شغور منصب رئيس الجمهورية في لبنان

حسابات ظرفية أم أزمة سياسية !؟

جمال أوكيلي

منذ تاريخ ٢٥ ماي، دخل لبنان مرحلة شغور منصب رئيس الجمهورية عقب إنتهاء عهدة ميشال سليمان التي دامت ٦ سنوات كاملة، رفقة أربع حكومات لكل من السنيورة والحريري وميقاتي وسلام، وهذا بعد فشل مجلس النواب لنبيه بري من إنتخابات رئيس جديد للمرة الخامسة على التوالي.

وأبدى سليمان تصميما صارما على مغادرة قصر بعبدا مهما كان الأمر عند تاريخ إنتهاء ولايته، إلا أن السياسيين عجزوا في التوصل إلى اختيار شخصية قادرة أن تلقى ذلك الإجماع المفقود من أجل استمرارية أداء المؤسسات الدور المنوط بها في سباق أمني وسياسي حساس تمر به المنطقة جراء المستجدات الطارئة والناجمة عن أحداث سوريا، واستفزازات إسرائيل.
وللأسف كل التخوفات التي أعربت عنها الطبقة السياسية في لبنان هي الآن قائمة في المشهد الحالي بمعنى أن لبنان اليوم بدون رئيس مما يغير معادلة النقاش في البلد بالرغم من وجود آليات لتفعيل الشؤون العامة، وتصريف الأعمال وفق ما تضمنه الدستور، وستسند هذه المهمة مؤقتا إلى حكومة تمام سلام ريثما يتم العودة إلى عملية إعادة انتخاب رئيس جديد. وهذا بعدما تقرر إبقاء جلسات النواب مفتوحة.
والإجماع الحاصل لدى اللبنانيين مهما كانت مشاربهم السياسية هو ضرورة تفادي الفراغ الرئاسي، والمضي قدما باتجاه إيجاد البديل في أقرب وقت، إلا أن هذا الخطاب المترجم لوعي هذه الشخصيات بالتحديات الراهنة لا يكفي ويبقى مجرد حرص على ديمومة مؤسسات البلد وهذا بالنظر إلى هوة الخلافات الحاضرة والتي لا ترتبط بالمنصب بقدر ما ترتبط بالتطورات الحدودية خاصة مع سوريا. هنا مربط الفرس ما دام هناك غياب رؤية متجانسة إزاء الأحداث في ذلك البلد فإن الشغور سيبقى سيد الموقف ويسير الجميع من إخفاق إلى إخفاق بسبب رفضهم لنظرة كل واحد منهم لما يجري في الشام.
وفي التشخيص السياسي فإن قواعد اللعبة يديرها فريقان ١٤ آذار لجماعة الحريري و ٨آذار لحزب الله والتيار الوطني الحر.. هؤلاء وغيرهم

ممن سار على دربهم هم الذين أوصلوا البلد إلى الإنسداد بعد ٥ جولات من اجتماعات مجلس النواب في كل مرة يسجل عدم توفر النصاب أي ضرورة حضور ثلثي النواب البالغ عددهم ١٢٨ نائب أي ٦٨ نائبا على الأقل لينال المرشح هذا المنصب ونصف عدد الأعضاء زائد واحد خلال الدورة الثانية وهذه المعادلة الرقمية لم تكن لأي مرشح ونقصد هنا سمير جعجع الذي يطمح لهذا المنصب أمام معارضة غير معلنة لفريق ٨ آذار يكفي فقط غياب النصاب لترفع الجلسة إلى موعد لاحق، وتعاد الأوضاع إلى نقطة الصفر، لذلك فإن منصب رئيس الجمهورية في لبنان لن يكون أبدا لجعجع، وقد أخطأ من دعاه إلى تولي هذه المسؤولية الشائكة في بلد تأثر أيما تأثر بأحداث سوريا، بالرغم من وجود تحفظات شديدة في الوسط المسيحي على ترشحه هذا، مفضلين أن يكون ميشال عون الأقرب إليهم في هذا الطرح كونه إستطاع مد جسور التواصل مع الجميل وغيره.
والرسالة السياسية لحزب الله والتيار الوطني الحر يزعم مسؤولو المستقبل والقوات أنهم لم يفهموها أو أنها غير واضحة والأمر عكس ذلك كليا التنافس ليس على منصب رئيس الجمهورية وإنما على تداعيات القرارات التي تتخذ في حالة صعود مرشح من قوى ١٤ آذار على حزب الله خاصة الذي يتباعد في سياسته مع كل هؤلاء، عندما يتعلق الأمر بسلاح المقاومة، كل الرهان يدور هنا، ولن تعطى الفرصة أبدا إلى جعجع وجماعته قصد مساومة سلاح حزب الله، لأنه خط أحمر لا يسمح نصر الله التلاعب بمصير بلد، معرّض لكل الأخطار كما لا تسلم السلطة من طبق على ذهب لجعجع، لتطبيق كل ما كان يأمله تجاه المقاومة منذ الحرب الأهلية ١٩٧٥ وما بعد اتفاق الطائف.
المعطيات السياسية تغيرت اليوم في لبنان تغيرا جذريا ومن الخطأ القول بأن هناك نزاعا أو صراعا على منصب رئيس الجمهورية كل ما في الأمر أن حزب  الله يريد ضمانات مستمرة في الزمن أي شخص لا يقلقه ولا يفتح له جبهة أخرى.
فليس من باب النزهة أنه دخل سوريا بل لنقل المعركة إلى خارج لبنان وضمان عدم سقوط الأسد حتى لا تختل معادلة التوازنات في المنطقة لصالح أي طرف.
بالرغم من أننا في مستوى “لا غالب ولا مغلوب” بالرغم من ذلك فإن التوجه في لبنان سيكون لأحلال شخصية أخرى محل جعجع لتولى الرئاسة، وإلا فإن الفراغ سيدوم لأشهر أخرى، وقد يكون عون الرجل الأكثر واقعية في العملية السياسية، إلا أن إقترابه من مواقف حزب الله يسبب له بعض المشاكل، بخصوص التوافق أو الإجماع، وفي هذا الشأن وصف قائد الجيش اللبناني جان قهوجي المرحلة المقبلة للبنان بالحساسة والدقيقة، في حال عدم التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية وهو يشير بذلك إلى تصاعد موجة الأعمال المسلحة على الحدود مع سوريا وكذلك استقبال لبنان لحوالي مليون لاجئ سوري، لتفادي الأزمة المتعددة الأشكال أمنية وسياسية وإنسانية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024