5 سنوات بعد توقيع «اتفاق السلم والمصالحة» في مالي

الفوضى الأمنية وانحسار الثقة يقوّضان عملية التطبيق

أجرت الحوار : إيمان كافي

  المرافقة الجزائرية مستمرة حتى عودة الاستقرار

تتابع « الشعب» اليوم من خلال حوارها مع السيد ياسين سعيدي أستاذ العلوم السياسية، بجامعة محمد الطاهري، ببشار، مسار تطبيق اتفاق السلم والمصالحة في مالي، وذلك بالتزامن مع الذكرى الخامسة لتوقيعه. الأستاذ سعيدي يعتقد بأنّه باستثناء وقف إطلاق النار، فإن الكثير من بنود الاتفاق وجدت صعوبات وعراقيل في عملية التطبيق، خاصة مع رفض بعض الاطراف الالتزام بها.
وخلص الى أن نجاح مسار السلام في مالي يحتاج الى مزيد من الثقة بين مختلف الاطراف التي عليها حشد جهودها في اتجاه التطبيق التدريجي لما تمّ الالتزام به في الجزائر ثم في باماكو، سنة 2015.

-«الشعب»: بعد خمس سنوات من توقيعه، ما تقييمكم لتطبيقات اتفاق السلم والمصالحة في مالي؟
  الأستاذ ياسين سعيدي: باستثناء وقف إطلاق النار الذي تعزّز نسبيا بعد توقيع اتفاق الجزائر ثم باماكو، كثير من بنود الوثيقة وجدت صعوبة في طريق تطبيقها، ولعل ذلك يرجع إلى جملة من العوامل: كالتردّد المتبادل ونقص الالتزام بين أطراف الأزمة في الدفع الحقيقي لهذا المسار، إضافة إلى أن هذه الأطراف عملت على إقصاء بعض الأطر الشعبية والمجتمعية المؤثرة داخل النسيج الاجتماعي والأمني في مالي، مما أدى إلى صعوبة ميدانية في تحقيق تقدم ملموس ومطمئن بخصوص تسوية هذه الأزمة.
-  ما هي العراقيل التي تقف حجر عثرة في طريق إقرار السلام بالجارة الجنوبية؟
 أعتقد بأن هذا المسار يحتاج إلى مزيد من جهود الثقة بين الأطراف أولا، أما العامل المهم فهوحالة الاستقطاب التي أصبحت توجه الكثير من نشاطات وقناعات بعض الجماعات المالية في تحقيق مزيد من الضغط والمكاسب السياسية في مناطق معينة داخل مالي مستفيدة من حالة الاحتقان اتجاه السلطات في الأقاليم، ومن حالة الفوضى التي تجتاح المنطقة ككل للأسباب التي بات يعرفها الجميع من انتشار للسلاح والتدخل الخارجي في مالي وتكثيف الجماعات الإرهابية لنشاطها.
-  الجزائر قادت الوساطة بين فرقاء مالي ما أثمر هذا الاتفاق التاريخي، وقد تعهدت بمرافقة الماليين لتنفيذه، كيف تقيّمون هذه المرافقة؟
 مرافقة الجزائر لمالي ليست وليدة اليوم أومع تجدد الأزمة سنة 2012، فالجزائر ترى دائما في حرصها على أمن دولة مالي صيانة لأمنها الوطني وامتداداته، وترى في وحدة واستقرار هذا البلد، قناعة وتكريسا لعقيدة أمنية راسخة، والعودة إلى تجليات هذا الحرص تقودنا إلى الرعاية الجزائرية لاتفاق «الميثاق الوطني» في جانفي 1991 بين الحومة المالية وحركة تحرير الأزواد مرورا بمختلف لقاءات وجهود التسوية ووصولا إلى اتفاق السلم والمصالحة الوطنية سنة 2015. وهذا دليل على الثقة التي تحظى بها الجزائر لدى فرقاء الأزمة في مالي، إضافة إلى الخبرة الجزائرية في مسارات السلم بالقارة لاسيما في ظل معرفتها بتفاصيل هذا الملف، ودعيني أقول لك بأنه رغم حالة التصعيد وبعض الجهود المعادية التي تسعى إلى تقويض هذا المسار، فالملاحظ صراحة أن الجزائر وهي تترأس لجنة متابعة تطبيق هذا الاتفاق، محافظة في مساعيها على هدوئها والتزامها بتوفير مزيد من الاطمئنان والإقناع لتجسيد خارطة الطريق المتفق عليها في هذا الإطار وقد قامت منذ 2016 بعقد أربع لقاءات سنوية تقييمية لدراسة مسار تقدم وعوائق تطبيق بنود الاتفاق.
-  تتمسّك الجزائر بالمحافظة على علاقات قوية مع دولة مالي وهي لا تدّخر جهدا لمدّها بيد المساعدة، ما تقييمكم لعلاقات البلدين وتعاونهما لتجاوز التحدي الأمني الذي تفرضه التنظيمات الإرهابية من جهة والتدخلات العسكرية الخارجية من جهة أخرى؟
 الحرص الجزائري على بناء علاقات قوية مع دولة مالي يترجمه أكثر شيء تلك المساعي والجهود المتواصلة في بناء مالي لدولة قوية موحدة وآمنة، ودعيني أقول لك بأن الجارة الجنوبية هي أكثر امتداد حيوي للأمن الجزائري في المنطقة ككل لأسباب جيوسياسية وإثنية بشكل أوضح، فالجزائر لم تتخل عن الأزمة المالية مند بداية التمرد سنة 1963 إلى غاية يومنا هذا، وهوما تكشفه التصريحات المتكررة للمسؤولين الماليين الذين يعبرون عن امتنانهم للدور التاريخي المتجدد للجزائر في كل مرة في سبيل تسوية الأزمة المالية.
أظن أن توطّن الثقة في جهود الجزائر خلال هذا المسار الطويل للأزمة، يؤكد احترام وقبول أطراف النزاع المالي للدور الجزائري الذي يعتبر امتدادا لحل أزمات المنطقة، وهذا الدور ليس سياسيا أمنيا فحسب، بل نابع من تكامل لرؤية تنموية متكاملة تسعى الجزائر إلى دعم تحقيقها في مالي.
- ما تعليقكم على الوضع الأمني في مالي، ولماذا أخفقت الحلول العسكرية في جلب الاستقرار؟
 في فلسفة النزاعات، الحلول العسكرية دائما تهدف إلى الحسم لأحد أطراف النزاع، هكذا يكون التصّور لدى الأطراف المتقاتلة ومن يدعمها، لكن الواقع في الحالة المالية كعديد حالات التصعيد العسكري يكشف عن مزيد من الإنهاك بين الأطراف المتنازعة ويؤدي إلى إضعاف مقدرة الدولة وإخضاعها ورهن قوتها، للأسف الأطراف تتقاتل وفي النهاية تجلس لتتحاور وفي ظل الاستقطاب الدولي المتزايد في المنطقة، أظن أن مالي اليوم أمام واقع مثير للغاية لاسيما بتواصل الإخفاق العسكري الفرنسي والتصعيد المطرد للهجمات الإرهابية على المدنيين وحالات العنف التي أصبحت عامة في البلاد، أظن أن اتفاق السلم يلخّص مسار حل الأزمة وعلى الفرقاء في مالي أن يحشدوا جهودهم في اتجاه التطبيق التدريجي لما تم الالتزام به سابقا.
- يواجه التواجد العسكري الفرنسي معارضة متزايدة ورفضا كبيرا من الماليين، ما السبب ولماذا لم تحقق فرنسا بعد 7 سنوات من تدخلها العسكري نتائج إيجابية في مالي والساحل عموما؟
 التدخل العسكري الفرنسي في مالي لم يكن مدروس العواقب، منذ البداية، فرنسا تدخلت في مالي في إطار سياسة حفظ النفوذ والتموقع، وذلك بعد فشلها في ليبيا وسوريا، فمكافحة الإرهاب التي كانت دافعا لهذا التدخل لم تحقق شيئا، بل على العكس تماما حيث تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وتضاعف حجم وتعقيدات البيئة الأمنية هناك، لذا ففرنسا اليوم تواجه انتقادات عارمة واحتجاجات متواصلة بسبب عدم قدرتها على حماية المدنيين رغم أن مسرح العديد من العمليات كان قرب معسكراتها.
- ما المفروض على الجزائر القيام به اتجاه جيرانها في الجنوب لتضمن حدودا آمنة؟
 الجزائر بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد بهدف تحقيق المزيد من التقدم الميداني في تطبيق بنود اتفاق السلم والمصالحة رغم العوائق التي تعترضها، فالجزائر مدركة لحجم الخطر المتزايد عبر هذا الفضاء الحدودي، وهي من أكثر الدول المعنية بامتدادات أزمات دول الساحل نظرا لدورها الإقليمي، كما أنها أكثر الدول خبرة في فهم التعقيدات الأمنية بالمنطقة، لذا فإن العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية من خلال النشاط المكثف لوزير الشؤون الخارجية صبري بوقادوم، اليوم، يبعث على الاطمئنان في أن أي سلوك سياسي أوأمني في المنطقة لن يتم تجسيده إلا إذا كان يخدم مزيدا من جهود السلم والاستقرار في هذا الفضاء.
- كلمة أخيرة..
 للأسف، الوضع في مالي يزداد تعقيدا والتذمر الشعبي الحاصل حاليا في هذا البلد يعكس حالة الارتباك الحاصل على المستوى البنيوي للدولة، فأزمة مالي ليست وليدة تطورات أحداث المنطقة في 2012، وإنما هي نتاج للفشل في قدرة السلطات المركزية على معالجة الأوضاع والمطالب السابقة خاصة في شمال مالي، في مقابل إصرار بعض الجماعات على استعمال الطرق غير المشروعة في مواجهة الدولة، لذا فالمستقبل لا يبعث على أي مؤشرات ايجابية في ظل حالة الاستقطاب الدولي المتزايد وأمام وضع أمني متصاعد، أخيرا أقول دائما أن الحل بيد الماليين وعلى الجميع تحمل التزاماته في الحفاظ على بلد يشكل أي فشل فيه إيذانا بحالة من الفوضى قد تعمّ منطقة الساحل الهشّة بأكملها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024