02 سبتمبر 2025
العدد 19864

العدد 19864

الإثنين 01 سبتمبر 2025
العدد 19863

العدد 19863

الأحد 31 أوث 2025
العدد 19862

العدد 19862

السبت 30 أوث 2025