ليبيا.. بين الشرعية الثورية والشعبية

الأولوية لاسترجاع “ هيبة الدولة “

جمال أوكيلي

لاتخلو الساحة الليبية من أصوات العقل الصادرة عن شخصيات سياسية وعسكرية ترغب حقا في عودة هيبة الدولة ووزن مؤسساتها لاستتباب الاستقرار في كامل ربوع هذا الجزء الغالي على كل أفراد هذا الشعب، بدلا من “دولة الميليشيات”التي يراد إقامتها بقوة الحديد والنار باسم الشرعية الثورية رافضة أي مسعى باتجاه الخيارات التي يفرزها الصندوق.
هذا هو جوهر الصراع القائم اليوم في ليبيا إنجر عنه انقسام خطير في تولي تسيير دواليب السلطة هناك حكومة عبد الله الثني في طبقر والبيضاء معززة بملجس نواب منتخب تتمتع باعتراف دولي يقابلها حكومة عمر الحاسي  في طرابلس كلفها المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، ومن الصعوبة أن يكون الحل غدا نظرا للحالة المعقدة التي وصلت اليها الأوضاع ورفض كل طرف التنازل عن مكاسبه.
وكل المحاولات السياسية ترمي إلى دعوة الجميع للجلوس إلى طاولة الحوار، وهناك لقاء حاسم هذا الأسبوع يشرف عليه المبعوث الأممي السيد ليون الذي يعمل من أجل التقارب بين الليبيين للتوصل إلى مبادئ مشتركة تكون بمثابة مجموعة من الالتزامات الصارمة منها وقف اطلاق النار وعودة الشرعية.
هذه الصيغة قد يستحسنها البعض لكن يتحفظ البعض الآخر على احترامها كون غايتها إزالة مظاهر انتشار السلاح بهذا الشكل والاستمرار في ترويع المواطنين وتهجيرهم قسرا إلى مناطق أخرى..لذلك تعقد الأمر إلى حد لا يطاق وفرضت القوة نفسها وحلت محل توجهات أخرى كانت أمل الجميع في إيجاد مخرج سريع لهذه الأزمة السياسية والأمنية وازداد للأسف التشدد في الخطاب المبني على رفض الآخر ومنعه من العودة إلى عاصمة البلاد لإدارة المؤسسات الموجودة.
ولا أحد يرفض الحوار في ليبيا..والكل يريد أن يخرج من هذا الانسداد وعليه فإن ذهنية هذا يرفض ذاك يجب أن تنتهي ويعود الجميع إلى رشدهم بالتفكير في مصلحة البلد وفي نفس الاتجاه فإن إلغاء الآخر وعدم الاعتراف به كوصفه بـ« الأزلام” بمعنى أنصار النظام السابق لايحل الأزمة أبدا بل يزيد في تداخلها  وفي هذا الإطار دعا السيد علي زيدان رئيس الحكومة السابق إلى إعلان عفو شامل لتحقيق المصالحة  الوطنية مشيرا إلى أن الموجودين في سجن الهضبة الخضراء يعانون المرض والشيخوخة وفقدان الذاكرة، ويتطلب الأمر عودتهم إلى بيوتهم ويبقوا تحت الإقامة الجبرية.
وقلّما نجد اليوم في ليبيا من يحذو هذا الحذو، الذي يعدّ مقدمة لإنهاء هذا الاحتقان السياسي والعكسري من هم موجودون في طرابلس، ويعقتدون أنّه لا وجود لدولة بعد الثورة.
هذا الرفض القاطع لأي مبادرة سياسية وأمنية لعودة الهدوء.. والتمسك بالسلطة من قبل ميليشيات “ فجر ليبيا” واستعمال الخطاب المتطرف أثّر كثيرا في مسار التسوية وأدى إلى بروز قوة أخرى بقيادة اللواء حفتر لمحاربة كل المقاومات الأخرى في البعض من الجهات التي ترفض الانصياع والإذعان للشرعية والقانون ومواصلة التهديد بالسلاح… وفي هذا السياق أعلنت حكومة الثني العمل بالتنسيق مع حفتر والتحاق الكثير من الليبييين بهياكلها الأمنية والعشرية.
لذلك فإن حوار هذا الأسبوع هو تحسيس المشاركين فيه بضرورة الخروج من هذا المأزق السياسي والعسكري وتبليغ الجميع بالشرعية التي تتمتع بها حكمة عبد الله الثني،، كما يعد امتدادا طبيعيا لاجتماع دول جوار ليبيا في الخرطوم الذين دعوا إلى حوار شامل..ووضع دستور جديد كما نوهوا بدور الجزائر في هذا المجال.
ويقر المتتبعون بأن الملف السياسي والأمني الليبي يبقى من الملفات الشائكة التي تتطلب الكثير من الجهود، من قبل جميع المعنيين لأن الأمر يتعلق بالسلطة ومابعد الثورة.. الكل يبدي تخوفاته من تولي طرف آخر زمام قيادة هذا البلد انطلاقا من الفكر الأيديولوجي الموجود حاليا.. وفي كثير من الأحيان يظهر وأن الأمل مفقود إلى درجة ترك الوطن في كل هذه الفوضى العارمة، غير أن الإرادات الخيرة والنوايا الحسنة أقوى من كل هذه المناورات، فهناك بلدان كالجزائر ومصر يدركان تمام الإدراك المخاطر المتولدة عما يجري في ليبيا وإشرافها على كل ما هو أمني وسياسي، والآليتان حيويتان، ويعملان بقوة من أجل المتابعة عن كثب لما يجري في هذا البلد أمنيا وسياسيا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024