زلزال يهز الطبقة السياسية

اليمين المتطرف يكتسح البرلمان الأوروبي

أمين بلعمري

بينت الانتخابات الأوروبية حقيقة مرة بعد النتائج التاريخية التي حققها اليمين الأوروبي و اليمين المتطرف الفرنسي بشكل خاص الذي حصل على 25 بالمائة من الأصوات أي 18 مقعدا من أصل  70من حصة فرنسا في البرلمان الأوربي
ويتأكد مرة أخرى أن التقدم الذي أحرزه اليمين المتطرف في الانتخابات المحلية الفرنسية  لم يكن مجرد حادث عابر و لكن يكشف أن ثمه تحول رهيب في المجتمع الفرنسي و إلا بما يفسر أن كل مواطن فرنسي من أصل أربعة أصبحوا يؤمنون بالفكر اليميني المتطرف و بمعتقدات الجبهة الوطنية الفرنسية  التي خرج علينا مؤسسها التاريخي جون ماري لوبان بتصريح أحدث زلزالا في فرنسا و في غيرها والذي قال فيه أن وباء الايبولا سيقلص من المعضلة الديمغرافية في إشارة صريحة إلى إفريقيا التي يجتاح بعض دولها هذا الوباء القاتل، ليتأكد بهذا أن لديه مشكلة مع الملونين  حتى أولئك  الموجودين خارج التراب الفرنسي عكس ما كان يعلنه في كل مرة وليتضح أن عنصريته المقيتة لا تحدها الجغرافيا.  إن القائلين بأن فوز اليمين المتطرف ليس أكثر من مجرد انتخاب عقابي لليسار الحاكم  في فرنسا و في غيرها يريدون حجب أشعة الشمس بالغربال ، و يحاولون عبثا التغطية على هذا الانحراف الحاصل عن مبادئ الثورة الفرنسية و الفضيحة التي لحقت بباريس على وجه الخصوص على الصعيد الأوربي لأنها تعتبر قاطرة الهوية الأوربية إلى جانب ألمانيا التي لم تفرز النتائج ما أفرزته في فرنسا المحرجة أمام إرادة سياسية رسمية مؤمنة بالتوجه الأوربي و إرادة شعبية تريد عكس ذلك و هذا على الأقل على ضوء انتخابات الأحد الماضي.
إن المجزرة التي ارتكبها اندريس بوهرينغ بريفيك سنة 2011 في إحدى المنتجعات الصيفية في النرويج و التي أدت إلى مقتل 78 شخصا مباشرة بعد مهاجمة بعض المقرات الحكومية لاتهامها بالتساهل مع المهاجرين و هذا تصرف لا يمكن تصنيفه  بكل تأكيد في خانة السلوكيات الصادرة عن شخص غير متوازن كما حاول الإعلام النرويجي تصويره لأن بصمة اليمين المتطرف كانت غاية في الوضوح وكان تصرفا سياسيا بامتياز و لم يكن ذلك في حقيقة الأمر إلا إشارة واضحة إلى أن اليمين المتطرف الأوربي وجد في الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالقارة حصان طروادة لنشر خطابه المعادي للمهاجرين من خلال اللعب على وترين اثنين: البطالة و الهوية المسيحية المهددة .
فاليمين المتطرف الأوروبي يتهم المهاجرين بسرقة مناصب العمل و تفويت فرص التشغيل على المواطن الأوروبي و هي عملة وجدت صداها لدى الشارع الأوروبي الواقع تحت وطأة البطالة المتفاقمة جراء الأزمة الاقتصادية الحادة و النقطة الثانية العمل على تضخيم ظاهرة انتشار الإسلام في أوربا جرّاء زيادة عدد الجالية المسلمة في القارة الشيء الذي يهدد الهوية المسيحية لأوربا و هي أفكار بائدة تعود بنا إلى الحروب الصليبية التي تجاوزها الزمن و لا يمكنها إلا أن تكون وصمة عار في قارة تدعي أنها قلعة من قلاع الحريات الفردية و الجماعية. و في إطار هذا  المخطط لتلك الحرب المعلنة و الشيطنة الممنهجة لكل ما يمت بصلة إلى الإسلام لا يجب أن نغفل أن وسائل الإعلام الغربية لعبت دورا مهما إن لم يكن رئيسيا.  
على كلٍ مسلسل الترهيب أصبح كما يبدو خطابا سياسيا رائجا في أوربا هدفه اللعب على مشاعر المواطن الأوربي في ظل إخفاق السياسات الاقتصادية و الاجتماعية و برامج سياسية حزبية قادرة على حلّ مشاكل هذا المواطن المتذمر من فشل الطبقة السياسية في تقديم برامج قادرة على تقديم الحلول للأزمة الاقتصادية و في هذا الوضع ليس هناك أفضل من التخويف و الترهيب كأحسن وسيلة لتجنيد الناس كما قال الفيلسوف سالفوك زيزاك.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024