مستغلّة انشغال العرب بتداعيات “الربيع” المريع

إسرائيل تباشر تهويد الأقصى بقوّة السلاح

فضيلة دفوس

الكل يتابع بخوف ممزوج بكثير من الاسى والغضب ما يتعرض له المسجد الأقصى من تدنيس لرمزيته الدينية الإسلامية، ومرجعيته الفلسطينية العربية، من قبل الصهاينة المتطرفين الذين يتعرضون له بالعدوان الهمجي بشكل يوميّ، حيث يصرّون على اقتحامه غصبا تحت حماية قوات الاحتلال المدجّجة بالسلاح، المعززة بقوانين تبيح لها إطلاق الرصاص الحيّ حتى على الطفل الفلسطيني الصّغير، في مسعى محدّد الهدف، وهو فرض التقسيم الزماني والمكاني لأولى القبلتين وثاني الحرمين، كمقدمة لتنفيذ مؤامرتهم الكبرى، ومخطّطهم المشؤوم  بإعادة بعث هيكلهم المزعوم، الذين يقولون كذبا وبهتانا، أن مكانه الأصلي هو نفسه الذي يقوم عليه الأقصى، ما يفسر  أشغال الحفر والتهديم والاقتحامات المتتالية التي تطال هذا المكان المقدس منذ سنوات بقصد تغيير هويته الاسلامية والعربية.

الكل يتابع بخوف ممزوج بكثير من الأسى والغضب ما
وحتى الآن، يبدي المرابطون الذين يدافعون بصدورهم العارية عن الأقصى، بعض المقدرة على وقف تنفيذ المؤامرة اليهودية، لكن حماية المسجد تتطلّب وقفة اسلامية قوية وكبيرة تكون بحجم الجرم الذي يقترفه الصهاينة، الذين لم يخفوا يوما وحتى قبل احتلالهم لأرض فلسطين، عزمهم على إعادة بناء “هيكل سليمان” في مكانه الأصلي أي في نفس المكان الذي يقوم عليه المسجد الأقصى كما يتوهمون، ومن تم جلب أكبر عدد من اليهود لتوطينهم أرض سليمان أو على الأقل للحج إليها.
وهيكل سليمان، كما هو معلوم، يعتبر من أبرز الأماكن المقدسة التي تحظى باهتمام بالغ لدى اليهود، وتحتل مكانة خاصة داخل وجدانهم، فهو بالنسبة إليهم “كنز الله” وهو أثمن حتى من السموات والأرض لأن الله ـ حسبهم ـ   خلقه بيديه الاثنتين وخلقهما بيد واحدة.
كما أن الهيكل متربع في قلب وعقل كل اليهود، يذكرونه في كل وقت وفي كل مناسبة، ويحتفلون بذكرى هدمه بالصّيام في التاسع أوت من كل عام، ويصلون من أجل العودة إلى فلسطين للمشاركة في إعادة بنائه.  
إعادة بناء الهيكل قرار مفروغ منه بالنسبة لليهود وأمر لا نقاش فيه، وقد صادقت المحكمة العليا الاسرائيلية قبل سنوات على طلب تقدمت به حركة “أمناء جبل الهيكل” المتطرفة لوضع حجر الأساس لهذا الهيكل في المنطقة المحيطة بحائط البراق، حيث جرت عدة حفريات، وحتى قبل أن يعرض الأمر على المحكمة، فإن اليهود جهّزوا كل شيء لتحقيق حلمهم وذلك منذ عشرات السنين، فقد جمعوا الأموال اللازمة من كبار رجال الأعمال اليهود عبر العالم، ووضعوا التّصميم الهندسي، وبحثوا عن الحجارة اللازمة ووجدوها في صحراء النقب، بل هناك من يجزم بأن الشروع في بناء الهيكل المزعوم تمّ عام 1996 عندما قام اليهود ببناء نفق تحت المسجد الأقصى طوله 2000م، ويذكر الجميع ما خلفته هذه العملية من غضب ورد فعل عنيف للفلسطينيين تحوّلت إلى مواجهات أو ما يعرف بانتفاضة النفق، وهي شبيهة إلى حد بعيد بانتفاضة الأقصى التي انفجرت كرد فعل على تدنيس شارون لباحة الأقصى قبل 15 سنة.
وإذا كان اليهود لم يباشروا إلى اليوم بناء هيكلهم المزعوم، فليس خوفا من رد فعل العرب والمسلمين أو حتى العالم أجمع، لأن السبب الجوهري في هذا التأخر، ناتج أساسا عن خلاف عقائدي قائم بين اليهود أنفسهم فيما يتعلق بهذه المسألة، فهناك مجموعات دينية ترى بضرورة الاسراع في بناء الهيكل، لأن ذلك سيعجّل بقدوم المسيح الذي سيأتي بالخلاص لليهود ويقضي على غيرهم من الملل والشعوب في العالم، وهناك مجموعات أكثر تشددا وتعصّبا، تصرّ على أن لا يكون بناء الهيكل إلا بيد المسيح المخلص نفسه لهذا فهي متمسكة بانتظار قدومه.
لكن على اختلاف الموقفين، فاليهود متفقون جميعا على أن المسجد الأقصى يقوم على مكان الهيكل المزعوم، وهو الذي يعوق قدوم المسيح، لهذا من الضروري هدمه كما يقولون.
 بكل تأكيد، إسرائيل لا تعير أدنى اهتمام لمشاعر المسلمين ولا لمقدساتهم انطلاقا من معتقدات دينية عجيبة تقر بسموّ الشعب اليهودي على الشعوب الأخرى، وهي تواصل تآمرها  لتحقيق حلمها الشاذ وتجسيد هدفها بكل تحدّ وغطرسة، متوهمة بأن العبث بمقدّسات المسلمين أمر مستباح خاصة  في ظلّ الأزمات التي تعصف بالبلدان العربية، والضعف والهوان الذي يعتري العالم الاسلامي، لكن هيهات فالمؤامرة اليهودية لن تجد مجالا للتنفيذ، ما دام هنالك من هو مستعد للتضحية بنفسه دفاعا عن الأقصى وعن كل فلسطين، ونحن نشاهد هذه الأيام كيف أن المرابطين بأولى القبلتين وثاني الحرمين يواجهون بصدورهم العارية اقتحامات المستوطنين المتطرفين وهم تحت حماية القوات الاسرائيلية التي لا تتردّد في استخدام السلاح.
معركة الاقصى بدأت، وهي صعبة بكلّ تأكيد، لكن ليس لدينا شك  بأن  يكون النصر فيها للشعب الفلسطيني البطل، الذي أبان عبر السنين عن ارتباطه بأرضه ومقدساته وكان دائما حافظا لماء وجه العرب والمسلمين  أمام عدوّ كاسر وجائر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024