الدكتور مصطفى صايج أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية لـ “الشعب”

“بنء السّلم والاستقرار في مالي لا يـزال يعـرف تحديات رغـم الخطـوات الأساسية الـتي تمّ ترسيخهـا”

حاوره: سعيد بن عياد

يشخّص الدكتور مصطفى صايج في هذا الحوار بالتّحليل والتّقدير تطوّرات الوضع في مالي بعد اجتماع الجزائر باتجاه الانتقال الديمقراطي، ويتوقّف عند أزمة السّاحل والصّحراء من حيث الأسباب المحلية والدولية. وفي ضوء المعطيات يتوقّف عند المسار الدبلوماسي للجزائر تجاه كل ما يدور بالمنطقة من حيث التشخيص للأوضاع والتحسب للتطورات من منطلق تحصين الأمن القومي للبلاد، ويتناول بالشّرح جوانب التحولات العنيفة في ليبيا ومدى مسؤولية الاحتلال القائم في الصّحراء الغربية تجاه بناء صرح المغرب العربي الكبير بشكل يستجيب لانشغالات وتطلعّات الشعوب كلها. وهذا مضمون الحوار كاملا.

❊ الشعب: إلى أين وصل الوضع في مالي خاصة بعد اجتماع الجزائر الأخير؟ وما مدى توقّعكم لنجاح مسار المصالحة؟
❊❊ الدكتور مصطفى صايج: أعتقد أنّ مسار الانتقال الديمقراطي وبناء السّلم والاستقرار في مالي لا يزال يعرف تحديات كثيرة رغم الخطوات الأساسية التي تمّ ترسيخها، فالجولة الأولى من بناء المؤسسات السياسية الدستورية عن طريق الانتخابات الرئاسية والتّشريعية قد أعطت نوعا من الشّرعية للسّلطة المركزية في باماكو بعد الانقلاب العسكري على الرئيس السّابق أمادو توماني توري. ورغم تمتّع الرئيس الجديد إبراهيم بوبكر كايتا بنوع من الأريحية لامتلاكه الأغلبية في البرلمان إلاّ أنّ بنية النظام السياسي في مالي، وهشاشة الأحزاب السياسية القائمة على القبلية والتحالفات الهشّة خصوصا في التعاطي مع أزمة شمال مالي بين تيار رافض للتوافقات مع القوى السياسية والمجتمعية في منطقة الأزواد، وتيار يريد أن يبرهن على شرعيته تحت الضّغوط الإقليمية والدّولية لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2100 المتعلّق بمالي، أو اتفاق واغادودغو بين السّلطة الانتقالية في مالي والحركة الوطنية لتحرير الأزواد والمجلس الأعلى لتوحيد الأزواد.
وعليه، فإنّ المصالحة الوطنية تقتضي تجاوز مجموعة من الحواجز المتينة، أوّلها مسألة التمثيل لمنطقة شمال مالي، خصوصا وأنّ المتعارف عليه حدة الانشقاقات داخل الكتلة التفاوضية للمثلي شمال مالي، وتجربة الحركة الوطنية لتحرير الأزواد، وانبثاق حركة أنصار الدين. ومن ثمة المجلس الأعلى لتوحيد الأزواد كلّه يشكّل تحدّ يعطي فرصة للتيار الرافض للتنازل عن السّلطة، وتقسيمها في الجنوب لإطالة عمر الأزمة في الشّمال. أما المسألة الثانية فتكمن في إعادة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للحركات المسلحة وأبناء الشمال، وهو ما يتطلّب قدرة مالية وتمويلية لا تمتلك قدراتها السلطة الحالية في مالي، مقابل بطء الدول المانحة لإيصال تمويل المشاريع التي تحتاجها المنطقة.
أمّا الحاجز الثالث فيكمن في تعدّد فضاءات إدارة الأزمة في شمال مالي، والكثير منها يريد خدمة مصلحته الإقليمية على حساب استقرار منطقة الأزواد، وهو الدّور مثلا الذي تريده المغرب باستخدام الجناح العسكري للحركة الوطنية لتحرير الأزواد بعدما استقبل الملك محمد السادس ممّثلها بلال أغ الشريف في مراكش للضغط على مسار بناء ثقة التفاوض التي تدعمه الجزائر بطلب من السلطات المالية، وإلى حدّ كبير الدور الذي تريد لعبه بوركينا فاسو بإعطاء الدور الأكبر لمنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا (الإيكواس).
 ❊ أزمة السّاحل والصّحراء، أزمة محلية إقليمية أم نتاج صراع نفوذ دولي؟
❊❊ تتشابك الأسباب الداخلية بالدولية في الأزمات التي تعرفها منطقة الساحل، فبعد ما يزيد عن نصف قرن من استقلال هذه الدول لم تصل بعد لترسيخ الديمقراطية وبناء نماذج سياسية وتنموية على غرار بعض النماذج الناجحة في آسيا، وعليه فإنّ مؤشّرات التّنمية البشرية المتعلّقة بمعدلات وفيات المواليد، وقصر عمر الحياة، وسوء الخدمات التعليمية والصحية. كلّها تجعل دول المنطقة في ذيل الترتيب لدول العالم في مؤشرات التنمية البشرية، يضاف إليها ترتيب هذه الدول في أعلى مؤشرات الفساد والتخلف السياسي، ممّا يجعلنا نؤكّد على تصنيف هذه الدول ضمن الدّول الفاشلة لعجزها عن تأمين السيادة بتصاعد جماعات انفصالية، وتحويل المناطق الهشّة إلى ملاذات آمنة لجماعات الإرهاب والجريمة المنظّمة من اختطاف الأجانب إلى تجارة المخدرات.
وبالمقابل، فإنّ بعض هذه الدول تمتلك من مقوّمات الموارد: اليورانيوم، الذهب، الحديد والألماس ما يجعل الشّركات متعدّدة الجنسيات  تراهن على إضعاف السلطة المركزية وتشجيع التجزئة الانفصال بما يخدم مصالحها. ويكفي ّ النظر إلى التنافس الدولي من خلال محاولة الرئيس النيجيري السابق مامادو تانجا بإعادة التفاوض مع شركة ‘’أريفا’’ الفرنسية التي تزود فرنسا بأكثر من 40 بالمائة من اليورانيوم من شمال النيجر، وتوسيع الشراكة مع شركات صينية ليتم الانقلاب عليه في بداية سنة 2010، أي أنّ التنافس الفرنسي ـ الصيني هو الذي يدفع بالفرنسيّين لتوظيف الأزمات في منطقة الساحل لإعطاء شرعية للتدخل العسكري للحفاظ على هذه المصالح. ونفس المنطق مع نموذج ليبيا في الصراع الطاقوي بين ‘’غازدوفرانس’’ و’’غاز بروم’’ الرّوسية، يضاف إليها التنافس حول سوق الأسلحة بين دبلوماسية الرافال التي فشل فيها ساركوزي مع نظام القذافي وطائرات الميغ الروسية.
  ❊ الجزائر يعنيها ما يدور في المنطقة وفقدت عددا من دبلوماسيّيها، تقييمكم لتعاملها مع الأزمة وما قراءتكم لدورها في تنمية مناخ الاستقرار في المنطقة؟
❊❊ يجب أن ننظر كاعتقاد إلى أنّ الأمن القومي الجزائري مرتبط أساسا في جوهره بالجنوب، لعدة اعتبارات، الاعتبار الأول أنّ الأمن القومي الطاقوي موجود في الجنوب وتجربة ‘’تقنتورين’’ هو اختبار أولي، ثانيا أنّ الصّحراء الجزائرية كانت محل أطماع الاستعمار الفرنسي بمحاولة فصلها عن الشمال، وهو ما عطّل استقلال الجزائر بسنتين نتيجة تمسك المفاوض الجزائري في مفاوضات إيفيان بالسيادة الجزائرية غير القابلة للتجزئة. وعليه فإنّ رهانات الآخر هي في اللعب على ورقة الجنوب الجزائري، ومن ثمة تقتضي سلوكاتنا الخارجية إيلاء الأهمية الحيوية لمنطقة الساحل الصحرواي، وهو ما تجسّد في المشاريع الجزائرية الإقليمية سواء تعلق الأمر بالمشاريع الأمنية لمجموعة دول الميدان وتشكيل قيادة عسكرية عملياتية مشتركة مقرها تمنراست أو تفعيل ورقة الطريق لدول الساحل السبعة التي اجتمعت بالجزائر في مارس 2010. وحدّدت مجموعة من المبادئ التي تضبط سلوك دول الساحل في التعامل مع الأزمات في المنطقة بإعطاء الأولية لدول المنطقة لتفعيل بناء السلم والتنمية. والمجتمع الدولي يعطي للجزائر مكانة أساسية في هذه المنطقة، كما توضّحه تقارير وتوصيات الأمم المتحدة التي تعتبر الجزائر دولة تتمتّع بخبرة دبلوماسية وثقل مالي يمكنه المساهمة في بناء السلم في مالي وحتى في ليبيا.
 ❊ في ضوء كل هذا، ما مدى تأثير الأوضاع في ليبيا وتونس على الوضع الإقليمي برمّته؟
❊❊ الانتقال الديمقراطي في ليبيا شكّل لدول الجوار كما تؤكّد ذلك تقارير الأمم المتحدة مجموعة من التحديات لأمنها القومي، منها فوضى السّلاح وغياب مؤسسة أمنية مركزية الأمر الذي ترك الفراغ لجماعات مسلّحة ومليشيات يصعب التعامل معها، ممّا ينعكس على الصعوبة في إيجاد سلطة رسمية شرعية يمكن بناء التعاون معها، وحالة الفوضى نتجت عنها فراغات أمنية تحاول بعض الجماعات المتطرّفة استغلالها مثل أنصار الشريعة المتهمين باغتيال السفير الأمريكي ولجوء الكتائب المسلّحة لاختطاف الدبلوماسيّين، وكلّها قضايا تنعكس سلبا على دول الجوار. وعلى عكس ذلك فإنّ تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس كانت نتيجة لتوافقات داخلية عسيرة، لكنّها استطاعت أن تقفز على الكثير من الصّدامات العنيفة لامتلاكها نخبا وأطرا مؤسساتية قوية لمجتمع مدني يلعب دور التوازن بين النخب السياسية المتصارعة، وهو ما قامت به مثلا نقابة العمال والباترونا ونقابة المحامين ومنظمة حقوق الانسان للضغط على المتنافسين لتحديد أهداف برزنامة زمنية تقود إلى بناء شرعية المؤسّسات التي لا تزال في مرحلتها الانتقالية من اجل ترسيخ الديمقراطية.
❊ القضية الصّحراوية شوكة في حلق البناء المغاربي، ألا تعتقدون أنّ المغرب كقوة احتلال يمكنه تحقيق أهدافه ضمن اتحاد المغرب العربي الواسع مقابل تقرير الشّعب الصحراوي لمصيره في إطار الشّرعية الدّولية؟
❊❊ أعتقد أنّ تكلفة الاحتلال المغربي للصّحراء الغربية عطّلت الكثير من مصالح شعوب المنطقة المغاربية، من أجل إيجاد فضاءات للتعاون والتبادل، كان يمكن إنجاز بناء مغاربي موسع يضمن لشعب الصحراء الغربية حقّه في تقرير المصير أن يفيد المغرب والجمهورية العربية الصحراوية بما يخدم مصالح الشعبين المغربي والصحراوي ومصالح المنطقة برمّتها، وهي الضّمانات التي قدّمها الطّرف الصّحراوي في مفاوضاته مع المغرب، لكن للآسف كما قال الجنرال جياب: “الاستعمار تلميذ غبي لا يفهم إلاّ بتكرار الدّروس”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024