حماية أراضـي الدولة بقوة القانون

إجـراءات صارمـة لحمايـة العقـار العمومي

سيف الدين قداش

أصدرت الجزائر قرارا حازما للحفاظ على الملك العمومي المتمثل في الأرض، من خلال إجراءات قانونية وضوابط تحدد وتوضح طرق إدارة العقار وتثمينه والحفاظ عليه، من خلال كبح فوضى البناء العشوائي والاعتداء على الملك العمومي واستغلاله دون وجه حق، من خلال وضع آليات وقواعد للحماية، وعقوبات رادعة في حال الاعتداء.

يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة جيجل، محمد حيمران، إن أحد أهم قوانين الدورة التشريعية الحالية هو قانون حماية أراضي الدولة والمحافظة عليها من أي مساس أو استيلاء سواء كان لغرض البناء عليها أو لأي استغلال مهما كان نوعه. ويهدف القانون لكبح تزايد عمليات البناء العشوائي والتعدي على عقارات الدولة، فإصداره جاء تلبية لقضايا مستعجلة. فهذا القانون المصادق عليه من طرف نواب المجلس الشعبي الوطني يوم 24/06/2023 جاء ليحدد آليات حماية أراضي الدولة من الاستيلاء والقواعد المطبقة على البنايات والمنشآت المقامة عليها بطريقة غير شرعية والعقوبات المطبقة في حالة التعدي عليها.
وحسب حيمران، فإن الاستيلاء أو التعدي على أراضي الدولة يأخذ ثلاثة أوجه وهي أفعال مؤدية إلى تدهور القيمة الاقتصادية للأرض، تغيير وضع الأرض أو تغير طابع الأرض. ومن إيجابيات القانون انه جاء لمراجعة طريقة تسيير أملاك الدولة، وكيفية استرجاعها في حالات التعدي من طرف الأشخاص الطبيعيين والمعنويين. إضافة إلى تعزيز التدابير الاحترازية لحماية أراضي الدولة ومحاربة البنايات الفوضوية. وعليه سيسمح هذا القانون بمكافحة البنايات الغير القانونية المنجزة على أراضي الدولة ويكرّس إطارا قانونيا يحظر أفعالا ويقر عقوبات. ومن المخلفات السلبية لتسيير العقار في الفترة السابقة هو انه توجد أراض مخصصة للزراعة تم تحويلها إلى بنايات سكنية ونشاطات أخرى. وكذلك العقارات الصناعية منحت بدون توفر شروط الاستفادة، وعليه فلم تحقق الغرض المرجو الذي خصصت أو شيدت من أجله. وتنامت نشاطات مافيا العقار التي استحوذت على العقارات ما تسبّب في مشاكل وتعقيدات ذات بعد اجتماعي واقتصادي .
بالإضافة إلى زيادة رقعة النشاطات العقارية في السوق الموازية. لأن الامتياز على الأراضي العمومية قبل سنة 2011 كان يمنح عن طريق المزاد العلني والتراضي مع إلغاء التنازل بغية وضع حد لأطماع المستثمرين الوهميين. وجاء قانون المالية لسنة 2011 بنص جديد لمنح الامتياز على أساس دفتر الشروط عن طريق التراضي على الأراضي التابعة للدولة.
فالإجراءات الردعية جاءت بعقوبات سالبة للحرية قد تصل إلى السجن لمدة 20 سنة وغرامات مالية قد تصل إلى مليون و500 ألف دينار جزائري. بالإضافة إلى منع جميع أنواع ربط البنايات المشيدة على أراضي الدولة بالكهرباء والماء والغاز وبالطرقات.
ووفق ذات المتحدث فإنه وإلى جانب الشق الردعي الذي جاء به القانون الحالي، فلابد من رفع الحس المدني عبر القيام بتطوير الثقافة الجوارية وثقافة المواطنة المبنية على الحفاظ على ممتلكات الدولة والتي هي في آخر المطاف تقدم الدولة عبرها خدمات للمواطنين . لهذا فلا بديل عن تعزيز تسيير وحوكمة أملاك الدولة بطرق أكثر نجاعة وتهيئة الإقليم على أسس أكثر صرامة. لحماية أراضي الدولة من اجل توفير العقار للمشاريع الاستثمارية والتي نحن في أمسّ الحاجة إليها.
وأضاف البروفيسور محمد حيمران، بأننا نعلم أن الأرض تعتبر أحد عناصر الإنتاج للمؤسسة الاقتصادية والذي وجب توفيرها . فالعقار كان أحد العراقيل التي واجهت المستثمرين المحليين والأجانب في وقت سابق وجاء هذا القانون ليضع حدّ للمشكلة.
وكانت العقارات مرتفعة التكاليف خاصة لدى أصحاب المشاريع الإنتاجية الذين يحتاجون إلى أوعية واسعة.
لهذا فإن تدخل الدولة عبر قانون حماية أراضي الدولة تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح لمسايرة عدة قوانين أخرى بالخصوص قانون الاستثمار لسنة 2022 . ولأنه الهاجس الأكبر للمستثمرين تواصل الدولة تعزيز الضمانات الممنوحة عبر قانون الاستثمار الجديد . ويدخل هذا القانون كذلك في إطار الإجراءات التكميلية الغرض منها تقديم تسهيلات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الباحثة عن فرص للاستثمار سواء كانت مشاريع استغلالية أو مشاريع توسعية.
بالمقابل أشار حيمران إلى أن توفير العقار وبأسعار معقولة، يشجّع المستثمرين على تنويع استثماراتهم في مختلف المجالات الاقتصادية، وهو ما يؤدي إلى تطوير قطاعات إستراتيجية خارج قطاع المحروقات مثل القطاع الصناعي والفلاحي والسياحي وتحقيق الاستقلالية عن الاستيراد.
من جهة أخرى فلابد من إعادة مراجعة طرق منح الأراضي والفصل بين العقار الزراعي والعقار الصناعي وعقار الأعمال ولا يجب معالجتهما على نفس الوجه.
إن العقار الزراعي ينتج لنا أشجارا وثمارا فلابد من تثمينها عند نهاية العقود مهما كانت مدتها 33 سنة أو 66 سنة أو 99 سنة. ولكن العقار الصناعي يختلف كون صاحب المشروع يشيد به آلات وصناعات وعند نهاية مدة الامتياز يحمل عتاده وآلاته والتي يطلق عليها بسلسلة الإنتاج تاركا الأرض لمالكها الأصلي وهي الدولة.
فالجزائر يجب أن تدرك المعنى الاقتصادي والمصلحة الاقتصادية وطبيعة النشاط المستغل في أي عقد أو امتياز أو تنازل عن أملاكها عبر تغليب الجانب الاقتصادي بدرجة اكبر عن الجانب القانوني. فمثلا لا يجب التعسف في تطبيق القانون في حالات هدم بنايات سكانية أو استثمارات، وذلك حتى لا يكون الضرر اكبر من النفع.
بالإضافة إلى هذا يشير ذات المتحدث إلى حق الدولة في المحافظة على دورها التقليدي الذي يكمن في حق المتابعة الدورية عبر حق المتابعة والمراقبة وحق الشفعة عبر توسيع مجال الزيارات من طرف المسؤولين المحليين والقيام بالتحقيقات اللازمة. وخاصة كون القانون الصادر يؤهل للبحث ومعاينة الجرائم المنصوص عليها ويرخص لأعوان 8 هيئات وزارية بمراقبة أراضي الدولة وحمايتها.
زيادة على هذا، فالمشرّع مطالب بالتمييز بين أصناف العقار من حيث الإحجام والطبيعة القانونية. فالعقار من الحجم الكبير يجب أن يأخذ اهتماما اكبر من العقار ذو الحجم الصغير. فمثلا لا يجب قبول نشاطات من طرف شركات المسؤولية المحدودة ذات الشخص الوحيد في العقارات الكبيرة، بل يجب فرض عليها طبيعة قانونية مغايرة تسمح بإنشاء مجلس إدارة والذي يكون احد أطرافه ممثل عن الدولة حتى نحافظ على ممتلكات الدولة.
ووجب أيضا إنشاء بنك للمعلومات حول السوق العقارية تشارك فيه مختلف الإدارات العمومية، وإنشاء أيضا مرصد عقاري يكون مسؤولا عن نشر أسعار العقارات بشكل محين وإعداد تقارير دورية عن العقارات الصناعية وغير الصناعية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024