إنشاء لجنة خاصـــة لاعتمـــاد مخططــات التهيئــة الغابيـــة
وضعت السلطات العمومية إطارا قانونيا جديدا، يهدف إلى جرد الثروات الغابية وتسييرها المستدام، بما يضمن ديمومتها للأجيال القادمة، حيث وقع الوزير الأول المرسوم التنفيذي رقم 25-200 المتعلق بجرد الثروات الغابية الوطنية وتسييرها المستدام والتنمية الغابية، في خطوة استراتيجية تهدف إلى جعل الغابات رافدا أساسيا للاقتصاد الأخضر ومصدرا دائما للثروات الطبيعية تجسيدا لرؤية القيادة العليا في البلاد، وتحقق أهداف الجزائر في مجال البيئة والتنمية المستدامة، وتدعم التزاماتها الدولية في مواجهة التغيرات المناخية والحفاظ على التنوع البيولوجي.
في إطار سعي الجزائر المتواصل لتعزيز حماية بيئتها وتنميتها المستدامة، صدر مؤخرا المرسوم التنفيذي رقم 25-200، المتعلق بجرد الثروات الغابية الوطنية وتسييرها المستدام والتنمية الغابية. يأتي هذا المرسوم، الذي وقعه الوزير الأول نذير العرباوي، تطبيقا لأحكام القانون رقم 23-21 المؤرخ في 23 ديسمبر 2023، والمتعلق بالغابات والثروات الغابية، ويمثل هذا التشريع الجديد خطوة محورية نحو تنظيم وإدارة الثروة الغابية في البلاد، بما يضمن استدامتها وفعاليتها في توفير الخدمات البيئية والاقتصادية والاجتماعية للأجيال الحالية والمستقبلية.
إطار شامل للحماية والتنمية
يهدف المرسوم التنفيذي رقم 25-200 إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي تصب في مصلحة الثروة الغابية الوطنية واستدامتها، فبالإضافة إلى ضمان ديمومة الخدمات البيئية التي توفرها الغابات، يسعى هذا المرسوم إلى تنفيذ أحكام قانون الغابات لسنة 2023، وتنظيم التسيير المستدام لهذه الثروات الحيوية.
ويشمل نطاق تطبيق المرسوم جميع الثروات الغابية الوطنية، بما في ذلك الغابات، الغيضة، الأراضي ذات الطابع الغابي، الكثبان الرملية، والمناطق المغطاة بالنباتات، بالإضافة إلى المناطق المحمية والأراضي الرطبة ذات الأهمية البيئية والمنابت الحلفاوية، بغض النظر عن طبيعتها القانونية.ومن أبرز هذه الأهداف تحديد كيفيات إعداد جرد الثروات الغابية الوطنية، ويضع المرسوم إطارا منهجيا لجمع البيانات النوعية والكمية حول الغابات، بما في ذلك المساحة المشجرة وغير المشجرة، الوضعية الجغرافية، تكوين وتوزيع التشكيلات الغابية، حجم الخشب، وتقييم الإمكانات الإنتاجية للمنتجات الغابية الخشبية وغير الخشبية.
كما يهدف المرسوم إلى ضمان التسيير المستدام للثروة الغابية، من خلال استدامة توفير الخدمات البيئية التي تقدمها الأنظمة البيئية الغابية، مثل تنظيم الفيضانات، مكافحة الجفاف وتدهور الأراضي، تحسين نوعية الهواء، والمساهمة في التوازن المناخي، وكذا تنمية الثروات الغابية الوطنية، من خلال وضع مخططات وطنية وولائية للتنمية الغابية، بناء على تحليل دقيق للبيانات المجمعة من الجرد، وذلك لتحديد التوجهات الاستراتيجية والأعمال ذات الأولوية لتنمية الغابات.
ويهدف كذلك إلى حماية التنوع البيولوجي، حيث يتضمن المرسوم أحكاما تتعلق بحماية النباتات والحيوانات البرية ومواطنها الطبيعية، ومكافحة التصحر، وتحديد المجالات المحمية والمناطق الرطبة ذات الأهمية البيئية.
ويؤكد المرسوم على أهمية إشراك السكان المحليين والقطاعات المعنية والمجتمع المدني في إعداد مخططات التهيئة الغابية، لضمان التسيير المندمج للغابات ومراعاة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المحلية.
جرد دقيق وشامل للثروات الغابية
يعتبر جرد الثروات الغابية الوطنية من أهم المحاور التي يرتكز عليها المرسوم الجديد، فالهدف من هذا الجرد هو معرفة وتنمية وتسيير الثروة الغابية بشكل فعال، ويتطلب ذلك معرفة دقيقة لمكونات هذه الثروات والمخطط التوجيهي للتهيئة الغابية.
ويشمل الجرد عناصر أساسية مثل المساحة المشجرة وغير المشجرة، الوضعية الجغرافية، هيكل الغابات، حجم الخشب، وتقييم شامل للإمكانات الإنتاجية، كما يتطرق إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالغابات، وقدرتها على احتباس الكربون، وهو ما يعكس نظرة شاملة ومتكاملة لأهمية الغابات.
ولتحقيق ذلك، ينص المرسوم على وضع نظام معلوماتي متكامل يحتوي على قاعدة بيانات دقيقة للغابات، مما يسهل عملية التسيير والمتابعة.
تنمية مستدامة للثروات الغابية لا يقتصر المرسوم على الجرد فحسب، بل يمتد ليشمل تنمية الثروات الغابية الوطنية، وتهدف هذه التنمية إلى إعداد مخططات التهيئة الغابية والمخطط التوجيهي الولائي للتنمية الغابية.
ويشمل المخطط الوطني للتنمية الغابية عدة محاور رئيسية، منها التشخيص الإقليمي، وتحديد التوجيهات المتعلقة بالتهيئة الغابية، ووضع مخططات للتدخل المتعلق بالتشجير وإعادة التشجير، بالإضافة إلى معالجة الأحواض المتدفقة والاستصلاح الغابي، كما يركز المرسوم على حماية النباتات والحيوانات البرية وتنميتها، ومكافحة التصحر، مما يؤكد على البعد البيئي الشامل في رؤية التنمية.
تسيير رشيد ومخططات فعالة
يولي المرسوم التنفيذي رقم 25-200 أهمية قصوى للتسيير المستدام للثروات الغابية الوطنية، وذلك لضمان استمرارية فوائدها البيئية والاقتصادية والاجتماعية، ويتم تحقيق هذا التسيير، من خلال مخططات التهيئة الغابية التي تعتبر وثيقة تسيير وتخطيط تهدف إلى تحديد وتنظيم التسيير المستدام للغابة، على فترة تمتد من 10 إلى 20 سنة، وتسمح هذه المخططات بالتوفيق بين الأهداف البيئية والاقتصادية والاجتماعية للغابة باحترام مبادئ الاستدامة والحفاظ على النظم البيئية.
وتتضمن هذه المخططات تقديم عرض حول الغابة المعنية، تحديد التوجهات الخاصة بالتخطيط (مثل الإنتاجية، التنوع البيولوجي، الحماية)، تحليل التحديات الإيكولوجية، ومخطط التسيير الغابي الذي يحتوي على جدول زمني للأعمال المتعلقة بالتأهيل والأشغال الحراجية التحسينية والاستغلال والرعي والاستخدامات الأخرى.
أما مخططات تسيير الغابات فتعد بمثابة مخطط تهيئة غابية مبسط، يتم إعداده للغابات التي تقل مساحتها عن 3000 هكتار.
ويهدف هذا المخطط إلى تسيير النظم البيئية للغابات بشكل مستدام من أجل حمايتها وتثمينها بشكل دائم، ويضمن التجديد والتسيير المستدام للتجمعات الغابية الحفاظ على إنتاج الخشب والمنتجات الغابية الأخرى، مع مراعاة الفوائد الاجتماعية وإشراك السكان المحليين.
وينص المرسوم على إنشاء لجنة خاصة لاعتماد مخططات التهيئة الغابية ومخططات التسيير الغابي، لضمان تطبيق المعايير والتوجهات المحددة في المرسوم، وكذا التحيين الدوري لمخططات التهيئة الغابية ومخططات التسيير الغابي دوريا على أساس تطور الأعمال المنجزة، لضمان مواكبتها للتغيرات والاحتياجات الجديدة.
دعم لأصحاب الملكيات الخاصة
يستفيد أصحاب الملكيات الخاصة من دعم الدولة في الأنشطة المتعلقة بالوقاية من الحرائق والأمراض، وكذلك تلك المتعلقة بالحفاظ على التنوع البيولوجي، وخاصة الموارد الوراثية الغابية، تعكس هذه المادة من المرسوم التنفيذي التزام الدولة الجزائرية بتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في حماية وتنمية الثروة الغابية، فتوفير الدعم لأصحاب الملكيات الخاصة يشجعهم على تبني ممارسات مستدامة في إدارة غاباتهم، مما يساهم في تحقيق أهداف وطنية أوسع تتعلق بالأمن البيئي والاقتصادي.
يبرز هذا الدعم أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الأفراد والكيانات الخاصة في الحفاظ على التنوع البيولوجي، وهو أمر حيوي لاستمرارية النظم البيئية الغابية وقدرتها على التكيف مع التغيرات المناخية والأخطار البيئية مثل الحرائق والأمراض التي تهدد الغابات بشكل متزايد.
تحديــات وآفــاق
تزخر الجزائر بثروة غابية واسعة، حيث تقدر مساحة الفضاء الغابي بـ 4.1 مليون هكتار، منها 1.7 مليون هكتار غابات فعلية، وتطمح الجزائر إلى زيادة هذه المساحة لتصل إلى 5 ملايين هكتار.
وبالرغم من أهمية الثروات الغابية في الجزائر إلا أنها تواجه عدة تحديات، أبرزها حرائق الغابات التي تشكل تهديدا مستمرا للغابات، حيث تلتهم آلاف الهكتارات سنويا، وتسبب في خسائر بيئية واقتصادية جسيمة، وقد سجلت سنة 2024 إتلاف 3.484 هكتارا، إضافة إلى ظاهرة التصحر التي تعد من التحديات البيئية الكبرى التي تؤثر على الغابات، خاصة في المناطق الجنوبية للبلاد، ناهيك عن التدخل البشري غير الرشيد، مثل الرعي الجائر والقطع العشوائي، الذي يؤدي إلى تدهور الغابات، وهو ما يجعل من حماية الغابات مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الجميع، من سلطات ومواطنين ومؤسسات، لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة.