تمخّضت”الثورة” فولدت إنقلابا على الشرعية

الحوثيون يعيدون الوضع باليمن إلى المربع الاول

فضيلة دفوس

من الصعب على المتتبع للوضع في اليمن أن يستوعب ما يجري هناك من فوضى أمنية وتيهان سياسي مصحوب بصراع محموم على السلطة، وإصرار على تفتيت الوحدة الترابية للبلاد،وتشكيل دويلات صغيرة تستند على البعد الطائفي والمذهبي، الذي أصبح بالفعل سيفا حادّا لتمزيق أوصال البلدان العربية التي وقعت في فخّ فتنته.
لسوء حظّه، وقع اليمن السعيد الذي
-لا يحمل من السعادة غير الإسم- في فخّ الربيع العربي الدموي، حيث انتفض الشعب اليمني قبل أربعة أعوام ضد رئيسه علي عبد الله صالح، وقررّ أن ينهي حكمه الذي عمّر أزيد من ثلاثة عقود واتّسم بالضعف والفساد،لكن الرئيس الذي ألف كرسيّ الحكم الذي ظلّ جالسا عليه لأزيد من 33 سنة، تشبّث بالسّلطة وقد كانت دواليبها موزّعة بين أبنائه وبني عمومته، فالحكم في اليمن كان أسريا وتحوّل إلى ما يشبه المملكة تحت مسمّى الجمهورية.
ومقابل تعنت صالح، تعنّت الشعب أكثر وأصرّ على تنحيته، وانزلق الوضع الأمني ودخل السّلاح إلى ساحة المعركة، واتّخدت حركة التّغيير شكلا دمويا، فتحرّكت البلدان الخليجية بثقلها واستطاعت أن تقنع صالح بالتّنازل عن “عرشه “مقابل مخرج آمن، وقبل هذا الأخير الصّفقة التي جاءت تحت عنوان “المبادرة الخليجية” والتي شكّلت حينها قشّة نجاة حقيقية، ودافع القبول خشيته من نهاية مشابهة لنهاية القائد الليبي الراحل المأساوية.
بتنحية الرئيس علي عبد الله صالح تنفّس العالم الصّعداء، واعتقد بأن اليمن طوى فصول أزمته وجعلها وراءه، لكن في واقع الأمر كان هذا الأخير على موعد مع فصول أكثر تعقيدا ودموية وانسدادا .
لقد قضت المبادرة الخليجية التي تم التوقيع عليها في 23 نوفمبر 2011 بتسليم السلطة لنائب على عبد الله صالح، ليقود مرحلة انتقالية تدوم عامين يعيد خلالها ترتيب البيت ووضع أسس جديدة للدولة تقوم على الحوار والتوافق والمشاركة، وتفضي إلى تبنّي دستور جديد يقوم على الفدرالية ويتوّج بانتخاب قيادة جديدة .
فصل قاتم
وحينما استلم عبد ربه منصور هادي السلطة في الـ27 من فيفري 2012، سرت في اليمن موجة من الاستبشار والتفاؤل، فبعد شهور من التظاهرات الجماهيرية حصلت البلاد ولأول مرة منذ 33 عاماً على رئيس جديد، رأى البعض في ذلك مناسبة تاريخية، وفرصة لتجاوز فصل قاتم واتخاذ خطوات إلى الأمام باتجاه الديمقراطية.
التفاؤل كان في البداية كبيرا، خاصة بعد أن بدأ تجسيد مبادرة التسوية على الميدان والتي نجم عنها عقد مؤتمر حوار وطني لستة شهور شاركت فيه جماعات وفئات كثيرة ممن أنجزت معاً للإطاحة بصالح، وذلك في محاولة لإبرام عقد اجتماعي جديد، وكتابة مسودّة دستور والإعداد لانتخابات حرة ونزيهة كانت مقررة عام 2014.
وقد توّج مؤتمر الحوار الوطني بخريطة طريق لتحويل اليمن إلى دولة اتحادية من ستة أقاليم، كما أقر مبدأ المناصفة بين الشمال والجنوب في الهيئات الانتقالية.
المنعطف الخطير
لكن مع مرور الأيام بدأ التفاؤل يتراجع، والخلافات تطفو على السطح، والصراع على تقسيم السلطة يأخذ طابعا دمويا خطيرا، رغم توقيع مختلف الأطراف الفاعلة في اليمن على اتفاق السّلم والشّراكة، فعاد الجنوبيون ليلوّحوا بورقة الانفصال، لكن التهديد الكبير جاء مع زحف الحوثيين من الشمال على العاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي معلنين رفضهم لما جاء في الدستور خاصة المشروع الداعي إلى جعل اليمن دولة اتحادية من ستة أقاليم، مطالبين  بسلطات أوسع ليستحوذوا على مختلف مؤسّسات البلاد ويحتلوا القصر الرئاسي في خطوة حيّرت العالم أجمع وأثارت عدة تساؤلات عن الذي يقف وراء هذه المجموعة الشيعية التي ظلّت تنعت بالتمرّد، وعن مصدر قوّتها التي مكّنتها من الإطاحة بحكم هادي واضطرّته ورئيس حكومته للاستقالة والزجّ بالبلاد في نفق مظلم. وبعيدا عن القراءات التي تقذف بالمسؤولية إلى جهة إقليمية مرتبطة مذهبيا بالحوثيين، أو التي تلقيها على الرئيس السابق الذي احتفظ بموجب المبادرة الخليجية بمنصبه كرئيس لحزب المؤتمر الوطني العام وبقي رقما فاعلا على الساحة ومشاركا في السلطة الانتقالية من خلال حزبه، فالمؤكد أن اليمن يعيش اليوم انتكاسة أمنية خطيرة وشغورا على مستوى السلطة، ما يعني أن أبوابه مشرّعة على المجهول.
والمثير للتساؤل أن لا أحدا من كبار العالم يبالي بما يجري في اليمن، وحده المبعوث الأممي جمال بن عمر صامد هناك يحارب طواحين الرياح التي تحولت إلى عواصف هوجاء، ويحلحل خيوط أزمة تعقّدت بفعل إصرار الحوثيين على وضع الحصان قبل العربة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024