حتى لا تسقط في الفوضى القاتلة للأمل والمدمرة للذات

السّبسي والمرزوقي . . تنافس من أجل تونس الخضراء

سعيد بن عياد

تستقطب تونس أنظار الوطن العربي، عشية الدور الثاني من الرئاسيات  التعددية الأولى المقررة في 21 ديسمبر، وبهذا تدخل تونس العهد الجديد مع أول أيام فصل الشتاء، الذي يحمل دون شك بشائر الخير، فينبغي الحرص على السلم والأمن والاستقرار في ظل حرية الرأي وتعدد الاتجاهات من أجل حصادها في المواسم اللاحقة. ويتحمل المرشحان الباجي قايد السبسي ومحمد منصف المرزوقي، مسؤولية تجاه الشعب التونسي بالدرجة الأولى وتجاه التجربة الديمقراطية التعددية التي ولدت من رحم ثورة عرف التونسيون كيف يجنبونها انحراف السقوط في الفوضى القاتلة للأمل والمدمرة للذات.

فالرجلان على عتبة استكمال البناء الديمقراطي نحو إعادة تجميع القوى الوطنية بمختلف ألوانها وتعدد مشاربها حول مشروع واحد يجمع بين “التوانسة” قاطبة خارج أولئك الذين سقطوا في وحل التطرف والتبعية العمياء لمراكز صناعة الإرهاب العالمي والجريمة العابرة للحدود. ومن ثمة بالرغم من حدة المنافسة - وهو أمر موضوعي في السعي لتولي قيادة بلد يمثل للمنطقة وللعالم قيمة جيو- سياسية- إلا أن المسؤولية التاريخية الراهنة وتجاه الأجيال والذاكرة تفرض إلتزام خط سير انتخابي يكون فيه الحرص على احترام خيار أغلبية الناخبين من أفراد الشعب التونسي الذي يتطلع لرد الاعتبار للتنمية وانتعاش الاستثمار واسترجاع ما فات من فرص انتعاش وضياع للموارد.
ولعل من أسباب اكتمال حلم التجربة التونسية وتخليصها من تداعيات أكثر من محاولة لزعزعة مسارها من خلال أعمال إرهابية وتخريبية واجهها المجتمع بالرفض والمقاومة، التزام قيادة حركة النهضة خيار تغليب المصلحة الوطنية العليا على حساب مصلحة الحزب، برفض الدخول في السباق. وليس غريبا مثل هذا الموقف عن الغنوشي الذي يملك رؤية واقعية للأمور، وهو الذي عاش في الغرب وتفقّه الديمقراطية في موطنها، ليقتنع بحقيقة أن المجتمع ينمو في ظل الحرية وبعيدا عن الوصاية حتى لأتباعه وأنصاره.
 بلا شك أن الشركاء السياسيين في “الخضراء” أدركوا أن بناء الدولة الحديثة بقيم الديمقراطية والحريات في إطار الهوية أهم من مجرد بلوغ كرسي السلطة خاصة في ظل ما يحدث في بعض بلدان اجتاحها ذلك الربيع العربي المغشوش إلى درجة فقدان شعوبها لقيمة الأمن وضياع الاستقرار، خاصة جراء اعتماد الإقصاء والاجتثاث، وهو ما تفاداه التوانسة بذكاء سوف يحقق لهم أحلامهم المشروعة في رد الاعتبار للإنسان بالدرجة الأولى.
إن التحدي الكبير الذي يتطلب تجنيد وحشد كل الإرادات في هذا البلد الشقيق الجار، يتمثل في الأخذ بزمام أمور التنمية ضمن الإطار المحلي والإقليمي، حيث يمكن لتونس من منطلق موقعها الجغرافي والإرث التاريخي، أن تلعب دورا في إنعاش المشاريع الإقليمية من منطلق الحرص على تعميق مناخ الاستقرار ومضاعفة جهود مكافحة الإرهاب. هذا الأخير للأسف يجد في ليبيا- التي تغرق في صراعات عنيفة وغير مبرّرة- بيئة مواتية لالتقاط أنفاسه، مهددا في ذات الوقت بلدان الجوار خاصة في ظل أزمة الأمن في الساحل والصحراء، جراء ارتباط عدد من الجماعات المسلحة بمراكز صناعة الإرهاب الدولي.
وأمام هذا المشهد المحلي والإقليمي، ترافق الجزائر تونس وبلدان المنطقة على مسار إعادة بناء مؤسساتهم بإرادة شعوب البلدان المعنية، التي من مصلحتها المبادرة بلملمة أوضاعها والانطلاق في ترميم الدولة الوطنية بمضمونها الاقتصادي والاجتماعي، حتى تتخلص نهائيا من تداعيات التغيير السياسي، الذي حصل بالعنف والتدخل الأجنبي، فأدى إلى سقوط بعضها في أتون الفوضى، التي أقرب ما تكون إلى حالة انتحار جماعي بالنسبة للحالة الليبية بالخصوص.
ويمكن لهذه الأخيرة أن تلتقط خيط الحل السياسي بالاستفادة من المناخ الايجابي الحاصل بالمنطقة وبالذات من التجربة التونسية من حيث القدرة على كبح الأنانية الحزبية وتغليب المصلحة الوطنية وكذا نبذ ورفض أي تدخل أجنبي يصب في تعفين الأوضاع أو التحريض على التطرف بكل أنواعه، السياسي والإيديولوجي والعقائدي، خاصة عن طريق بعض أدوات الإعلام التي تشتغل لصالح دوائر وقوى نفوذ لا تتوقف عن تنفيذ مخططاتها التدميرية للوطن العربي، بترويج شعارات تبدو في الظاهر جذابة لكنها في الباطن تصيب آخر مكاسب هذه الشعوب في مقتل.
 وكان للشعب التونسي في كل ذلك موقف يحسب له بانحيازه للاستقرار بالمفهوم الشامل والقفز فوق أكثر من مؤامرة ودسيسة لجره إلى السقوط في المحظور، ومن ثمة سد الباب أمام جهات أجنبية على غرار عراب الفوضى والتخريب بيرنار هنري ليفي.
وسوف يؤكد الشعب التونسي قناعته بهذا الخيار بمناسبة موعد الدور الثاني من الرئاسيات باختياره للاستقرار والأمل ونبذ التنكر للانتماء أو المقاولة من الباطن مع قوى لا يغمض لها جفن حتى تلحق الأذى بالمنطقة. إنها منطقة المغرب العربي التي يستدعيها التاريخ مرة أخرى لتلعب دورها ضمن المجموعة الإقليمية وفي العالم في ظل انسجام وتكامل ولكن على أسس ومبادئ سامية، لا يمكن مقايضتها، مثل حرية شعوب المنطقة  قاطبة في ظل حسن الجوار وصيانة الدولة الوطنية ضمن التعاون في كافة الميادين الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024