الاحتجاجات تكسّر سكون تركيا

سحابة صيف أم غمامة توتّر قادم؟

فضيلة دفوس

هل يمكن أن تنتقل عدوى الاحتجاجات والفوضى والتدمير الذّاتي إلى تركيا؟ وهل يمكن أن تمتدّ هذه الاحتجاجات  لتستنسخ أزمة مشابهة في الشكل والأهداف لتلك التي شهدتها وتشهدها بلدان ما يسمى “بالربيع العربي”؟
في الواقع الجواب عن هذه التساؤلات ليس بالأمر السهل، واحتمال أن ينزلق الوضع في هذه الدولة المسلمة وارد حتى وإن كان الكثير من المراقبين يستبعدونه، ويؤكّدون بأنّ وريثة الامبراطورية العثمانية ليست بالدولة الضعيفة التي يكن أن تتتهاوى بسهولة وشعبها لايعيش الضغط والانكسار والحرمان الذي  تعيشه أغلب الشعوب العربية التي انتفض بعضها وهزّ كراسي السلطة وأطاح بأنظمته الفاشلة ليغرق بلدانه في الفوضى وعدم الاستقرار وحتى في الاقتتال الداخلي.
هؤلاء الذين ينظرون إلى الاحتجاجات العنيفة التي هزّت عدة مدن تركية على أنّها أمر عادي يحصل في أكثر الدول ديمقراطية، يعتقدون بأنّ الحكومة التي حقّقت ازدهارا اقتصاديا واجتماعيا مثلما حقّقته حكومة أردوغان خلال عشر سنوات من القيادة، لا يمكن أن ينقلب عليها الشعب ليطيح بها، بل على العكس سيتشبّت بها ويعيد انتخابها إذا سمح القانون.
ويضيف هؤلاء بأنّ الحكومات والزعامات التي تنقلب عليها الشعوب تكون في العادة قمعية، فاشلة وعاجزة ومخيبة للآمال.
في الحقيقة، فيما يعتقده هؤلاء الكثير من الصواب، فحكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجه الاسلامي المحافظ، حقّقت منذ مجيئها إلى السلطة عام 2002 نهضة كبيرة على جميع المستويات، حيث رفعت مؤشر التنمية وقلّصت نسبة البطالة، وحوّلت تركيا إلى دولة جذب اقتصادي وسياحي، بل وإلى دولة مستقرة بعدما كانت  تعاني من الانقلابات المتكررة، فالحكومة لم تكن تعمّر بها طويلا، وغالبا ما كان العسكر هو الذي يتحكّم في تسيير دواليب الحكم من وراء الستار بحجة حماية الأتاتوركية والعلمانية، لكن قيادة الثنائي “أردوغان” و«غول”  استطاعت تقليم أظافر الجيش وتحييده، الأمر الذي مكّنها من الاستمرار في الحكم وتحقيق الاستقرار والازدهار اللّذان أثارا حسد الكثيرين.
ومقابل هؤلاء المتفائلين، هناك من يعتقد بأنّ تركيا التي مازال الغرب يصدّها ويرفض انضمامها إلى ناديه الأوروبي على اعتبارها دولة شرقية مسلمة، قد تصحو يوما لتجد عدوى الفوضى العربية قد أصابتها بنظر هؤلاء، فإنّ أحداث ساحة “تقسيم” بأسطنبول قد تستنسخ حادثة  “البوعزيزي” التي صنعت التغيير العربي، وتكون مقدّمة لمرحلة صعبة تدخلها تركيا.
ولهؤلاء الكثير من الدلائل لتبرير وجهة نظرهم،  يستشفّونها من تحوّل مطالب المحتجين في مختلف المدن التركية من مجرد اعتراض على إزالة منتزه واقتلاع أشجار، إلى الدعوة للاطاحة بالحكومة التي وصفوها بأبشع النّعوت وحكموا عليها بالسعي للفرار بتركيا من العلمانية إلى الأسلمة الكاملة، وقد رفع المحتجون زجاجات خمر في تحدّ واضح لقانون صدر مؤخرا يحضر بيع الكحول ويمنع استهلاكه ليلا.
الاحتجاجات التي بدأت صغيرة قد تلهب تركيا وتدخلها في متاهة الاضطرابات والتوتر حسب وجهة نظر هؤلاء التشاؤمية، والسبب ليس إخفاق الحكومة في أداء واجبها، وإنما انتماءها السياسي الديني، ثم موقفها من الأزمة السورية والذي يعتبره البعض مهدّدا لأمن البلاد خاصة بعد التفجيرات التي هزّت الجنوب الشهر الماضي.
وبين من يعتبر الهزة التي تشهدها تركيا، اصطدام قوي بين العلمنة والأسلمة، وبين من يراها من تداعيات الصراع السوري الماضي ليتحول إلى صراع إقليمي، تبقى الأيام القادمة كفيلة بأن تردّ على سؤالنا، لتؤكّد ما إذا كانت أحداث “تقسيم” مجرّد سحابة صيف أم غمامة توتّر واضطراب سيغطّي سماء وريثة الامبراطورية العثمانية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024