الخبـير الاقتصـادي نبيـل جمعــة لـ «الشّعـب»:

الجزائر- تونس - موريتانيا.. رؤية تكاملية جديدة

هيام لعيون

 مقاربة جديدة عنوانها الشراكة رابح-رابح ونموذج للتعميم قاريا 

لانتقال من المبادلات المحدودة إلى إرساء فضاء مندمج

 تشهد القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة ديناميكيات اقتصادية جديدة، مدفوعة بالاتفاقيات القارية للتجارة الحرّة، والبحث عن أسواق بديلة أكثر تنوعا، وهو ما يجعل من السوق الإفريقية فضاء واعدا أمام الدول المغاربية، وفي هذا الإطار، كان وزراء التجارة لكل من الجزائر وتونس وموريتانيا، قد عقدوا لقاء ثلاثيا على هامش معرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر، خصّص لرسم ملامح شراكة متجدّدة قادرة على فتح آفاق أوسع للتكامل الاقتصادي، في إطار خلق نواة صلبة داخل الفضاء الإفريقي الواسع.

 أجرى وزير التجارة الخارجية وترقية الصادرات، كمال رزيق، قبل أيام، لقاء تشاوريا ثلاثيا جمعه بنظيريه التونسي والموريتاني، وذلك على هامش الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية (IATF2025)، الذي تحتضنه الجزائر من 4 إلى 10 سبتمبر الجاري.ضمّ اللقاء كلا من وزير التجارة وتنمية الصادرات التونسي، سمير عبيد، ووزيرة التجارة والسياحة الموريتانية زينب أحمدناه، حيث ناقش الوزراء آفاق تطوير العلاقات التجارية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، في إطار مقاربة تقوم على التكامل والشراكة رابح-رابح.
وفي تصريح له عقب الاجتماع، أكّد رزيق أنّ المحادثات انصبت حول مستقبل السوق المشتركة بين الجزائر وتونس وموريتانيا، وكيفية وضع آليات عملية لتطوير المبادلات التجارية، وفق مبدأ رابح-رابح».يعكس هذا اللقاء الثلاثي إرادة سياسية واضحة في المضي نحو بناء فضاء اقتصادي مغاربي-إفريقي واعد، يكون قادرا على مواكبة التحولات الإقليمية والدولية، وفتح آفاق أرحب أمام المتعاملين الاقتصاديّين في القارّة.

دلالات استراتيجية عميقة

 على ضوء ذلك، أكّد الخبير الاقتصادي نبيل جمعة، أنّ اللقاء الثلاثي بين الجزائر وتونس وموريتانيا، المنعقد على هامش الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر، يحمل دلالات استراتيجية عميقة تتجاوز الطابع البروتوكولي.
أوضح جمعة في تصريح لـ «الشّعب»، أنّ هذه الخطوة تمثل بداية لرسم ملامح فضاء مغاربي جديد يقوم على منطق التكامل، وهو ما يعد تحولا نوعيا في مقاربة التعاون الاقتصادي بين هذه الدول.
وأضاف، أنّ «المغزى الاقتصادي الأساسي يكمن في كون كل بلد يمتلك نقاط قوة يمكن أن تتحول إلى رافعة جماعية، إذا ما تمّ توجيهها في إطار شراكات ذكية ومتوازنة»، مبرزا أنّ الجزائر بقاعدتها الصناعية، وتونس بخبرتها التحويلية، وموريتانيا بثرواتها الطبيعية وموقعها الأطلسي، تشكّل ثلاثيا متكامل الأدوار قادر على فتح آفاق واسعة داخل السوق الإفريقية.
كما شدّد الخبير على أنّ الرهان الأساسي يتمثل في الانتقال من المبادلات التجارية المحدودة إلى إرساء فضاء اقتصادي مندمج، يكون قادرا على مواجهة المنافسة الإقليمية والدولية، واستغلال الفرص التي تتيحها اتفاقية التجارة الحرّة القارية الإفريقية.
علما أنّ الجزائر تمتلك قاعدة صناعية متنامية تشمل قطاعات الصناعات الغذائية، مواد البناء، الصناعات الكيماوية والدوائية،  وإمكانات ضخمة في الطاقات المتجدّدة والهيدروجين الأخضر. إضافة إلى ذلك، فإنّ موقعها الجغرافي يجعلها منفذا طبيعيا نحو العمق الإفريقي بفضل مشاريع السكك الحديدية نحو تمنراست والنيجر، فضلا عن الموانئ البحرية على المتوسّط، إلى ذلك تسعى الجزائر إلى تعزيز صادراتها خارج قطاع المحروقات، وهو ما يجعل السوق الإفريقية وجهة استراتيجية لهذه الطموحات.بحسب المختص الاقتصادي، فإنّ تونس تشتهر بقطاع صناعي لا بأس به، خاصة في الصناعات الميكانيكية والإلكترونية والنسيج، إضافة إلى الصناعات الغذائية، حيث يعزّز موقعها القريب من الجزائر تكامل سلاسل الإنتاج، خصوصا مع وجود مناطق تبادل حدودية ومشاريع مشتركة قيد الدراسة.
تمتلك موريتانيا مخزونا هائلا من الثروات الطبيعية، أبرزها الحديد، النحاس، الذهب والغاز، إلى جانب ثروة سمكية تصنّف ضمن الأهم عالميا، كما أنّ موقعها المطل على المحيط الأطلسي يجعلها بوابة طبيعية للتجارة مع غرب إفريقيا، إذ تسعى نواكشوط إلى تطوير بنيتها التحتية للموانئ والطرق لتعزيز دورها كممرّ استراتيجي نحو الأسواق الإفريقية.

 سوق مغاربي مشترك لم يعد شعارا سياسيا

 في تحليله لأبعاد اللقاء الثلاثي، أكّد الخبير الاقتصادي ذاته، أنّ الحديث عن سوق مغاربية-إفريقية مشتركة ليس مجرّد شعار سياسي، بل خيار استراتيجي واقعي تدعمه القدرات الاقتصادية لكل بلد. كما قال أيضا، إنّ الجزائر بما تمتلكه من خبرة وبنية تحتية، وتونس بقطاعها الصناعي والخدماتي خاصة في الصناعات الغذائية والدوائية، وموريتانيا بمواردها الطبيعية الغنية كالحديد والمعادن والثروة السمكية، تشكّل مجتمعة أرضية خصبة لإطلاق سوق متكاملة وواعدة.
شدّد جمعة على أنّ الرهان يتطلّب أدوات عملياتية ملموسة، مثل توحيد المعايير الجمركية، وتسهيل العبور البرّي والبحري، وإنشاء منصّات لوجستية عابرة للحدود، وحتى التفكير في سياسات ضريبية متقاربة تسمح بانسيابية المبادلات.
أوضح أنّ هذه المبادرة المغاربية المصغّرة، تلتقي في جوهرها مع الرؤية الإفريقية الكبرى التي يجسّدها اتفاق منطقة التبادل الحرّ القارية الإفريقية، ما يعزّز فرص اندماج هذه الدول في دينامية إقليمية أوسع، ويمنحها موقعا تنافسيا في السوق الإفريقية التي تضمّ أكثر من مليار مستهلك.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أنّ نجاح الجزائر وتونس وموريتانيا، في وضع آليات عملياتية حقيقية سيجعل من هذا المثلث نواة صلبة داخل الفضاء الإفريقي الأوسع، وهو ما يمنح الجزائر بصفة خاصة قوة كقاطرة للتجارة القارية، بفضل موقعها الاستراتيجي وقدراتها الاقتصادية المتنامية.

 معالم السوق المشتركة الواعدة

 أشار محدثنا إلى أنّ تنويع القاعدة الإنتاجية، سمة مشتركة لدى الدول المغاربية الثلاث، حيث أنّ كل بلد يملك نقاط قوة مختلفة، فالجزائر صناعية، تونس تحويلية، موريتانيا طبيعية، ما يفتح مجالا لسوق متكاملة.
أما عن التكامل اللوجستي، فيتمثل وفق محدثنا في مشاريع النقل البرّي والبحري والسكك الحديدية ستشكّل عصب السوق، حيث يجري العمل على ربط الشمال بالجنوب وربط المتوسّط بالمحيط الأطلسي، إلى جانب ذلك سيتمكّن الأطراف الثلاث من تبادل الفرص الاستثمارية عبر تشجيع رجال الأعمال على إطلاق مشاريع مشتركة في قطاعات الطاقة، الزراعة، الصناعات الغذائية، والصناعات التحويلية.
الغرض كله وفق محدثنا، هو استهداف السوق الإفريقية الأوسع، عبر الاستفادة من الاتفاقية القارية للتجارة الحرّة، بما يفتح سوقا تضمّ أكثر من 1.3 مليار مستهلك.

تحـدي الاستدامـــة

 غير أنّ جمعة نبّه إلى أنّ التحدي الحقيقي يكمن في الاستدامة، قائلا: «السؤال المطروح اليوم، هو هل ستبقى هذه اللقاءات موسمية مرتبطة بالمعارض، أم ستتحول إلى إطار مؤسّساتي دائم يتابع تنفيذ القرارات والعروض المعلنة؟ مذكّرا بأنّ تاريخ العلاقات المغاربية حافل بالمبادرات التي توقّفت عند حدود الصور التذكارية، دون أن تترجم إلى مشاريع واقعية على الأرض.
وأكّد أنّ الامتحان الحقيقي لهذا المسار الجديد، هو مدى القدرة على تحويل الإرادة السياسية إلى منظومات عمل مستمرة، تضع برامج مشتركة، وتراقب تطور المبادلات، وتضمن المتابعة الميدانية لما يتمّ الاتفاق عليه.
ختم الخبير الاقتصادي نبيل جمعة بالقول، إنّ الزخم الذي وفره معرض التجارة البينية الإفريقية، يمثل فرصة ذهبية لتحويل النوايا إلى مشاريع ملموسة، عبر إطلاق مناطق لوجستية مشتركة وخلق سلاسل قيمة متكاملة بين الدول الثلاث، مستشهدا بإمكانية تحويل الثروة السمكية الموريتانية إلى منتجات مصنّعة في مصانع جزائرية أو تونسية، لتسويقها نحو أسواق إفريقية أوسع.
أكّد المتحدث على أنّ إنشاء أسواق مالية إقليمية يعد خطوة محورية لتعزيز المبادلات التجارية داخل القارّة، مشدّداً على أنّ هذه الهياكل قادرة على مواكبة التحولات الاقتصادية المتسارعة، وتوفير فضاءات تمويلية مرنة تدعم جهود التكامل الإفريقي. واعتبر أنّ مثل هذه المبادرات من شأنها أن تمنح الفاعلين الاقتصاديّين أدوات أكثر فعالية للتعامل مع التحديات الراهنة، خصوصاً ما يتعلّق بتقليص التبعية للأسواق الخارجية وتسهيل حركة رؤوس الأموال بين الدول.
في السياق ذاته، أوضح أنّ اللقاءات والمنتديات الاقتصادية لا تكتسي أهميتها إلا إذا أفرزت نتائج ملموسة، مشيراً إلى ضرورة إرفاقها بآليات متابعة دقيقة تسمح بتنفيذ القرارات وتقييمها على أرض الواقع.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19871

العدد 19871

الثلاثاء 09 سبتمبر 2025
العدد 19870

العدد 19870

الإثنين 08 سبتمبر 2025
العدد 19869

العدد 19869

الأحد 07 سبتمبر 2025
19868

19868

السبت 06 سبتمبر 2025