تونس

الغنوشي أمام مسؤوليات تاريخية!

سعيد بن عياد

تقف تونس في منتصف الطريق بحثا عن الوجهة السياسية التي تليق بها في ظل احتدام الخلافات بين أطراف التحالف إثر تأكيد رئيس الحكومة المؤقت الجبالي سعيه لتشكيل فريق حكومي تكنوقراطي في محاولة لإرساء وضع جديد لا تكون فيه السطوة الحزبية مفعولا يرهن المسار الطبيعي لنمو المجتمع في ظل انسجام، وهو ما أعلنت حركة النهضة الحزب الذي ينتمي إليه الجبالي تخوفها منه خشية أن تخسر مواقع على الأرض.
وفي هذا الوضع المتأزم تتواصل الاتصالات بين الشركاء بما في ذلك الرئيس التونسي منصف المرزوقي من أجل صياغة مبادرة توافقية كفيلة بأن تقود البلاد الى بر الأمان وتخرجها من حالة انسداد قاتل للأمل الذي لاح في أفق الخضراء غداة انهيار النظام القائم قبل جانفي 2011.
بين اصرار حمادي الجبالي بالذهاب الى تشكيل حكومة غير سياسية تتكون من عناصر تكنوقراطية كحل أفضل للوضع القائم المكرس لانسداد مهددا بالاستقالة في خلاف ذلك من جهة، ورفض قيادة حركة النهضة لمثل هذا التوجه على اعتبار أن لديها أغلبية شرعية غير قابلة للمساومة من جهة أخرى تنزلق تونس بسرعة لولبية نحو المجهول الذي ينذر بلهيب العنف الذي تفجرت شرارته بشكل لافت مع عملية اغتيال أحد الوجوه المعارضة قبل أيام.
ويقدم المشهد السياسي لهذا البلد الذي يشد إليه الأنظار في هذه المرحلة صورة متناقضة تعكس حالة انقسام بين أطراف الائتلاف الثلاثي(الترويكا) الممسك بمقاليد الحكم، وبالفعل أصبح الائتلاف منقسما على نفسه بين دعاة الخيار التكنوقراطي للحكومة ودعاة الرفض بقيادة الغنوشي زعيم حركة النهضة التي وصلت الى السلطة في جانفي 2011  وتقف في مفترق الطرق، الأمر الذي يضع الغنوشي أمام خيارات صعبة بين التخندق الحزبي الضيق والانفتاح على المحيط بكافة أطيافه.
في ظل أوضاع غير مستقرة تعصف بتونس الى مرحلة تنذر بمخاطر جمة على الشعب التونسي التواق للهدوء واستئناف الديناميكية التنموية حيث لا يمكن أن تتقلص مساحة الحرية فيها بقدر ما يستوجب الموقف التفاف الشركاء بغض النظر عن الألوان الحزبية والقوة العددية للمناضلين حول خيار تكريس الديمقراطية في ظل الهدوء والاستقرار بما يضمن مساحة أوسع للحريات وإعادة بناء المسار القانوني لدولة المؤسسات الكفيلة بضمان الحقوق وطمانة المجنمع محليا واقليميا.
غير أن بلوغ أحلام كبيرة بحجم ما يتطلع إليه الشعب التونسي المرهق بفعل تراكمات وترسبات لعهود ماضية يكون ممكن التحقيق إذا ما أدرك من وضعهم التاريخ مسؤولية في مركز قيادته للمستقبل ثقل المهمة وارتباطها بمصير بلد برمته، بل بمنطقة كاملة تحيط بها حركية اقليمية تتطلب جاهزية للتعاطي معها بالقوة الاقتصادية اللازمة. ولا يمكن لمثل هذه القوة أن تكون خارج اطار استقرار وحرص على الهدوء المستدام.
وبالنظر لما قد تؤول إليه الوضعية حاملة مخاطر لا تتوقف في الإطار الجغرافي المحلي يكون الغنوشي وهو المدرك لتحولات الإقليمية والعالمية بكل تحدياتها ورهاناتها بما في ذلك تعريض الاستقرار لمخاطر لا تتحملها تونس أولا والمنطقة ثانيا أمام تحد كبير واستراتيجي يعي ما يترتب عن كل مسار قد يخرج عن السيطرة مما يفقد تونس كأحد ركائز المنطقة دورها المطلوب في العمل على تعزيز مناخ الاستقرار والانسجام مع متطلباته.
وبالنظر لما يحمله الرجل من تجارب في الماضي وإلمامه بالتحديات ليس بالنسبة لتونس وشعبها فقط وإنما لمجموع المنطقة التي تستهدفها مخططات تعد خلف ظهرها يمكن للغنونشي أن يضبط معادلة الحكم بما يشيع مناخا مطلوبا للممارسة الديمقراطية بشكل يوفر لبلاده بالأساس إمكانية إعادة ربط الصلة بالتنمية والانفتاح على المحيط بأكثر الضمانات المكرسة للحقوق المدنية والحريات، فيقطف كل واحد من ثمار التغيير الذي عرفته تونس ولا يمكن أن يقودها إلى غير ما يريده شعبها التواق لتعميق الهدوء، فتتضح الرؤية نحو الأفق.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024