الدبلوماسية الاقتصادية في الواجهة

مشاريع شراكة بين الجزائر ونيجيريا لتغيير وجه الساحل وغرب إفريقيا

حمزة محصول

يحمل محور «الجزائر - أبوجا»، آفاقا واعدة لمناطق غرب إفريقيا والساحل الإفريقي، تتماشى وطموحات الاندماج الاقتصادي والتكامل التجاري بين دول القارة، ويتجلى ذلك من خلال 3 مشاريع كبرى تقرّر العمل عليها بقوة كي تكون جاهزة في المستقبل القريب.

تشبثت نيجيريا، بمشروع خط الغاز الذي يربطها بالجزائر، وأبدت تحمسا شديدا لتجسيده على أرض الواقع وفي أقرب الآجال الزمنية الممكنة.
وحرصت أبوجا، خلال اجتماع اللجنة المشتركة الجزائرية - النيجيرية، على إبراز إرادة قوية في استغلال القدرات الطاقوية المعتبرة لدى البلدين لخلق شراكة استراتيجية ببعد جهوي غير مسبوق.
نيجيريا التي شكرت الجزائر على استضافة الدورة الرابعة للجنة المشتركة، دعت عبر وزير خارجيتها جيوفري أونياما، إلى وضع آلية تنفيذ ومتابعة للمشاريع المشتركة وبالأخص مشروع «خط الغاز» من أجل ضمان تجسيده وفق جدول زمني محكم، مع رصد الغلاف المالي اللازم.
وتلقت  نيجيريا، ردا إيجابيا جدا من الجزائر، حيث أكد وزير الخارجية عبد القادر مساهل، وجود الإرادة ذاتها لتجسيد «أنبوب الغاز»، لافتا إلى طابعه الإقليمي  وعوائده المعتبرة لدول المنطقة.
تفعيل المشروع الطاقوي الذي سيمكن البلدين من تعزيز حضورهما الطاقوي في الضفة الجنوبية لأوروبا، سيبدأ مطلع سنة 2019،  وفق ما تمّ الإعلان عنه خلال البيان الختامي للجنة المشتركة التي احتضنها المركز الدولي للمؤتمرات بالعاصمة الأحد الماضي، وستعمل وزارتا الطاقة للبلدين على تهيئة الأرضية اللازمة لذلك.
وأطلق مشروع أنبوب الغاز «الجزائر-لاغوس»، سنة 2002، بإعلان مشترك بين شركة سونطراك ومؤسسة النفط النيجيرية، وقدرت تكلفة المشروع يومها بـ 10 مليارات دولار، ناهيك عن الاستثمارات الخاصة بمحطات تخزين الغاز والتي تناهز 3 مليارات دولار.
ويمتد الأنبوب على مسافة 4200 كلم (2310 كلم داخل الأراضي الجزائرية  و1037 كلم بنيجيريا وباقي المسافة داخل تراب دولة النيجر)، وينقل من 20 إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من أبوجا نحو أوروبا.
هذا المشروع الطاقوي العملاق، نشأ في إطار مبادرة النيباد، التي تعدّ الجزائر ونيجيريا من مؤسسيها داخل الاتحاد الإفريقي، وأراد البلدان من خلالها تقديم نموذج قاري على استغلال الإمكانيات المشتركة في مجال الغاز وتجسيد الاندماج الاقتصادي بين منطقتي غرب وشمال إفريقيا.

بطلان الادعاءات
وأثار أنبوب الغاز «الجزائر - لاغوس»، الكثير من اللغط والإدعاءات في السنوات الثلاث الأخيرة، واتقدت حرب نفسية قادتها وسائل إعلامية بغية تحويل وجهة المشروع ليمر عبر الغرب الأقصى للقارة الإفريقية، هادفة من ورائه إلى تحقيق أجندة سياسية ضيّقة تتعارض تماما مع مواثيق ومبادئ الاتحاد الإفريقي.
صحيح، أن تجسيد هذه المنشأة الطاقوية الضخمة، عرف تأخرا بـ16 سنة، وذلك بسبب عوامل معروفة تتعلّق بتدهور الوضع الأمني في شمال غرب نيجيريا نتيجة ظهور النشاط الدموي لجماعة بوكو حرام الإرهابية والذي امتد إلى تراب النيجر أين يمر الأنبوب، ناهيك عما حدث من تجميع للعناصر الإرهابية في شمال مالي ودول الساحل الإفريقي بدءا من سنة 2007.
ويكفي التمعن في خارطة انتشار الجماعات الإرهابية في مناطق إفريقيا الخمس، والمشاريع العابرة للحدود بين البلدان، لمعرفة انعكاسات ذلك بشكل مباشرة على اقتصاد إفريقيا ويذهب بعض المحللين إلى القول بأن الظاهرة الإرهابية في إفريقيا موجّهة أساسا لضرب فرض الشراكة الاقتصادية والتكامل التجاري.

مشاريع واعدة
مشروع خط الغاز، ليس الوحيد الذي وضعت الجزائر ونيجيريا، من أجله ورقة طريق للمتابعة، فهناك الطريق العابر للصحراء الذي حقّق تقدما معتبرا وشبكة الألياف البصرية التي تمتد إلى دول الجوار، ما يسمح برفع خدمات الانترنت وتصديرها وتقريبها من مواطني الساحل وغرب إفريقيا.
هذه المشاريع ذات التكلفة الاقتصادية العالية، من شأنها تغيير واقع التنمية المتدني حاليا في منطقة الساحل وبالأخص في الدول التي تتقاسم مسافة العبور والاستغلال كالنيجر، تشاد، مالي وبوركينافاسو، حيث ستفتح المجال أمام خلق مناطق للنشاط وإنشاء الموانئ الجافة وفتح المنافذ نحو إفريقيا جنوب الصحراء وتدليل المسافة والزمن لنقل السلع والبضائع من خلال ميناء الوسط (شرشال) الجاري انجازه بالجزائر.
هذه الآفاق، ستعود بالفائدة على الشباب بالدرجة الأولى بفضل عشرات الآلاف من مناصب الشغل التي ستوفر، وعلى المتعاملين الاقتصاديين الذين سيجدون بنى تحتية محفزة للاستثمار والتصدير والظفر بمكانة في أسواق تفوق الـ300 مليون مستهلك.

تحديات ورهانات
ويرتبط تجسيد هذه المشاريع بالإرادة السياسية لأعلى سلطات البلدان المعنية، وبالأوضاع الأمنية والاقتصادية لبعض الدول.
وقد أبدت حكومات البلدان في أكثر من مناسبة إرادتها الكبيرة في بناء هذه المنشآت الضخمة على أرض الواقع، وأكدت أنها «أمل» التنمية الحقيقية والخروج من دائرة الفقر والتخلّف.
ويمثل ضعف الأداء الاقتصادي لدول مثل النيجر ومالي، عائقا تقنيا أمام الالتزام بالتجسيد الفعلي للمشاريع في آجالها المحدّدة، لأنها تجد صعوبة في توفير الأغلفة المالية لإنجاز الأشطر الخاصة بها، وهو ما يمكن التغلب عليها من خلال المساعدات المالية وتضامن البلدان فيما بينها.
يبقى التحدي الأكبر، هو الجماعات الإرهابية، التي لا تخفي أبدا نيتها في استهداف المصالح الاستراتيجية للبلدان، وقد لا تتوانى عن ضرب المنشآت الطاقوية الحيوية ولها سوابق عديدة في ذلك. لكن إرادة الدول الإفريقية أقوى من هذا التهديد.
 وبحسب وزير الخارجية النيجيري، جيوفري أونياما، فإن الاتحاد الإفريقي، سطر «القضاء على الحروب وبؤر التوتر في القارة بحلول 2020»، عبر آليات أمنية للرد السريع ومضاعفة التنسيق الأمني بين الدول الاعضاء.
ورغم أن الحرب على الإرهاب تستنزف الكثير من المال والجهد وتتسبب في تضييع الكثير من الفرص الخاصة بالاقتصاد والاندماج التجاري بين الدول، إلا أن استمرار الحملات العسكرية الجادة على الإرهاب من شأنها أن يرجح الكفة ولو تدريجيا للتنمية.
وتحتاج الدول الإفريقية، بعد عقود من الكفاح التحريري وتنسيق المواقف من أجل علاقات دولية أكثر عدلا وتوازنا، إلى دبلوماسية اقتصادية ناجعة، تبنى على منشآت ضخمة مثل التي تربط بين الجزائر ونيجيريا وينتظر تفعليها على المديين القريب والمتوسط.
——

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024