هل من معجزة؟

فضيلة دفوس

بصدق، اعترف بأنني لم أعد أستوعب شيئا ممّا يجري في سوريا، وأجزم بأن هذه الأزمة التي أخد حجمها  يكبر ككرة الثّلج بحاجة إلى معجزة لحلّها. فالحابل اختلط بالنابل في بلاد الشام، والقضية لم تعد مجرد صراع على السلطة بين نظام متشبّث بها ومعارضة ركبت أمواجا من الدماء وأكواما من الضحايا لبلوغها.
فالمسألة كما أراها هي أكثر من مجرد رغبة مشروعة لبعض في إسقاط الأسد وإقامة نظام جديد تضع مفاتيحه بجيبها..
إنها باختصار الفوضى الخلاقة التي ابتدعها قبل سنوات الرئيس الأمريكي الأسبق “جورج بوش” كمرحلة سابقة لصنع شرق أوسط جديد، والتي تقوم على تهديم أسس الدولة في بعض البلدان العربية وتحطيم  ركائزها الاقتصادية الهشّة في الأساس، وتفتيت وحدتها بمعول الطائفية وإدخالها في حالة صراع داخلي قابل للتحوّل إلى حرب أهلية مدمرة، لتأتي بعد ذلك مرحلة إعادة تشكيل  دويلات يكون حجمها بمقاس مارسمته خارطة هذا الشرق الأوسط الجديد التي تكون فيه اسرائيل الدولة المحورية الأقوى، وفي فلكها تسبح هذه الدويلات المجهرية المطبعة الساجدة..
هل كانت صدفة أن يستهدف العراق بغزو واحتلال وما تمخّض عنهما من تدمير وتفتيت وسحق لوحدة الأرض والشعب هناك، ثم يأتي الدور على سوريا لإدخالها في حرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس؟...
لماذا هاتين الدولتين بالذات، ولماذا الإصرار على تحطيمها بهذا الشكل والزج بهما في أتون الحرب الأهلية، وقد كان بالإمكان التخلص من صدام في لمح البصر دون ا لحاجة إلى احتلال العراق وتدميره، كما كان  ممكنا ولازال التخلص من الأسد دون الحاجة إلى إحراق بلاد الشام وشعبها.
وقد رأينا أنه ليس هناك أسهل من التخلص من رئيس عربي عندما يقرّر الغرب ذلك، فقد تدخل “الناتو” عسكريا وقبض على الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وسلمه لمعارضيه الذين أذاقوه شر ميتة؟
الجواب في الواقع لا يحتاج إلى ذكاء ثاقب لمعرفته والأسطوانة التي تتغنى منذ بدء الربيع المريع بحق الشعب العربي في تغيير أنظمته الديكتاتورية القمعية المستبدة، أصبحت مشروخة ولا أحد يريد الاستماع إليها أو إلى هذه المبررات السخيفة التي تعرض كعناوين بارزة لتبرير إحراق بعض البلدان العربية دون غيرها، فمتى اهتم الغرب الذي نراه يذرف دموع التماسيح على القهر المسلط على الشعوب العربية من طرف انظمتها الحاكمة، بما تكابده هذه الشعوب وهو الذي ظلّ يحمي ظهر هذه الأنظمة ويعقد معها الصفقات والمؤامرات وراء الأبواب الموصدة؟، بل لماذا تستيقظ المشاعر الانسانية الجيّاشة لهذا الغرب أمام ما يجري في سوريا، وتنام ملء جفونها عندما يتعلق الأمر بما يقترفه الصهاينة من عدوان سافر في حق الفلسطينيين.
الحكاية منذ البداية واضحة، فما جرى ويجري في العراق منذ أكثر من عقدين، لم يكن لأجل التخلّص من صدام، وما يحصل اليوم في سوريا ليس لأجل إسقاط الأسد، الهدف أبعد من ذلك، إنه باختصار شديد الرغبة الجامحة في تهديم  الدول التي تعتقد اسرائيل بأنها تشكل خط الممانعة والمقاومة أو أدرع إيران الممتدة إلى جوارها..
هذا باختصار لب الموضوع، أما ماعدا ذلك من ذرائع ومبّررات، فهي لذرّ الرّماد في الأعين.
يبقى فقط التنبيه إلى أن النار التي اشتعلت في سوريا سوف تمتد خارجها لتلسع دولا وشعوبا أخرى والواقع أن تحوّل الصراع في سوريا إلى حرب إقليمية أمر أكثر من وارد، خاصة بعد الغارات الإسرائيلية على دمشق قبل أيام والتفجيرات التي هزّت جنوب تركيا.
اللهب في كل الأحوال لن يحرق بلاد الشام وحدها بل سيمتد ليحرق الذين يصبون الزيت والبنزين عليه وبينهم دول عربية تحوّلت للأسف الشديد إلى معاول تهديم بيد الذين ركبوا الربيع العربي وحوّلوه إلى شتاء عاصف.
وعود على بدء.. وتأكيد آخر بأن المعضلة السورية بحاجة إلى معجزة لحلها

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024