د ــ عبد القادر دندن أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عنابة لـ “الشعب”:

للجزائر رصيد دبلوماسي يساعدها على مواجهة التّهديدات

حوار: آمال مرابطي

حلول سياسية لتسوية أزمــــات معقّدة..مـــــالي المثــــــال الحـــــي

ثمّن الدكتور عبد القادر دندن أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باجي مختار في عنابة، الدور الجزائري في التعاطي مع أزمة مالي، وأشاد في حديثه لجريدة “الشعب” بالاتفاق الموقّع مؤخرا بين الأطراف المالية، مرجّحا أن يكون نجاح الوساطة الجزائرية في مالي مقدمة لإقناع الليبيين بقبول اليد الممدودة للجزائر قصد انتشال أرض شيخ الشهداء البطل عمر المختار من المعضلة الأمنية والسياسية التي تواجهها، والتي تلقي بظلالها الداكنة على المنطقة.
كما توقّف الأستاذ دندن عند التحديات الأمنية التي تحيط بالجزائر، وطمأن بقدرتها على التصدي لها بما تتوفّر عليه من خبرة ورصيد تاريخي ودبلوماسي.
 
❊ الشعب: الأزمات المتفجّرة بالمنطقة أصبحت تشكّل تحديات أمنية خطيرة للجزائر، ما السّبيل لمواجهتها؟
❊❊ الدّكتور عبد القادر دندن: لم يسبق وأن شهد الجوار الإقليمي للجزائر تلاحقا للأزمات بالشكل الذي يحدث حاليا، فمن ليبيا التي تدفع ثمن التدخل الأجنبي
وتبعات سقوط نظام القذافي و غياب سلطة مركزية قوية وموحدة، وتشتت السلطة السياسية بين برلمانين أحدهما معترف به دوليا وآخر تفرضه قوة وفوضى السلاح ميدانيا، وانتشار جماعات مسلحة متشددة على رأسها تنظيم “داعش” الارهابي، إلى المخاض السياسي العسير الذي شهدته تونس واستمرار خطر الجماعات المسلّحة التي تنشط على الحدود وخاصة بمنطقة جبل الشعانبي، مرورا بالوضع المتوتّر الذي تعيشه مالي منذ سقوط شمال البلاد في يد الجماعات الإرهابية، وصولا إلى  استمرار الانسداد في قضية الصحراء الغربية بسبب التعنّت المغربي وقضايا أخرى كتهريب المخدرات.
موقع الجزائر الإستراتيجي جعلها تنتمي لمجموعة من المركبات الإقليمية المضطربة أمنيا، مثل المركب الأمني لشمال إفريقيا الذي يمتد من مصر إلى موريتانيا. والمركب الأمني لمنطقة الساحل والصحراء الذي تلعب فيه علاقاتها مع مالي والنيجر  وبقية دول الميدان دورا بارزا، والمقصود بالمركب الأمني هنا مجموعة الدول المتجاورة التي لا يمكن أن تحقّق أمنها بمعزل عن بعضها البعض، لذلك فمواجهة هذه الأزمات يتطلب تنسيقا وتعاونا بين دول المنطقة ككل، مع تغليب لغة الحوار بقدر الإمكان بعيدا عن التدخلات الأجنبية، وعن لغة السلاح التي أثبتت عدم فعاليتها.
❊ الإعلان الموقّع مؤخرا بين الأطراف المالية يثبت مدى فعالية المقاربة الجزائرية القائمة على الحوار، فكيف تقيّمون الدّور الجزائري؟
❊❊ بداية مكانة الجزائر بالنّسبة للماليّين شعبا وحكومة كبيرة جدا، وليس أدل على ذلك من العدد الكبير للطلبة القادمين من دولة مالي لمزاولة دراستهم في الجزائر، إضافة لعلاقات الأنساب والمصاهرة بين الشعبين خصوصا في المناطق الجنوبية، والروابط الثقافية والتاريخية والطبيعية.
كما أن الجزائر تعدّ مثالا يحتذى به بالنسبة لمالي، والمقولة الشهيرة للرئيس الأسبق موسى طراوري تؤكد ذلك حيث صرح: “عندما تريد مالي أن تتقدّم فإنّها تنظر شمالا حيث توجد الجزائر”، ناهيك عن الارتباط الوثيق بين أمن البلدين.
لذلك فمن الطبيعي أن تكون الجزائر مهتمة لهذه الدرجة باستقرار مالي، وتكون سباقة لرعاية الحوار بين الفرقاء هناك، لاسيما وأنّها تمتلك رصيدا تاريخيا ودبلوماسيا وتأثيرا كبيرا على مختلف الأطراف المالية، وهو ما يساعدها على لمّ الشمل المالي.
كما أنّ هذا المسعى يدخل في إطار العمل الجزائري على سد المنافذ في وجه مناورات أطراف من داخل وخارج المنطقة تحاول استغلال الملف المالي للتأثير على الجزائر، وتسعى لمدّ نفوذها الإقليمي ووضع موطئ قدم في الساحل الافريقي مع إطلاق العنان لأطماعها  في المنطقة.
ليبيا..هشاشة أمنية وصراع محتدم
❊ الأزمة اللّيبية تزداد استفحالا خاصة مع دخول “داعش” على الخطّ، فأيّ حلّ لهذه المعضلة؟
❊❊ ليبيا أصبحت اليوم نموذجا لما يسمى بالدولة الفاشلة التي تعاني من معضلات أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية امتد تأثيرها للمنطقة برمّتها، فالفراغ السلطوي والهشاشة الأمنية وغياب روح المسؤولية، وتغليب المصلحة الخاصة لدى مختلف الأطراف الليبية والأطماع الأجنبية في ثروات البلاد، كلها عوامل أطالت من عمر الأزمة ومهّدت الطريق لظهور “داعش الارهابي” بقوة في البلاد خاصة في المناطق الشرقية، والقوة الكبيرة التي أبان عليها هذا التنظيم من حيث التجهيز والدعاية والوحشية في عملياته، تجعل من الصعب إن لم نقل من المستحيل حاليا مواجهته في ليبيا في ظل حالة التشرذم الداخلي.
وأول خطوة للتصدي له، هي تحقيق الوحدة بين الفرقاء الليبيين والابتعاد عن السلاح الذي عمّق الهوّة بين أبناء الشعب الواحد، والجلوس إلى طاولة المفاوضات مثلما اقترحت الجزائر، غير أنّه يبدو أنّ الشروط الملائمة لإنجاح الحوار ليست متوفرة بالشكل اللازم، فمازال على الجزائر العمل أكثر على كسب ثقة كل الأطراف الليبية، لأن هنالك أصوات ترتفع من داخل ليبيا تشكّك في نوايا دعاة الحوار والحل السلمي. ولعلّ نجاح الجزائر في الوساطة المالية سيكون مقدمة لإقناع الليبيين بفعالية الدور الجزائري.

❊ تونس تخطّت أزمتها السياسية وأعادت بناء مؤسّسات حكمها، لكن التحدي الأمني مازال كبيرا ؟
❊❊ تونس قدّّمت درسا ديمقراطيا راقيا واستطاعت بسلاسة أن تتخطّى المرحلة الانتقالية، وتجنّبت ما تتخبّط فيه دول عربية أخرى من عنف وخلافات سياسية، وهذا ما يشكّل مقدمة جيدة لمواجهة بقية التحديات الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الأمنية منها، مع ظهور جماعات متطرفة تنتهج سبيل العنف، وتحوّل تونس إلى مصدر هام للمقاتلين الأجانب المنضمّين لمختلف التنظيمات الإرهابية لاسيما في سوريا.
ولأنّ تونس تفتقد لخبرة أمنية قادرة على مواجهة هذا النوع من التهديدات، هنا  يأتي دور الجزائر لدعم الجارة الشرقية وتزويدها بخبرتها الطّويلة في مكافحة الإرهاب، سواء من حيث التنسيق الأمني أو تبادل المعلومات الاستخباراتية، وحتى في جانب التّدريب والتّكوين. 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024