الأستاذ عبد المالك زغبة لـ«الشعب»:

الدبلوماسية الجزائرية الوجه الآخر للكفاح التحرّري

حوار: إيمان كافي

قيم ومبادئ خالدة ألهمت نضال الشعوب المستضعفة وحرّرتها

مثّّل النضال السياسي الخارجي إبان الثورة التحريرية، مرحلة بارزة في كفاح الشعب الجزائري ضد فرنسا الاستعمارية، حيث كان له الفضل في تدويل القضية الجزائرية وجعلها حاضرة في مختلف المحافل الدولية، ما أكسبها الدّعم وتوّجها بالانتصار الكبير بعد سبع سنوات من المقاومة الباسلة ضدّ أعتى استعمار في ذلك الوقت.
«الشعب»: وبمناسبة الذكرى الـ64 لإعلان الكفاح المسلّح،حاولت الوقوف عند دور الدبلوماسية الجزائرية خلال الثورة التحريرية وذلك من خلال حوارها أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد بوضياف بولاية المسيلة  السيد عبد المالك زغبة.

«الشعب»: ونحن نحتفي بالذكرى 64 لاندلاع حرب التحرير المجيدة تستوقفنا اللحظة للعودة إلى محطة حاسمة من تاريخ الجزائر كانت فاصلة بين زمنين متباينين تماما، ما قولكم بالمناسبة؟
الأستاذ عبد المالك بوزغبة: تستحضرني مقولة جميلة جدا للأديب السوري الكبير أدونيس عندما سُئل عن أعظم ثورة في العالم العربي، فقال: «لا توجد ثورة عظيمة في العالم العربي، ما عدا الثورة الجزائرية»، الثورة الجزائرية عظيمة بشهدائها وتضحياتها ورموزها وشعبها الذي احتضن الثورة عندما قام الشباب الثوري المتحمس للعمل العسكري من تلاميذ حزب الشعب الجزائري، حركة الانتصار للحريات الديمقراطية بإلقائها للشارع في الفاتح نوفمبر 1954، بعد نجاح العمليات العسكرية وعددها 33 هجوما ناجحا على مراكز العدو الفرنسي في مختلف مناطق الوطن دون استثناء معلنة القطيعة مع الظاهرة الاستعمارية وبداية العدّ الحاسم لإعادة بعث وإحياء الدولة الجزائرية وفق الوسائل والأهداف التي حدّدتها أول وثيقة تاريخية للثورة الجزائرية، وهي بيان أو نداء أول نوفمبر 1954، مما سبق يمكن الجزم أن الثورة هي علامة فارقة بين مرحلتين رئيستين وهما ليل الاستعمار وبداية بزوغ فجر جديد.

وجهان لعملة واحدة

 ارتكزت الثورة الجزائرية المظفرة على دعامتين أساسيتين هما الكفاح المسلح والنضال السياسي الخارجي، كيف كانت العلاقة بينهما وما الدور الذي لعبته الدبلوماسية لتدويل القضية الجزائرية وجعلها تكسر الطوق الفرنسي وتحصد التأييد تلو الآخر؟
 رغم إعطاء الأولوية للعمل العسكري بعد التأسيس للجناح العسكري (جيش التحرير الوطني)، إذ تضمنت الأدبيات السياسية في العامين الأولين من عمر الثورة كلمتان وهما (الله أكبر- جيش التحرير الوطني). لم تهمل الثورة الجزائرية العمل السياسي على المستوى الخارجي الذي تجلّى في جملة من المظاهر، يمكن حصرها فيما يلي مع التركيز على النقطة الأخيرة، إنشاء إذاعة صوت الجزائر من القاهرة، مشاركة الوفد الخارجي للثورة في مؤتمر باندونغ 20 أفريل 1955، تدويل القضية الجزائرية في الأمم المتحدة 20 سبتمبر1955، نقل الثورة إلى التراب الفرنسي (إنشاء فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا وإنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بتونس يوم 19 سبتمبر 1958، تفعيل النشاط الدبلوماسي للتعريف بالقضية الجزائرية. والمقصود بالعمل الدبلوماسي هو ذلك النشاط الذي تقوم به بعثات ووفود جبهة التحرير الوطني في الخارج للتعريف بالقضية الجزائرية ومحاولة تدويلها أي إعطاء البعد الدولي لكفاح الشعب الجزائري على أمل كسر حاجز الدعاية الفرنسية القائلة، بأنّ القضية تخصّ الشأن الداخلي الفرنسي لوحده ارتكازا على نظرية مغلوطة وهي أن الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا لا يفصل بينهما إلا البحر الأبيض المتوسط، بدليل مشاركة الوفد الجزائري (حسين آيت أحمد وأمحمد يزيد رحمهما الله) في أشغال مؤتمر باندونغ للتضامن الأفرو - أسيوي المنعقد بأندونيسيا يوم 20 أفريل 1955.

قادة سفراء فوق العادة

كان للنضال السياسي الخارجي رجاله العظماء الذين لم يتخرّجوا من مدارس أو معاهد متخصصة، لكنهم أتقنوا فن الدبلوماسية وبفضله جعلوا الرأي العام العالمي ينقلب على فرنسا الاستعمارية وينتصر للقضية الجزائرية، من هم هؤلاء وكيف كانوا يمارسون نضالهم في ظلّ الخناق الفرنسي؟
 من بين الشخصيات التاريخية التي تركت بصماتها في التعريف بالقضية الجزائرية وجاهدت من أجل تدويلها عبر إدراجها في أشغال الهيئات القارية والدولية، نذكر الوفد الخارجي المقيم بالقاهرة ممثلا في الراحل المجاهد أحمد بن بلة ومحمد خيضر ومحمد بوضياف وحسين آيت أحمد الذين شكلوا سفراء فوق العادة وبدون حقائب دبلوماسية في إقناع العديد من الدول بدعم كفاح الشعب الجزائري، بحيث اتخذوا من القاهرة نقطة ارتكاز للعمل الدبلوماسي وإيصال صوت الثورة للخارج، مع توظيف علاقات جمهورية مصر العربية وشعبية جمال عبد الناصر الجارفة عربيا وعلاقته القوية مع الكتلة الشرقية خاصة الاتحاد السوفياتي العضوالدائم في مجلس الأمن، إذ لا ننسى حجم المساعدات التي قدمتها بعض الدول الاشتراكية للثورة الجزائرية على غرار كوبا ويوغسلافيا.
الدبلوماسية الجزائرية التي رافقت الكفاح المسلح إلى الانتصار، كان لها وهجها في اجتماعات ومؤتمرات عدة لعلّ أهمها، مؤتمر باندونغ 1955، ما قولكم؟
** كما سبق وذكرت، مؤتمر باندونغ للتضامن الأفرو-أسيوي أعطى دفعا قويا للقضية الجزائرية بعد صدور البيان التضامني عقب اختتام الأشغال، لأنّه أوجد كتلة جديدة من دول العالم الثالث إلى جانب كفاح الشعب الجزائري، وقد عبّرت الكثير من الدول عن وقوفها إلى جانبنا، وعلى الرغم من محدودية تكوين الوفد الدبلوماسي المشارك في الأشغال، فإن الثمار كانت طيبة وتصبّ في صالح القضية الجزائرية.

موجة التحرّر تمتد إلى المعمورة

 حرب التحرير بفضل جناحيها (المقاومة المسلحة والآلة الدبلوماسية) ألهمت العديد من الثورات وساهمت بشكل أو بآخر في موجة التحرّر التي عرفتها أفريقيا على وجه الخصوص، ما تعليقكم؟
 أنا ضد مصطلح حرب التحرير لأنّها لا تعبّر ولا تعكس حقيقة الكفاح وأحداث القطيعة النهائية مع الظاهرة الاستعمارية، والأصح هي ثورة بأتمّ معنى الكلمة والمقصود بـ»الثورة» هي إحداث تغييرات جذرية ونقل المجتمع الجزائري من حالة سلبية إلى حالة إيجابية، وما جاء في سياق السؤال حول تأثير الثورة في بروز وانتشار موجات التحرّر هوحقيقة لا غبار عليها، بدليل أن الثورة الجزائرية ساهمت في تحرير ونيل 12 دولة أفريقية لاستقلالها دفعة واحدة، بما فيها الجارتان الشقيقتان المغرب وتونس، بينما وصلت قيمها التحريرية إلى جنوب القارة الأفريقية بعد تدريب الزعيم نيلسون مانديلا بمغنية وعودته من أجل القضاء على نظام الميز العنصري وسيطرة الأقلية الأوروبية البيضاء على الأغلبية الأفريقية السوداء، فلم ينس فضل الجزائر التي كانت أول دولة يزورها بعد القضاء على نظام الأبارتيد وتوليه منصب رئيس الجمهورية.

ملف الذاكرة والتاريخ فوق كل اعتبار

 بين الأمس واليوم كيف تقيّمون دور الدبلوماسية الجزائرية؟
 بالأمس الدبلوماسية الجزائرية وعلى قلّة الإمكانيات لعبت دورا حاسما في التعريف والتدويل وإدراج القضية الجزائرية في المحافل الدولية خدمة للغايات التي قامت لأجلها الثورة والتضحيات الجسام التي دفعها الشعب الجزائري غاليا، أمّا اليوم فقد تغيرت المعطيات وصار التعاون الثنائي وخدمة المصالح العليا للبلاد هي أساس الدبلوماسية الجزائرية مع الفارق في العلاقات الجزائرية الفرنسية التي مازالت تخضع لبعض المحدّدات على غرار ملف الذاكرة والتاريخ المشترك بين البلدين.
 كلمة أخيرة
 الإيمان بعدالة القضية الجزائرية هو الذي جعل النصر حليف الدبلوماسية الجزائرية، سأعطيك مثالا رائعا عن الدور الذي لعبه المجاهد الطيب بولحروف أثناء مفاوضات إيفيان الثانية سنة 1962، عندما تمسك الوفد الفرنسي بقيادة وزير المستعمرات لويس جوكس بضرورة فصل الصحراء عن الشمال، فاستنجد الطيب بولحروف بالمثقف الأستاذ مولود قاسم نايت بلقاسم الذي كلفه بضرورة إعداد تقرير علمي مفصل في حدود 10 أيام يثبت بالدليل والبرهان جزائرية الصحراء، وهذا ما حدث فعلا، وعندما قرأ المكلف بملف الصحراء ضمن الوفد الجزائري الطيب بولحروف ما جاء في التقرير، كان رئيس الوفد الفرنسي يلتفت للوراء، حيث يجلس علماء وخبراء فرنسا، فلاحظ حركة رؤوسهم تتحرّك من الأعلى إلى الأسفل والتي تعني نعم أوصحيح، وبالتالي وفّقت الدبلوماسية الجزائرية في الحفاظ على وحدة التراب الجزائري من العين إلى العين، من عين البنيان شمالا إلى عين قزام جنوبا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024