الأستاذ في علم الإجتماع، الدكتور عمار مانع:

تأثير الإشاعة في زمن الحجر أقوى

تيبازة: علي ملزي

كشف الباحث في علم الاجتماع الدكتور عمار مانع، عن أنّ مفعول الإشاعة في زمن الحجر المنزلي يتضاعف ويصبح أكثر تأثيرا، بالنظر الى أنّ الحجر وحده يترك بصماته غير البريئة في سلوكيات الفرد.

أكّد الدكتور عمار مانع، أنّ المعاناة من الحجر والتعرض المتواصل للأخبار المغلوطة تزيد من شدة الخوف والقلق لدى أفراد المجتمع، وهو ما يجعل من الضروري استعداد المؤسسات الصحية للتكفل نفسيا بالمظاهر الناجمة عن الحجر طويل المدة والذي لا تتوافر معلومات علمية دقيقة حوله. إلا أن النتائج الأولية لبعض الدراسات التي أجريت مؤخرا في مدينة ووهان بالصين، أظهرت أن الحجر لمدة أكثر من عشرة أيام تنجر عنه عديد الآثار النفسية، كالقلق واضطرابات النوم وأعراض ما بعد الصدمة، خاصة الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض وطبق عليهم الحجر الصحي، وليس الجميع متساوين في مواجهة هذه الوضعية، فبعض الفئات هم أكثر عرضة من غيرهم بسبب خلفيتهم الصحية أو مستوى مواردهم الاقتصادية وأيضا المعرفية. فتواجد الفرد محصورا في العائلة وفي سكن ضيق وموارد مادية ضعيفة يتأثر بشكل أكبر، بحيث تشمل هذه الضغوطات الخوف من الإصابة بالفيروس أو نقله، الملل، الإحباط، الشعور بالعزلة، عدم وضوح مستويات الخطر، نقص الشفافية في التعريف بطبيعة وشدة الوباء، الإجهاد النفسي، وقد يؤدي هذا الحجر إلى مظاهر مثل الإفراط في التدخين أو الإفراط في تناول الطعام أو العدوانية.
ويضيف الدكتور مانع، أنّه في حال تعرّض الفرد في فترة الحجر هذه إلى جملة من الأخبار السيئة لفترة طويلة، فإنّها تزيد من مستوى التوتر الذي قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض عضوية، كالقولون العصبي. كما أن المصابين بالأمراض المزمنة تزداد حالتهم تدهورا نتيجة الاكتئاب الذي يصاب به الأشخاص وعدم الإحساس بالأمن نتيجة تدفق كم هائل من الأخبار التي تزيد من الخوف والهلع وتدفع لليأس والقنوط. كما أن هذه الفئة الأخيرة التي تعاني من أمراض مزمنة أصبحت لا تتلقى العناية والمتابعة الكافيتين في الآونة الأخيرة من قبل المؤسسات الصحية، سواء العمومية منها او الخاصة، نتيجة انشغالها بالتكفل بالمصابين بوباء كورونا الجديد وهذا ما قد يعرض صحتهم للخطر. وتبقى بذلك هذه المؤسسات مدعوة للتكفل بالمشاكل الصحية، سواء النفسية منها أو العضوية والتي سوف تظهر بعد رفع الحجر والتي تنجم أساسا بفعل الحجر من جهة والأخبار المغلوطة من جهة أخرى.

المواجهة بمنهجية
وفي تشخيصه لما حصل ببلادنا في الآونة الأخيرة، قال الدكتور عمار مانع، إنّ التهافت على نشر المعلومات المغلوطة حول مرض الكورونا وما تبعها من شائعات حول غلق محطات الوقود، مما أدى إلى ظهور طوابير لا نهاية لها خوفا من نفاد الوقود، وغيرها من الشائعات غير البريئة تجاوزت حدود اللباقة بكثير وأخذت أبعادا لا يمكن التحكم في حجمها ولا في قوة تأثيرها. وماهو متعارف عليه أنّ الإشاعة تزدهر في فترات الكوارث والأزمات ويصبح الغموض وعدم اليقين لدى أفراد المجتمع وخوفهم من المستقبل عرضة لتأثيرات الإشاعة وانتشارها بسرعة، بحيث أنّه في هذه الحالات تصبح لوسائل الاتصالات ومواقع التواصل القدرة على النشر السريع للمعلومات والأخبار غير الدقيقة والمضللة.
وبحسب الدكتور مانع دائما، فإنّه بالرغم من المجهودات الكبيرة التي قامت بها الدولة الجزائرية لتسيير هذه الجائحة العالمية، من حيث توفير المعلومة عبر قناة رسمية واحدة، ونشر الإحصائيات الدقيقة يوميا، إلا أنها لم تتمكن من التحكم في مثل هذا النوع من الشائعات المثبطة لعزيمة القائمين على تسيير الشأن العام ونشر اليأس والإحباط بين أفراد المجتمع، إضافة إلى زعزعة الثقة في قدرة السلطات العمومية على التحكم في الأوضاع والسيطرة على مجريات الأحداث، ومن ثمّ فإنّه بقدر ما تسهل الوسائط الاجتماعية تدفق المعلومات والأخبار والتواصل، بقدر ما تشكل سلاحا ذا حدين، يمكن أن تشكل أحيانا خطرا على استقرار المجتمع عندما تستعملها جهات أو أطراف مشبوهة في بث الإشاعات والأخبار الكاذبة من أجل التأثير على الروح المعنوية للمجتمع وأحيانا تصل إلى تهديد حقيقي لكيان المجتمع ككل، فهي تجعل من الصواب خطأ ومن الخطأ صوابا، وقد يساندها في ذلك قلة الوعي والجهل وعدم القدرة على تفسير الأحداث بالشكل الصحيح وبالتالي يكون تأثيرها قويا، لهذا وجب على الدولة أن تواجهه بطريقة ومنهجية تعتمد على أربع نقاط أساسية.
تتعلق النقطة الأولى بثقة أفراد المجتمع في المعلومات الرسمية وتتبع الشائعات المضللة وتكذيبها في حينها قبل أن تأخذ في الانتشار وتفقد المؤسسات الرسمية القدرة على السيطرة عليها.
فيما تتعلق النقطة الثانية، بوظيفة وسائل الإعلام الثقيلة، كالتلفزيون والإذاعة الوطنية والصحف الكبرى الرسمية، في عرض ونشر الحقائق على أوسع مدى، من خلال تقديم المعلومات الكافية وبشكل ذكي وبيداغوجي ومفهوم، بحيث تتمكن كل فئات المجتمع من استيعابها والوثوق بها، وبهذا تتمكن من التغلب على الشائعات المضللة للرأي العام.
وتعنى النقطة الثالثة، بكون الترويج للإشاعات المسمومة والتشكيك في الإجراءات والمجهودات التي تقوم بها الدولة، والتي تلقى للأسف رواجا في أوساط المجتمع، تدعونا لإعادة التفكير في الإستراتيجية المتبعة لمواجهة هذه الظواهر وهذا من خلال تطوير سياسة جديدة للاتصال والتواصل مع فئات المجتمع.
أما النقطة الرابعة، فهي تعنى بتسيير الفراغ لدى الفرد الجزائري، بحيث يلعب الفراغ لدى أفراد المجتمع دورا في تقبل وخلق الشائعات وترويجها. ولهذا، فان انصراف الناس لشغل أوقاتهم بما هو مفيد والابتعاد عن الإدمان على استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنهم من التصدي لمثل هذه الشائعات
وتعنى النقطة الخامسة، ببناء جسور الثقة بين المرسل والمتلقي؛ أي أنّه لابد من أن يكون مصدر المعلومة شخصية رسمية تتمتع بالمصداقية وتتبع خطابا صادقا وصريحا بعيدا عن لغة الخشب والتلاعب بعقول الناس. وبمفهوم أدق يكون خطابا يحترم ذكاء الناس وعقولهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024