فصل من مكتبة الكفاح الجزائري..

مؤتمـر الصومام وتطــوّر ثـورة التحريــر الوطني الجزائريـــة

خرج المؤتمر الأول لجبهة التحرير الوطني بنتائج، كانت في مستوى طموح الشعب وتطلعاته، حيث استطاع أن ينظم الثورة، بخلق جيش نظامي في مستوى سائر الجيوش كما قسم البلاد إلى ولايات ومناطق ونواحي وقسمات وعلى كل منها قيادة تنظم أحوالها، كما خرج بقيادة وطنية موحدة تمثلت في المجلس الوطني للثورة، ولجنة التنسيق والتنفيذ، ووثيقة سياسية تعتبر بمثابة الدستور الذي نظم شؤون الثورة.
كان مؤتمر الصومام صغيرا في حجمه كبيرا في سمعته، وكانت مقرراته تشبه ميثاقا وطنيا. أعطى لأول مرة محتوى للثورة الجزائرية، فقد أعطى نتائج أكثر مما كان متوقعا منه، حيث أزال مؤتمر الصومام فكرة الزعامة، وأقـر أن الثورة من الشعب وإلى الشعب.
إن عقد المؤتمر في حدّ ذاته يعتبر من أهم منجزات ثورة التحرير الجزائرية، حيث عقد في ظروف تكالبت فيها قوات الاستعمار على تصفية الثورة، كما أن عقده في منطقة وادي الصومام، يعتبر من أهم الانتصارات لجيش التحرير، لأن هذه المنطقة بالذات، أعلن عنها المستعمر بأنها تمّت تهدئتها وتصفيتها من الثوار نهائيا، فكان تحدي قادة جيش التحرير بأن عقدوا أول مؤتمر لهم بها، وكان ذلك بمثابة هزيمة نكراء للنظام الاستعماري وقواته العسكرية.
لقد دخلت الثورة الجزائرية بعد مؤتمر الصومام مرحلة جديدة في الكفاح ضد الاستعمار، تمثلت في توحيد الإدارة وتنظيمها وجعل استراتيجية جديدة للثورة، لا سيما ما يتعلق بجيش التحرير الوطني، حيث كان الهدف من توحيد النظام السياسي والعسكري عند المسؤول الأول، لأن طبيعة الثورة تتطلب ذلك، إذ ترمي إلى هدف سياسي هو الاستقلال الوطني، والسبيل المتبع لتحقيق ذلك هو الكفاح العسكري المسلح، لذا لا يمكن فصل الغاية عن الوسيلة، كما تمّ تنظيم الجيش إلى فيالق، والفيلق يتكون من ثلاث كتائب، والكتيبة من ثلاث فرق، والفرقة من ثلاثة أفواج، والفوج يتألف من أحد عشر رجلا، منهم عريف وجنديان أولان، أما التركيب العام لجيش التحرير فكما يلي:

المجاهدون: وهم الذين يشنون الهجمات والغارات، ويلتحمون بالقوات الاستعمارية بخطط حربية.

المسبلون: وهم الذين يقومون بتموين الجيش وحراسته في راحته ويحملون الذخائر والجرحى، وتخريب الطرق والسكك الحديدية ويكشفون كل المعلومات عن تحركات العدو واتجاهاته، ويمكنون الجيش في التنقل داخل القرى والمدن، كما يشاركون في المعارك.
الفدائيون: رجال مسلّحون يعيشون في القرى والمدن والعواصم لا يرتدون الزي العسكري ولا يحملون السلاح إلا عند تنفيذ المهمة، ويحققون أهدافهم في الأماكن التي يظنها المستعمر محمية منيعة، ليقيموا الدليل على أنه لا مفر من أحكام الثورة ولا نجاة من عقابها، وهم الذين قال عنهم المجاهد العربي بن المهيدي لدى عودته من مؤتمر الصومام: إن هؤلاء الرجال بدون الزي العسكري يعتبرون في نظر جيش التحرير وجبهة التحرير العيون والآذان والاعضاء بالنسبة لكائن حي”.
وامتاز جيش التحرير الوطني باحترامه للشعائر الإسلامية، فكان احترام المجاهدين للدين واقتدائهم بالسلف الصالح، بأن سموا أنفسهم بالمجاهدين، يبدأون بكلمة الله أكبر قبل الشروع في الهجوم على العدو ويقومون بصلوات الجهاد، كما كانت أحكامها تعتمد على الشريعة الاسلامية.
أما عن أساليب المقاومة، فتختلف من ولاية لأخرى، متكيفة مع ظروف المنطقة والأساليب العسكرية التي يتبعها العدو، فالمقاومة في المناطق التي تكثر فيها الغابات يختلف أسلوبها عن مناطق النجود أو الصحراوية، وحسب الزمان كذلك، فالعمليات العسكرية التي وقعت سنة 1954 أو 1955 غير عمليات 1956 1957، تبعا لاختلاف الأسلحة ولتضليل العدو الذي كان يحرص على معرفة أسلوب جيش التحرير في المقاومة، فقد كان جيش التحرير يتبع أساليب مختلفة في معاركه مع المستعمر.
قال المجاهد كريم بلقاسم: الأسلوب الذي نواجه بـه العدو عندما يكون مطلعـا على وجودنا في جبهة ما، ليس هو الأسلوب الذي نواجهه عندما يكون جاهلا لوجودنا، لكن القاعدة الأساسية في جميع أنواع المعارك. أن نحتفظ دائما بزمام الموقف حتى يكون في متناولنا أن ندخل في المعركة وأن نتجنبها حسبما نريد، أي أن المعركة يجب أن تتمّ حسب إرادتنا وحسب خطتنا بحيث لا يستطيع العدو أن يفرض علينا المعركة حسبما يريد.
ومن مظاهر تطور الثورة التحريرية، بدء دخول الحرب إلى المدن الجزائرية، والتي انتشرت بعد ذلك بشكل عام في الأرياف، حيث ظهرت هياكل أخذت معالم معينة، ولهذا فإن خلايا جبهة التحرير الوطني كفاحية، والتي عندما تمركزت في المدن كان هدفها البحث عن دعم مستمر وسريع للكفاح المسلح أي البحث عن الرجال، والأسلحة، والدعم المادي.
وكانت العمليات في المدن تتخذ صيغا متعددة منها التصفية الجسدية الفردية للعناصر الأجنبية المعادية والخونة، وضرب المؤسسات الاستعمارية الكبرى، والأماكن التي يجتمع فيها قادة العدو كالحانات والمقاهي، وكان الذي يقوم بهذه الأعمال الفدائية، قد يكون رجلا أو امرأة وقد قام الأطفال كذلك بهذا.
أما الشعار الذي اتبعه الشعب الجزائري في عمليات المدن، هو أني لم أسمع ولم أرَ... ما رأيت ولا سمعت، وكان لهذا الموقف مفعول عظيم، حيث دفع المستعمر إلى الاعتقاد بأن كل الشعب الجزائري فدائي، وهذا التصور خـدم الثورة إلى حدّ كبير.
وفي الريف اتخذت الثورة طابعا مختلفا، إذ أن أعمال المدن كانت تهدف إلى وجود الثورة في كل مكان، وإلى إسماع صوت الثورة في الخارج، فإن عمليات الجبال أو حرب العصابات في الريف كانت يقصد بها بالاضافة إلى إبراز المكان الطبيعي الوجود، إلحاق الخسائر الفادحة بقوات العدو، لأن الجبال هي لحرب العصابات لما توفره الطبيعة من وسائل الحماية إضافة لما يقدمه أفراد الشعب من مساندة كل ذلك يجعل المكان الطبيعي لمحاربة المحتل هو الريف وليس المدن
أما الجانب الاعلامي للثورة، فقد نشط وأخذ يلعب الدور المنوط به فإن العمليات التي كانت تجري في المدن والريف كانت تستغل سياسيا فبمجرد ما ينفذ الفدائي عمله، يبدأ العمل الإعلامي في إشاعة الحدث، وكان رد فعل المستعمر عنيفا، لكنه كان يخدم الثورة من جهة أخرى إذ أن عنف المستعمر كان سببا في إصلاح كثير من المترددين، كما لعب المحافظون السياسيون دورا مهما في هذا المجال، حيث ساهموا في رفع وتعزيز معنويات الشعب، واستطاعوا إحباط مناورات العدو كافة بإصدار المناشير التي توزع في المدن والأرياف لشرح المهام المرحلية التي يتوجّب على المواطنين إنجازها، كما عمدوا إلى الاتصال المباشر بالجماهير لفضح أساليب المستعمر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024