رابح زاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو لـ «الشعب»:

اتفاق الجــــزائر للسلـــم والمصالحــة خيار استراتيجي لاستقرار مالي

أجرت الحوار: إيمان كافي

الموقف الجزائري مؤسس على دعم الحـــــوار الداخـــــلي بين الماليـــــين

نتوقف من خلال هذا الحوار مع الأستاذ رابح زاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولود معمري بتيزي وزو لمناقشة مستجدات الوضع في مالي وأهمية الدور الذي تقوم به الجزائر لمرافقة تنفيذ بنود اتفاق السلم والمصالحة مع قراءة تأثيره في تقليص حجم التهديدات الأمنية وانعكاساتها السلبية على أمن دول الجوار الإقليمي ومنطقة الساحل.

- «الشعب»: جاءت محادثات وزير الشؤون الخارجية الجزائري «صبري بوقادوم» مع نظيره المالي «تيبيلي درامي» لتؤكد دعم البلدين لتعجيل تطبيق اتفاق السلم والمصالحة في مالي، ما هي قراءتكم لأهمية الدور الذي تقوم به الجزائر في سبيل استتباب السلم والاستقرار بهذه الدولة الجارة؟

 رابح زاوي: في حقيقة الأمر، زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى مالي هي زيارة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بطبيعة الحال، لكنها جاءت في ظل ظروف صعبة تمر بها الجارة مالي، حيث مازالت الأزمة هناك تلقي بظلالها على المنطقة وأمنها، ومازال الماليون إلى غاية اللحظة يأملون الوصول إلى الانتقال للخطوة الموالية بعد تحقيق الاستقرار وهي عملية بناء الدولة، الزيارة حملت تأكيدا جزائريا ثابتا على أن اتفاق السلم والمصالحة في مالي، المنبثق عن مسار الجزائر، يعتبر الإطار الأمثل لحل الأزمة في شمال مالي وفق مقاربة شاملة، تجمع بين تحقيق الأمن والاستقرار، وبعث التنمية في البلاد، وهوتكريس للموقف الجزائري منذ اندلاع الأزمة ولا أعتقد أنه سيتغير تحت أي ظرف كان لأن الأمر هنا يتعلق بالأمن الحدودي للجزائر وأمن المنطقة بشكل كامل، فالجزائر مفاوض أساسي وترى أن السيادة والوحدة الترابية لمالي غير قابلتين للتفاوض، كما أنها لم تدخر أي جهد فيما يتعلق بدعم مالي في تنفيذ بنود هذا الاتفاق، بالتعاون مع مختلف الفاعلين الدوليين في إطار آلية متابعة الاتفاق الذي وقع في 2015 بعد وساطة دولية قادتها الجزائر ومن جانبهم القادة الماليون ممتنون كثيرا للجهود التي تقوم بها الجزائر من أجل إرساء الاستقرار وتسوية الأزمة المالية.

الاستقطابات الخارجية للأزمة لعبت دورا في إحباط مساعٍ جادة لحلها

-  اعتبرت الدبلوماسية المالية أن اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر والمبرم منذ 4 سنوات خلت لم يحقق كل نتائجه بعد، لماذا برأيكم؟

  أعتقد أن مسألة تقييم مدى تحقيق اتفاق المصالحة لأهدافه هي مسألة نسبية لعدة اعتبارات، أوّلها أن الظروف في داخل مالي وحتى في البيئة الإقليمية لم تكن مهيأة بشكل كبير لتحقيق نتائج ملموسة، حيث شهدنا استمرارا للعمليات الإرهابية من جهة، إلى جانب استمرار تداعيات الأزمة في ليبيا من جهة أخرى، حيث ساهم ذلك في استمرار تدفق الأسلحة بشكل ملحوظ وهوما ظهر بشكل جلي من خلال المحاولات التي ما فتئ الجيش الجزائري يحبطها في جنوب الصحراء. وثاني الاعتبارات التي نراها هامة هي مسألة الاستقطابات الخارجية والتي لعبت دورا كبيرا في إحباط أي مساع حميدة وجادة لحل الأزمة، ونخص بالذكر هنا تدخلات فرنسا وأطراف أخرى، إلى جانب هذه الطبقة السياسية في مالي والتي لم تكن مستعدة بالشكل الجيد والكاف لتنفيذ ما ورد في الاتفاق، بل أبعد من ذلك مسألة الالتزام هي أهم شيء، لهذا نقول أن تقييم مدى تحقيق اتفاق المصالحة لأهدافه مرهون بتوفر الإرادة الحقيقية لأطرافه من جهة، والالتزام الكامل وغير المشروط بما ورد فيه من جهة أخرى.

-  تتجه الحكومة المالية لإطلاق حوار وطني بين الماليين من أجل تعزيز قواعد الإجماع المشترك، فيما تتوضح أهمية هذه الخطوة؟
  هي خطوة إيجابية وهامة جدا، ويمكن القول أنها ستكون نقطة انطلاق حقيقية لمالي، لأنه من بين أهم شروط نجاح الاتفاق هو فتح حوار وطني داخلي جاد، حوار كفيل بمعالجة نقاط الخلل الموجودة وتفادي الإنزلاقات مستقبلا، ويمكن ملاحظة أن الموقف الجزائري ومنذ البداية مؤسس على هذه النقطة بالذات، وهي دعم الحوار الداخلي بين الماليين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وأكيد أن الجزائر لن تدخر أي جهد في هذا الجانب.

- الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش سبق وأن اعتبر بأن منع المزيد من العنف وعدم الاستقرار في مالي لا يمكن دون معالجة الأسباب الجذرية للأزمة من بينها الفقر وضعف التنمية، فما تعليقكم؟
  في حقيقة الأمر نجد أنه من الضروري في أحيان كثيرة الإشارة إلى أن مسألة التنمية والفقر هي من ضمن المسائل الأكثر أهمية في إفريقيا، لأن الأمن هنا يتعلق بالأمن الإنساني، ويتعلق كذلك بالحياة والاستمرارية، حيث في مالي لوحدها يعيش حوالي نصف السكان تحت إلى جانب تراجع مؤشرات التنمية البشرية، ونقص الرعاية الصحية، وكذا الأمية، وهي كلها بلغت مستويات مخيفة، وتشكل بيئة حاضنة ليس للعنف وفقط، بل للأمراض والآفات الاجتماعية وبيئة طاردة للسكان والتأسيس لحركات الهجرة غير الشرعية، وربما لا يفوتنا هنا أن نشير إلى تنامي شبكات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر، حيث تطلعنا التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية عن أرقام متزايدة ومتنامية.
كما أن الجماعات الإرهابية تجد ضالتها في هكذا مناخ، والاستثمار فيه، سواء من خلال استقطاب المقاتلين أومن خلال العمل مع شبكات الجريمة المنظمة التي أضحت تشكل رافدا هاما وفعالا في المنطقة، وتؤسس لمنطقة شراكة مع الجماعات الإرهابية. وبناء على كل هذه المؤشرات فإنه لابد من التأكيد على أن نقطة الانطلاق الهامة هي دعم مالي في مسائل التنمية لأنها تشكل الحلقة المفتاحية لحل بقية الأزمات، وهنا نشير إلى أن الأمين العام للأم المتحدة شكر الجزائر للدور الريادي الذي تضطلع به في إطار إصلاح منظومة الأمم المتحدة في مجال التنمية.

الأزمة في مالي مازالت تلقي بظلالها على المنطقة وأمنها

- رغم تأكيد عدة أطراف على أن الأمور متقدمة على الميدان في مالي، إلا أن التدهور الأمني ما زال يشكل أكبر التحديات بالنسبة لهذا البلد، فما السبيل للتغلب عليها؟
 أعتقد أن الطريق تمرّ عبر تجفيف المنابع المالية، حيث أنها تشكل أداة التمويل الأساسية للجماعات الإرهابية وللحركات المتشدّدة، والجزائر في هذا الجانب ساهمت وبشكل كبير جدا من خلال دعمها لإصدار تشريعات تجرّم مسألة دفع الفدية والتي تعتبر من أهم موارد تلك الجماعات، من جهة أخرى أظهرت التقارير أن تشديد الجزائر للأمن على حدودها ساهم في تراجع حركة تهريب السلاح وتنقل الإرهابيين مستغلين في ذلك الحيز الجغرافي الشاسع في المنطقة. الأمر الثاني الذي نراه هاما جدا في هذا الجانب هوالدفع بالجيش المالي على مزيد من الاحترافية والتنظيم حتى يكون في مستوى التحدّيات التي يواجهها، وهوالأمر الذي سيسهل له عملية فرض الأمن والنظام على باقي أرجاء التراب المالي، هذا دون أن ننسى مسألة التعاون مع دول الجوار، لأن الأمر هنا مرتبط بشكل كبير جدا بالأمن في الجوار الإقليمي، وهنا الجزائر تشكل حلقة وصل أساسية وأكبر داعم لمسألة الأمن في مالي.

-  يبدو أن التنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل مصّرة على مواصلة عملياتها وهوما نستشفه من المعارك العنيفة التي تنشب بين الحين والآخر، فكيف تقرؤون تأثير التحدي الإرهابي على منطقة الساحل؟
 التحدي الإرهابي في مالي يجد بيئته الحاضنة في ظل الظروف غير المستقرة التي تمر بها الدولة، وفي الطبيعة الجغرافية التي تميزها عن غيرها، أما مسألة العمليات الإرهابية فالتنظيمات مازالت تعتمد على نفس النمط من العمليات وهوعمليات صغيرة ولكنها عنيفة من حيث الأسلحة المستعملة ولكنها من جهة أخرى تحقق صدى إعلاميا كبيرا، لأن الأمر هنا متعلق باستمرارية التنظيمات وقدرتها على استقطاب عناصر جديدة وموارد مالية تمكنها من الاستمرارية، لهذا أعتقد أنه يمكن السيطرة على هذا التحدي من خلال التحديد الدقيق لمصادر تمويله وقطعها، وكذا التنسيق مع دول الجوار.

- على ضوء كل هذه المعطيات التي أمامنا، كيف يمكن للساحل استعادة أمنه؟
 الساحل سيحقق أمنه إذا ما استطاع فهم موقعه في اللعبة الدولية القائمة في المنطقة، بالشكل الذي سيمكنه من تحويل موارده وقوته إلى السبيل الذي سيحقق به أمنه واستقراره، هذا دون أن نغفل أهمية التعاون والتكامل الإقليمي، لأن عالم اليوم هوعالم التكتلات وصراع المشاريع، لهذا أعتقد أن الوقت قد حان لدول المنطقة أن تفهم أن مستقبلها مرهون بالتعاون مع من يقاسمها نفس الهواجس والتصورات لا مع من ينظر إليها بنظرة استعمارية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024