مسار التّسوية في ليبيا

إصرار على تجاوز المرحلة الرّاهنة كوبلر أمام خيـارات جديـدة

جمال أوكيلي

مسار سياسي جديد ستدخله ليبيا على ضوء تعيين الدّبلوماسي مارتن كوبلر للإشراف على هذا الملف المعقّد، الذي كلّما ترك لحالة ازدادت مخاطره على المنطقة بعد أن وجدت المجموعات المسلّحة مرتعا خصبا لمحاولة التّأثير على الأحداث، ومنحها أكثر من حجمها الميداني باسم تسميات شتّى لا تعد ولا تحصى.
المبعوث الأممي الألماني له خبرة فائقة وكفاءة عالية في إدارة النّزاعات الدّقيقة آخرها في إفريقيا، على علم بأنّ الأمور ليست سهلة في هذا البلد أبدا، ولا يوجد أي وجه للمقارنة بين مشاهد النّزاعات التي وقف عليها في نقاط أخرى من العالم، فمن أين يبدأ كوبلر؟ هل من حيث انتهى برناردينو؟ إنّها الأسئلة الجديرة بالطّرح في الوقت الرّاهن حتى لا يعاد العدّاد إلى النّقطة الصّفر، ويبني وساطته على مرجعية قائمة وثابتة، يسعى فقط استكمال ما لم يستطع الدبلوماسي الإسباني التقدّم فيه!؟
مباشرة بعد استلام مهامه، أوّل ما يقوم به كوبلر هو الإتصال بالأطراف المعنية خاصة الجزائر التي كان لها دور محوي في هذا الملف، واستطاعت أن تساعد برناردينو في مسائل حسّاسة جدّا، خاصة إقناع أطراف ذات الوزن الثّقيل في ليبيا بالمشاركة في لقاءات الحوار التي احتضنتها العاصمة الجزائرية، ثم السّعي من جهة أخرى بالتّواصل مع اللّيبيّين الذين صنعوا الحوار حتى يأخذ الفكرة العامة عن طبيعة الصّراع.
وبناءً على تقييم عمل برناردينو، يمكننا معرفة التوجهات الأولية لكوبلر التي تستند إلى المنطلقات الآتية:
 تحديد الإطار العام للحوار السياسي.
معرفة الأهداف المتوخّاة لهذا المسعى.
 الإبقاء على الحوار المفتوح، لكل النّوايا الحسنة.
 التحكّم في مطالب وسقف الحوار.
 الإلتزام بالحلول والصّيغ المتّفق عليها.
ويتوقّع أن يغيّر كوبلر منهجية عمله، وهذا بالتّركيز على الأطراف القادرة على منح إضافة ملموسة وحقيقية لهذا الملف، وبخاصة الجزائر حتى لا تشتّت الجهود هنا وهناك، لأنّ تجربة نقل الحوار إلى الصخيرات بالمغرب أبانت عن محدوديتها وفشلها الذّريع، وهذا بشهادة شخصيات نافذة في ليبيا التي ترفض رفضا قاطعا تجزئة وتفتيت وتقسيم الحوار، كون الجهة التي نقل إليها غير معنية بتاتا بالمشكل اللّيبي، وسعت لذلك قصد تلميع صورتها لا أقل ولا أكثر، بدليل أنّ المساعي توقّفت في ذلك البلد، وانهار الحوار اللّيبي الذي أراد البعض استثماره لصالحه دون وجه حق.
وكل الإخوة اللّيبيّين يريدون أن يكون الحوار في الجزائر، دون جهة أخرى، وهم يأملون في ذلك قلبا وقالبا حتى يتم بسرعة ويتوّج بأشياء عملية يوافق عليها الجميع، بالرغم من أنّ الأمور ليست بالسّهولة التي يتصوّرها البعض، نظرا لما يحدث في هذا البلد.
اليوم هناك خطاب جامع في ليبيا لمسؤولين سياسيين يريدون أن يسوّي اللّيبيون أحوالهم فيما بينهم في المقام الأول ريثما يتم الجلوس مع كوبلر، هناك حديث عن حكومة وحدة وطنية تتشكّل من الفعاليات الموجودة على السّاحة، وهذه الآلية السياسية كانت جوهر الحوار مع برناردينو وتعاد ثانية لتطرح على المشهد اللّيبي، وهو فعل إيجابي إن لاقت الإستجابة من طرف المعنيّين، ولا يوجد خيار آخر ما عدا أن تبدى كل الأطراف استعدادها لاسترجاع الأمن إلى كامل ربوع البلاد، دون أي إقصاء، فالإخوة في طبرق أو طرابلس همّهم الأوحد والوحيد هو الإستقرار، وتفعيل المؤسسات الوطنية دون أي خلفيات أخرى. وبالتّوازي مع ذلك فإنّه لن يسمح بانتشار مظاهر التسلّح أو ترويع المواطنين تحت أي تسمية، والعمل على محاربة الإرهاب.
بالإمكان تحقيق هذه الأهداف لو استمع البعض للبعض الآخر، بوضع ليبيا فوق كل اعتبار بعد كل تلك المرحلة الصّعبة، وهذا بالتخلّي عن كل تلك الحسابات الضيّقة المتعلّقة أساسا بالسّلطة أي من يحكم من؟
وعليه فإنّ المسار السياسي المرتقب في غضون الأيام القادمة سيكون حاسما وقويا، وهذا على ضوء إرادة الأطراف المعنية في إيجاد الحلول الضّرورية التي تخدم الجميع سواء من داخل ليبيا أو في محيطها الحيوي، ونسجّل هذه المواقف الوطنية المسؤولة لدى جميع اللّيبيّين مهما كانت معتقداتهم في الإنتقال إلى مرحلة رحبة وآفاق واعدة في العمل الوطني، تتميّز بالعودة إلى تفعيل المؤسّسات وجعلها صاحبة القرار النّهائي بدلا من ترك المبادرة في أيدى الأشخاص، وهذا ما يصرّ عليه الكثير من اللّيبيّين لتجاوز الحالة الرّاهنة وهم على دراية تامة بأنّ المهمّة ليست سهلة، بل تتطلّب الكثير من التّنازلات من أجل ليبيا، ولا يتعلّق الأمر هنا بخسارة أو تضييع مواقع استراتيجية أو مناصب معيّنة، وإنما الأمر يتعلّق ببناء الدولة اللّيبية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024