ربّان جديد لإخراج السفينة المصرية إلى برّ الأمان

فضيلة دفوس

انتخب المصريون رئيسا جديدا، ومن بين المترشحين الاثنين  اختاروا من يعتقدون بأنه الأقدر على قيادة البلاد في مرحلتها الصعبة هذه ومواجهة التحديات التي فرضتها عملية التغيير  وما أنتجته من اضطرابات سياسية ومصاعب اقتصادية واجتماعية ومخاطر أمنية .

 بكل تأكيد سيواجه رئيس مصر الجديدالعديد من الأزمات التي طفت إلى السطح بعد ثورة 25 يناير 2011،
وتفاقمت حدتها بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في الثالث جويلية 2013 وحلّ جماعة الإخوان المسلمين قبل اعتبارها جماعة إرهابية.
وقد يصعب عليه وضع حلول جذرية وحاسمة لهذه الأزمات، لكن يمكنه تحجيم تأثيرها في مرحلة أولية لينطلق بعدها نحو معالجتها.

إعادة ترتيب البيت
تأتي الأزمة السياسية الداخلية في مقدمة التحدّيات التي تواجه رئيس مصر الجديد، حيث يترقب الشعب المصري معرفة خطة الرئيس في معالجة حالة الاستقطاب السياسي التي يشهدها الشارع منذ ثلاثة أعوام.
وبكل تأكيد فإن حلّ الأزمة السياسية الداخلية سيكون بمثابة  الاختبار الحقيقي لقدرة الرئيس على السيطرة على كافة الأزمات المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية .والمنتظر حسب جلّ المراقبين السياسيّين، أن يباشر الرئيس المصري الجديد عملية تهدئة تحتوى الجميع وتحفظ الأمن الداخلي للبلاد، وتعيد رأب الصدع الذي قسم الشارع .
والمنطقي أن حلّ هذه الأزمة لا يمكن أن يتم عبر مصالحة شكلية فقط تشمل مجرد خطابات سياسية، وإنما تتطلب حلولا عملية وحاسمة تتضمن إشراك جميع القوى السياسية في عملية ديمقراطية واسعة، إلى جانب ترميم العلاقات بين مختلف التيارات دون إبعاد أو إقصاء لأي منها..

الملف الأمني ومكافحة الإرهاب
تواجه مصر أزمة أمنية ذات شقين، أما الأول فيتعلق بالمظاهرات الطلابية اليومية التي تتطور في أحيان كثيرة إلى اشتباكات تسفر عن وقوع إصابات وقتلى، وتقع خاصة في جامعة الأزهر.
وأما الثاني فيتعلق بهجمات إجرامية تطال المنشآت وعناصر أمنية في عدة مناطق أبرزها شبه جزيرة سيناء، وهو ما أدى إلى إطلاق الدولة حملة مكافحة الإرهاب والتي تتضمن قيام عناصر من الجيش والشرطة بشن حملة عسكرية موسعة ضد العناصر “الإرهابية” و«الإجرامية” .
ومن جهة ثانية سيواجه رئيس مصر الجديد تحديا أمنيا على حدوده خاصة الغربية منها حيث الوضع المتوتر في ليبيا يشكل دائرة نار تهدد بحرق الجميع .

مصاعب اقتصادية وتوتّرات اجتماعية
تعتبر الأزمة الاقتصادية أحد أكبر التحديات التي تواجه الرئيس الجديد، حيث يترقب الشارع المصري الوصول إلى وضع اقتصادي متعاف في ظل تراجعه الذي انعكس أثره على مختلف فئات الشعب خاصة محدودة الدخل .
ويعاني الاقتصاد المصري منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011  العديد من المتاعب، حيث انخفض سعر العملة المحلية (الجنيه) أمام الدولار الأمريكي، وتراجع الاحتياطي النقدي إثر تدني الإيرادات لا سيما في قطاعي السياحة والاستثمار الأجنبي اللذين تراجعا بشكل مخيف.
وطبعا التدهور الاقتصادي ألقى بظلاله السوداء على الوضع الاجتماعي حيث تفاقمت حدة البطالة وتوسعت رقعة الفقر واشتد التذمر الشعبي الذي انعكس في سلسلة احتجاجات تجاوز عددها 14 ألف، ولهذا تبدو مهمة الرئيس الذي انتخبه الشعب المصري أمس صعبة وشاقة وتتطلب الكثير من الجهد والصبر والحكمة.

إعادة هيكلة مؤسسات الدولة
بحسب العديد من المتتبعين للوضع المصري، فإن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة ومعالجة الخلل الإداري والسيطرة على الفساد والمحسوبية من أهم الملفات التي تتطلب تدخلاً حاسما من رئيس مصر الجديد.
ولا يمكن أن نستهين بهذه المهمة، لأن الشعب المصري قام بثورته في الأساس للقضاء على هذه الآفات التي كانت تنخر النظام السابق.
وتطالب قوى سياسية منذ تنحي مبارك بتطهير مؤسسات الدولة من الفساد، خاصة الأجهزة الحساسة كالجهاز الأمني وقطاعي الإعلام والقضاء....

دفع مسار العلاقات الخارجية
تعد أزمة إدارة ملف العلاقات الخارجية من أعقد الأزمات التي ستواجه رئيس مصر الجديد بحسب الخبراء، وتأتي في مقدمة محاور هذه الأزمة إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة التي يشوبها بعض التوتّر منذ الإطاحة بمرسي في الصائفة الماضية، حيث جمدت واشنطن جزءا من مساعداتها العسكرية للقاهرة، ووجّهت لها العديد من الانتقادات بخصوص حقوق الإنسان.وبجانب محور العلاقات مع واشنطن، على الرئيس الجديد أن يباشر مهمّة  أساسية وهي إعادة الدور المحوري الرائد لمصر على المستوى العربي والعالمي .
ويبقى في الأخير أن نشير إلى أن الرئيس المصري الجديد جاء في الزمن الصعب بعد موجتين” ثوريتين”، وإسقاط نظامين في غضون ثلاثة أعوام، وأمامه مهمات صعبة وتحديات ضخمة وإرث ثقيل من الأزمات لن تحل بين عشية وضحاها، لأنها نتاج تراكم سنوات طويلة، لهذا فهو يحتاج إلى الكثير من الإرادة والعزيمة وقبل ذلك وبعده إلى إشراك الجميع دون إقصاء في إيجاد الحلول وإعادة بناء مصر القلب النابض للوطن العربي. وعلى رأس كل هذه المهمات استعادة دور مصر الاستراتيجي العربي والدولي الذي فقد بعض حجمه في السنوات الأخيرة .
وأمام هذه المسؤوليات الصعبة، على الدول العربية الشقيقة أن تبادر إلى مدّ يد العون لرئيس مصر الجديد  
ومساعدته للخروج بأرض الكنانة إلى برّ الأمان .

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024