انسحاب قوات “إيساف” من أفغانستان

هزيمة أخرى لخيار التدخل العسكري الأجنبي

أمين بلعمري

 بعد 13 سنة من الحرب المفتوحة مع التنظيم الإرهابي “القاعدة” وحركة طالبان في افغانستان أنهى الأحد الحلف الأطلسي المهمة القتالية لوحدات “إيساف” التي ستنسحب لتكتفي بعد ذلك  قوات الناتو المتبقية بمهمة التدريب والمساعدة التقنية للجيش الأفغاني، الذي سيتحمل وحده من اليوم فصاعدا مهمة تأمين البلاد ومواجهة حركة طالبان التي لم تنجح قوات الحلف الأطلسي التي تدخلت في أفغانستان العام 2001، لمطاردة أسامة بن لادن و عناصر “القاعدة” بعد اعتداءات الـ 11 من سبتمبر ٢٠١١في القضاء عليها أو التقليل من تهديداتها.
القوات الأمنية الأفغانية ستجد نفسها تواجه تحديات أمنية كبيرة في الحرب مع طالبان وقد خسرت القوات الأمنية الافغانية حوالى 4600 من عناصرها وذلك خلال الأشهر العشرة الأولى فقط من العام 2014، في حين أن عدد الذين قتلوا من عناصر قوة “الايساف” منذ تدخلها في افغانستان العام 2001، وإلى غاية العام الجاري بلغ 3460 فرد، وهذا لأسباب متعددة تتعلق بطبيعة الحال بالقدرات القتالية والتدريب ...وهي كلها معطيات جعلت القوات الأفغانية التي تعاني نقص الإمكانيات مقارنة بقوات الحلف الأطلسي هدفا سهلا لهجمات “طالبان”.
إن ترحيب الرئيس باراك أوباما بانتهاء المهمة القتالية للقوات الأمريكية في أفغانستان أو ما أطلق عليها أطول حرب في التاريخ الأمريكي يعكس المأزق الذي انزلقت فيه السياسة الخارجية الأمريكية جرّاء خيارات متهورة ومتسرعة اتخذها الرئيس الأمريكي السابق جورج ولكر بوش بدعوى مكافحة وملاحقة الإرهاب وعناصر القاعدة إلا أن الحصيلة و بعد 13 سنة على بداية الحرب الأمريكية على الإرهاب تثبت فشل هذه الإستراتيجية وذلك بازدياد بؤر الإرهاب عبر العالم على غرار القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط وظهور ما يسمى بتنظيم داعش الذي دعت الولايات المتحدة من أجل محاربته إلى تحالف دولي جديد وهي حملة بدأت فعلا ولا أحد يعرف متى تنتهي وكم ستكلف المجتمع الدولي من الأموال والأرواح.
إن التجربة الافغانية، تثبت أن الخيارات العسكرية المتسرّعة تزيد من تأجيج الأوضاع والأزمات وأن السياسات الملتوية وغير الواضحة للغرب وللولايات المتحدة تقف وراء تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي الذي يحتاج إلى جهود سياسية ودبلوماسية كبيرة للقضاء عليه وتجفيف منابعه من خلال عدالة دولية أكثر، والحل المنصف للكثير من القضايا والملفات التي تراوح مكانها على غرار القضية الفلسطينية التي أصبحت إحدى أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي الذي بقي عاجزا إلى اليوم عن ردع إسرائيل وإرغامها على الانصياع للشرعية الدولية وتطبيق القرارات الأممية، عكس ذلك تستمر اسرائيل في انتهاكاتها من خلال العدوان المتكرّر على الشعب الفلسطيني الأعزل والتمادي في سياسات الاستيطان والاستيلاء على الأراضي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.  
إن انسحاب قوات “الايساف” من أفغانستان يدعونا إلى التفكير بتمعّن في كيفية حل أزمات أخرى تواجه المجتمع الدولي، وذلك من أجل التوصّل إلى حلول ذكية الخسائر البشرية والمادية أي حلول تكون نابعة من الداخل  مباشرة ولا تعتمد على القوة أو التدخل من الخارج لفرض صيغ قد لا تتلائم مع نوع الأزمة و طبيعتها وهي الأخطاء التي يستمر البعض في الإصرار عليها رغم نتائجها الوخيمة على الشعوب وعلى السلم والأمن على الصعيدين الجهوي والدولي.
المجتمع الدولي عليه أن يستفيد من أخطاء و هفوات الماضي للاستثمار في السلم المستدام من خلال معالجة الأزمات في العمق وليس الاكتفاء بضربات عسكرية خاطفة كتلك التي قام بها الحلف الأطلسي في ليبيا التي أغرقتها في دوامة العنف والدمارالتي يدفع ثمنها اليوم الشعب الليبي. ومن المثير للجدل أن هناك دعوات إلى استنساخ نفس التجربة لحل الأزمة الليبية ربما لاستكمال مسار التدمير التام لهذا البلد الذي يواجه شبح التقسيم والحرب الأهلية.
الأكيد أن الدولة الليبية في حاجة إلى دعم عسكري لفرض منطقها وبسط نفوذها على كافة الأقاليم والقضاء على الفوضى والعبث برموزها وبالوحدة الترابية والقضاء على كل مظاهر التسلح خارج الأطر النظامية ... وهذا كله يتطلّب وجود دولة ليبية قوية ومتماسكة من الداخل ومدعومة من الخارج.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024