شكّل تاريخ 20 أوت 1955م، منعرجا حاسما في تاريخ الثورة من خلال إعطائها نفسا جديدا بالتطبيق الدقيق لاستراتيجية فكّ الحصار وتعميم الكفاح المسلح وإعادة تنظيمه. فكيف تمكنت هجومات الشمال القسنطيني من إنقاذ الثورة من الحصار الذي فرضه عليها الجيش الفرنسي، فتحوّلت إلى ثورة كان من نتائجها إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة يوم 30 سبتمبر 1955، بطلب من 15 دولة من أصل 29 شاركت سابقا في ندوة - باندونغ لحركة عدم الانحياز؟
يرى أستاذ التاريخ محمد الأمين بلغيث، أن هجومات 20 أوت 1955 هي تجديد العهد مع الثوار لمواصلة الحرب على المشروع الاستعماري، أي ما سميّ “سياسة التهدئة”، وهي عنوان الإبادة الجماعية للسكان مثلما كان يفعل مجرمو فجر فرنسا الاستعمارية بيجو لامورسيير كافينياك.
وذكر المتحدث، أن جاك سوستيل وأمثاله كانوا يعلمون خطورة تعميم الثورة وكسب رهان الشعب الذي احتضن بشكل نهائي العمل المسلح ضد فرنسا في كل مكان، وقال إن التحضيرات للهجمات دامت ما يقارب ثلاثة أشهر، وقد كان البطل الشهيد زيغود يوسف، صاحب الفكرة ومهندس هجمات 20 أوت 1955م، يشعر بأن مصير الثورة على الأقل في المنطقة الثانية يقع على مجاهدي المنطقة، فلا بد من الإسراع، بالنصر أو الشهادة.
وأشار بلغيت، إلى أن الهجمات حدّدت الأهداف منذ الأيام الأولى، وبينها أن يعرف الجميع أن الثورة مستمرة، لا رجعة فيها، كما أن قوات مجاهدي جيش التحرير الوطني تمركزت قبل أسبوع من الهجومات في مواقع محدّدة بدقة، وضمانًا لنجاحهم وضعت كل مجموعة في الموقع الذي تعرفه، كما حدّدت ساعة الصفر في منتصف نهار يوم السبت 20 أوت 1955م، وتمّ العمل على تعبئة الشعب لإمداد الثورة بكل ما يملك لتحقيق أهداف بيان أول نوفمبر 1954م، إضافة إلى تسهيل وتنظيم طريق القوافل نحو تونس؛ لجلب الأسلحة والذخيرة التي تتطلبها الثورة.
وأشار الباحث، إلى أن الإعداد للهجمات تمّ بصورة سرية، وتنظيم محكم، وروح عالية، ففي ناحية سكيكدة بدأ التجنيد العملي، حيث تجمّع المجاهدون، والمسبلون، والمناضلون، منذ يوم 16 أوت 1955م، ووقع تجمعهم في أماكن عديدة، هي: جبل العالية ونواحيه، ويقدر عدد المتجمعين فيه بحوالي 3000 فرد، ثم محجر الرومان، وضواحيه، وتجمع فيه مئات الأفراد، وسيدي أحمد غرب سكيكدة، حيث تجمّع فيه حوالي 800 فرد، وأشرف على هذا الإعداد في ناحية سكيكدة كل من محمد مهري، المدعو: الكولونيل، وإسماعيل زيغات، وعمر بوالركايب.
وبناحية القل، ذكر بلغيث وكانت تحت إشراف عمار شطايبي، المسؤول عن الناحية، وتجمع المجاهدون، والمسبلون، وكافة المواطنين الراغبين في الجهاد في منطقة بني زيد، وكان عددهم يقارب 234 فردًا، وفي الميلية أشرف على عملية التحضير الأخضر بن طوبال، منذ أن كلفه بالأمر الشهيد زيغود يوسف، وكلف عبد الله بن طبال المجاهد مسعود بوعلي بقيادة الهجوم على الميلية والمناطق الإستراتيجية المقصودة.
وأضاف: “أشرف على إعداد الهجومات ناحية قسنطينة قائد المنطقة نفسه زيغود يوسف، وقد تجمع ما يزيد على 500 فرد في جبل الوحش، بحسب اختلاف الروايات بالناحية، وأما ناحية يوسف زيغود (السمندو سابقًا) فقد أشرف عليها كل من عبد المجيد كحل الرأس، وبشير بوقادوم، وبلغ عدد المتطوعين حوالي 350 فردًا، جاؤوا من مناطق عدة، أما ناحية الحروش، وادي الزناتي، قالمة، فقد أشرف على تنظيمها كل من المجاهد الساسي، ويوسف علي لمويس، حيث قسَّما المسبلين والمجاهدين، والمتطوعين إلى سبعة فرق، تم توجيهها إلى قالمة، وادي الزناتي، هيليوبوليس، الركنية، الفجوج (كليرمان سابقًا)، الحروش، رمضان جمال (سان شارل سابقًا)، وكل مجموعة أشرفت على تجمعات للمناضلين، والمتطوعين، والمسبلين، وجرت عملية الإعداد، والتحضير لليوم الموعود في ظروف تتسم بالجدية، والروح العالية، وفي السرية التامة، الأمر الذي سمح بتنظيم الهجومات حسب المخطط المتفق عليه في اجتماع “الزمان” بالحدائق على بعد حوالي أربع كيلومترات من سكيكدة”.
وأوضح ذات المتحدث، أن الأهداف المحدّدة للهجوم كانت موجهة للمواقع العسكرية من ثكنات، ومراكز الشرطة، والجندرمة، والمؤسسات الاقتصادية، ومعاقل الأوروبيين، على أن يتمّ الهجوم في وضح النهار حتى تشاهد الجماهير جنودها وتلتحم معهم؛ لرفع المعنويات، ولتحطيم قوة العدو، وجمع السلاح، وهذه الأهداف هي:
تواصل العملية ثلاثة أيام، لكل يوم أهدافه، تسليم مشعل الثورة إلى الجماهير فهي الكفيلة بالعمل الثوري، وتطبيق مقولة الشهيد البطل محمد العربي بن مهيدي: “القوا بالثورة إلى الشارع، يحتضنها الشعب”، إضافة إلى فكّ الحصار على المنطقة الأولى، أوراس النمامشة التي جندت لها فرنسا الاستعمارية جيشها وبخاصة اللواء الخامس والعشرين، التابع للعقيد ديكورنو؛ للقضاء على الثورة، وهذا في عملية “تيمقاد الشهيرة”.
