زهـرة المـدائــن

بقلم: جلال محمد حسين نشوان

 القدس زهرة المدائن، ومهد الحضارات والديانات السماوية، لها مكانتها المرموقة بين مدن العالم لأهميتها التاريخية والدينية والأثرية
إنّها بوّابة السّماء إلى الأرض، غنّت لها صاحبة الصوت الدافئ فيروز، القادم من عالم أرجواني كله مسك وعنبر، من كلمات وألحان الأخوين، ولقد حظيت هذه المدينة المباركة المقدسة بالحظ الأوفى والأوفر في معجزة الإسراء والمعراج، وهي مدينة مقدّسة لسائر البشرية، ويجب أن تكون دائماً رمزاً للسلام والوئام، ومفتاحاً للاستقرار والأمن. ومنذ 4 حزيران 1967، وقَعَت القدس تحت الاحتلال الصهيوني. وقد دعت قرارات الشرعية الدولية، ومن بينها قرار مجلس الأمن الدولي 242، وما تلاه من قرارات أبرزها 252 و267 و446 و2334، وغيرها من قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى انسحاب دولة الإحتلال من الأراضي التي احتلّتها، ومن بينها القدس، وبطلان الإجراءات الصهيونية الأحادية في الأراضي المحتلة، ومن بينها القدس، بما في ذلك إقامة المستوطنات وتغيير وضع مدينة القدس وطابعها.

وفي الحقيقة

لم تعد الصّور الباهرة وحدها تكفى للإعراب عن حالة الحنين والاشتياق للقدس، خصوصا بعد المؤامرة الأمريكية الصهيونية القذرة لانتزاع الحق الفلسطينى، ومحاولة تحويلها دون وجه حق عاصمة للكيان، وذلك بعد وعد ترامب المشؤوم الذى لا يساوى الحبر الذى كتب به، فالقدس كانت وستظل باذن الله عاصمة أبدية لفلسطين، وهى ريحانة المدن العربية وجوهرتها الثمينة والأصيلة، الضاربة جذورها فى أعماق التاريخ ونقولها بأعلى الصوت وبالفم الملآن، وبفعل الإجراءات الصهيونية الاجرامية وتغيير الوقائع على الأرض نلحظ أن المدينة المقدسة فقدت نسيجها العمراني ونسيجها الحضري عبر تفتيتها بالمستوطنات، التي بداخلها بين الأحياء والجيوب الاستيطانية التي في قلب الأحياء والبؤر الاستيطانية التي في داخل البيوت الفلسطينية، وجرى عزل المدينة عن امتدادها الحضري والاجتماعي في الضفة الغربية، عبر الجدار وعبر نقاط التفتيش، وبالتالي جرى تقطيع أوصال هذه المدينة، بحيث أصبحت أجزاء متناثرة وكأنّها ليست مرتبطة ببعضها البعض. وحول المعاناة والقهر اليومي الذي يتعرض له المقدسيون، وصمودهم في وجه المخططات الصهيونية الإرهابية التي تستهدف وجودهم وهوية مدينتهم، حيث تركت وحيدة وأنّ الاحتلال استفرد بها بعد أن عزلها عن جغرافيتها السياسية، الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم عزل غزة عن الضفة، فنراها تنتفض في كل مرة لوحدها وتنتصر لوحدها؟
وللأسف وعلى هذا الواقع المرير، يعزّز من وضع الاستراتيجيات والخطط للتصدي للتهويد الصامت الذى بلغ أشده، حيث يواصل الإرهابي نتنياهو سعيه الحثيث إغراق القدس بالمستوطنات وعزلها عن محيطها الفلسطيني، والتضييق على سكانها وفرض الضرائب التي لا تطاق، فقد بات المقدسيّون يواجهون ظلم الظالمين وإجرام المحتلّين، وهنا يجب وضع كافة إمكانياتنا المتواضعة لتعزيز مقومات الصمود، خصوصا وأنّ المحتل يحاول وبشتى الطرق تقويض الوصاية الأردنية على المقدسات ووضع كافة العراقيل أمامه، ولعل منع الكثير من الشخصيات الاعتبارية الأردنية والعربية من الصلاة بالمسجد الأقصى خير دليل على ذلك!
لقد أدار كثيرون ظهورهم للقدس، وتخلّوا عن دعمها ومساندتها، إذ كيف نفسر دعم المؤسسات الإنسانية الأجنبية والتقاعس عن دعم القدس! كيف نفسّر ضخ المليارات لانتشال الاقتصاد الصّهيوني، وترك أهل القدس يواجهون ظلم المحتلين!
حقّا: لم تعد الهشتاغات وصور التضامن تجدي نفعا على مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدو أن ذاكرتهم خانتهم، ولم يعودوا يستوعبوا دروس التاريخ، ولم يتوقّفوا عند أمجاد الأمة وانتصاراتها، القدس يا سادة يا كرام هي عروس المدن العالمية، ويبقى الرّهان الحقيقي على المد الشعبي الذي سينهض يوما وسيحطم كل الأغلال، ورغم أنّها تركت وحيدة وأن الاحتلال استفرد بها بعد أن عزلها عن جغرافيتها السياسية، الضفة الغربية وقطاع غزة فنراها تنتفض في كل مرة لوحدها وتنتصر لوحدها؟
إنّ تخدير الأجيال من أخطر المنعطفات السياسية التي ابتليت بها الأمّة، وهذا الواقع المرير يحتّم علينا مراجعة حقيقية وصادقة لكافة وسائل النضال، وإجراء التقييم الصحيح لحماية المسجد الأقصى المبارك من محاولات المنظمات اليهودية الإرهابية التي تسعى لتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا، المخاطر جسيمة والتّحدّيات كبيرة، خاصة أنّ المعطيات التي تداهمنا قاسية وصعبة ومنها صعود قوى يمينية فاشية ومتطرّفة ذات إيدولوجيات أفرزتها الانتخابات الصّهيونية الأخيرة، ستظل القلوب تهفو إليك يا قدس لأنّك عاصمتنا الأبدية، ولأنّك عروس الأمّة كلّها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024