ملفّات ساخنة تنتظر غوتيريس

تطبيق اللّوائح الأممية وإصلاح مجلس الأمن

جمال أوكيلي

إفريقيا تمتلك كل مقوّمات المطالبة بمقعدين دائمين وحق الفيتو

يستلم الأمين العام الأممي الجديد السيد أنطونيو غوتيريس مهامه الرّسمية يوم أول جانفي بعد أن أدّى اليمين على مستوى الجمعية العامة، ليباشر عمله في فترة أسبوع على الأقل لعهدة ٥ سنوات خلفا لبن كي مون.
ولأول وهلة يفرض الإجماع الدولي نفسه على هذه الشّخصية انطلاقا من تولّيه منصب المحافظ السّامي للاّجئين من ٢٠٠٥ إلى غاية ٢٠١٥، بتوقّع قدرته على تسوية البعض من النّزاعات الحادّة القائمة اليوم على الصّعيد العالمي بحكم التّجربة التي اكتسبها في الميدان، واطلاّعه الواسع على آليات نشاط هذا المنتظم الدولي.
لذلك، فإنّ النّوايا الأولى التي أظهرها من خلال توجّهاته المستقبلية تتركّز على ما أسماه «بالنّقائص» و»الإصلاح». هذا التّوصيف يكشف أنّ الوافد الجديد على مقر الأمم المتّحدة بنيويورك يحمل مشروع تصحيح الاختلالات في العمل سواء في كيفية صناعة القرار الجيّد وطرح رؤية مخالفة لما كانت عليه.
وهناك كلمات مفاتيح قوية أوردها هذا الرّجل منها الوساطة، التّحكيم، الدبلوماسية الوقائية، الإصلاح الشّامل لاستراتيجية عمليات الأمم المتحدة، أحسن تنسيق الفعالية والاتّصال القوي، هذه المؤشّرات ذات الدلالات السياسية ستترجم إلى برنامج عمل في غضون الأشهر القادمة، كونها تعد عصارة خبرة لدبلوماسي أفنى مساره المهني في خدمة الإنسانية.
والقراءة المستخلصة من هذه المصطلحات المعلن عنها هي أنّها كانت مغيّبة خلال الفترة السّابقة أو عدم امكانية العمل بها، وهذا لعدة اعتبارات واقعية معروفة في العلاقات الدولية، عندما يكون الفيتو حاضرا أو يطرح مشكل الإشتراكات، وغيرها من المسائل التي جاءت مضمنة في حديث غوتيريس تشهد على تعقّد القضايا الرّاهنة. لذلك سارع الأمين العام الأممي الجديد، إلى الكشف عن خارطة طريقه خلال المرحلة القادمة، وهي رسائل موجّهة إلى أعضاء مجلس الأمن خاصة، الذين لهم حق النّقض في الأحداث الكبرى. وهذا التّسلسل في ذكر هذه المفاهيم، تعطي لنا صورة واضحة بأنّ الأمم المتّحدة مطالبة بالسير في الاتجاه الذي تريده الشّعوب، لأنّ التّشخيص قائم حاليا ولا مفرّ منه، والإشكال في الحلول المؤدّية إلى النّتائج المرجوّة التي لطالما عبّر الكثير عن أملهم في التوصل إليها، والأمثلة أمامنا لا نذهب بعيدا القضية الصّحراوية العادلة التي ما تزال عرضة لكل أشكال التّماطل في تنظيم الاستفتاء القاضي بتقرير مصير هذا الشّعب، وهناك ملفّات شائكة وساخنة في انتظار هذا الرجل، وعليه أن يغيّر من التّعامل معها من قبل الأطراف التي تعرقلها عمدا، وخاصة هنا تطبيق اللّوائح الصّادرة عن مجلس الأمن. هذا هو المعرقل الكبير والواضح حاليا، كم من قرار كان لصالح الصّحراويّين في إطار الشّرعية الدولية لكن دار لقمان بقيت على حالها إلى يومنا هذا، وعمر النّزاع دخل عقده الرّابع دون أي مؤشّر يذكر، فهل ستكون ٢٠١٧ سنة حل القضية الصّحراوية بحكم أنّ هذا الأمين العام مطّلع على الوضعية الإنسانية لهذا الشّعب المناضل؟
نسوق عيّنة الشّعب الصّحراوي لأنّه الأقرب إلينا في إدراك معاناته منذ مسيرة العار في ١٩٧٥، والظّلم الذي لحق به من قبل جهات احترفت مهنة عرقلة الحصول على استقلاله، وأرادت فرض واقع سياسي على المجموعة الدولية بنسيان هذه القضية، وزحزحتها إلى المراتب الدنيا، وإلاّ كيف يفسّر عدم قدرة الأمم المتحدة على إدراج آلية حماية حقوق الإنسان في المهام المخوّلة لـ «المينورسو»؟
وعليه، فإنّ ما ورد على لسان غوتيريس من النّاحية النّظرية يعدّ توجّها دبلومسايا لائقا، وجدير بالمتابعة في الأيام القادمة عند استلام مهامه، غير أنّ تصرّفات البعض من البلدان يضعها في كفّة غير متوازنة مع القرارات الأممية ضاربة إيّاها عرض الحائط، هذا ما فسح المجال لتجاوز حتى القفز على عمل هذه المنظّمة، وعدم الانصياع لخطابها أو الإذعان لمطالبها المتعلّقة بأهداف محدّدة.
وقد أثار غوتيريس مسألة إصلاح الأمم المتحدة من ضمن ما قاله عند أدائه اليمين، وهذا المطلب ليس غريبا عن الجزائر وإفريقيا، وكان دائما من أولوياتهما خاصة مع الحيوية الجديدة للاتحاد الإفريقي الذي أطلق مبدأ الندية على صعيد العلاقات الدولية. وفي هذا الشأن فقد تمّ تأسيس لجنة الـ ١٠ في سنة ٢٠٠٥، تتكون من الجزائر، ليبيا، السينغال، سيراليون، ناميبيا، زامبيا، كينيا، أوغندا، غينيا الإستوائية والكونغو لبلورة رؤية مشتركة حول إصلاح منظمة الأمم المتحدة، وقاعدة عمل هذه الأطراف ترتكز على الانصاف والتوازن في التمثيل، وتبعا لذلك فقد فعّل الأفارقة هذا العمل من خلال «اتفاق إيزولويني»، الذي ينصّ على مطالبة القارة بـ ٧ أعضاء بمجلس الأمن من بينهم عضوان دائمان يمتلكان حق الفيتو، ودعّم هذا السّقف اجتماع ليفنغشون بزامبيا، الذي انعقد في ٨ ماي ٢٠١٥.
ويبقى هذا المطلب الإفريقي مشروعا بالرغم من بروز بوادر عدم التحمس لدى البعض من الأطراف، التي تتحجّج بأشياء لا أساس لها من الصّحة، وتريد أن يحافظ هؤلاء على الوضع الراهن، دون الذهاب إلى عمق القضايا المطروحة. وفي خضم كل هذه المصالح المتداخلة للكبار فإنّ مجلس الأمن لا يفتح أبوابه غدا لأنّ العملية يراها هؤلاء بأنها معقّدة، في حين أنّ هناك مقاييس واضحة منها عدد السكان، المساحة، الثّروات وغيرها. كل هذه الشّروط متوفّرة في القارة الإفريقية، إلاّ أنّ الاعتبارات الأخرى هي التي تهيمن في مثل هذه المواقع، وهذا بعد ٧٠ سنة من التّأسيس.
ولابد من التّأكيد هنا على أنّ مراجعة أداء منظّمة الأمم المتحدة ضرورة ملحّة بعد كل هذا الإنسداد المسجّل اليوم في تفاقم حدة الأزمات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024