الأسـيرات الـفـلســطـيـنـيات ورحلـة الـصمـود.. مـن ركام الألم إلى فــضاءات الـعزّة والــشــموخ

بقلم: جلال نشوان

سجلت المرأة الفلسطينية أروع صفحات النضال، عبر مسيرتها النضالية، وشكل عطاءها البطولي، علامة فارقة في تاريخ الشعب والثورة الفلسطينية منذ بدايات الصراع مع المحتل وحتى يومنا هذا، حيث لعبت دوراً ريادياً في التصدي للمحتل الصهيوني الإرهابي النازي، ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، حملت السلاح وشاركت أخيها وزوجها وابنها في المسيرات والمظاهرات، والاحتجاجات، ما جعلها تتجرع كأس المرارة والظلم، فاستشهدت، وجرحت، وأسرت، وأٌبعدت، لكن كل ذلك لم يثنيها أو يحبط عزيمتها، فكانت مثالاً رائعاً في الذود عن الوطن،

أيها السادة الأفاضل:

صورة المرأة الفلسطينية، صورة جميلة ومشرقة، فالعالم كله ينظر إليها نظرة احترام، حتى غدت نموذجاً يحتذى به.. وخلف قضبان سجون الاحتلال الصهيوني الإرهابي النازي، هناك بحور من الألم والوجع، حيث تتعرض أخواتنا الماجدات المعتقلات الفلسطينيات كغيرهن من أبناء الشعب الفلسطيني للتعذيب وسوء المعاملة والتنكيل بهن، يتعرضن الماجدات المناضلات إلى انتهاكات بهدف إذلالهن، وحرمانهن من الاحتياجات الصحية والشخصية، لكنهن المبدعات في الصمود والتحدي.. نماذج وعناوين مشرقة ومن تلك النماذج الأخت المعتقلة المقدسية إسراء، الجعابيص التي اعتقلت بعد حريق شب في سيارتها وأصيبت على إثره بحروق من الدرجة الأولى والثانية والثالثة في 50% من جسدها، وفقدت 8 من أصابع يديها، وأصابتها تشوهات في منطقة اليدين، إسراء الجعابيص التي تعرضت لتعذيب قاس في مركز تحقيق المسكوبية، حيث تعرضت لوضعيات شبح مختلفة بالإضافة إلى الضرب والصراخ والشتم والتهديد والابتزاز. وتقضي الأخت إسراء 11 عاماً.

الاحتلال الصهيوني الإرهابي النازي لم يراع مكانة الأم والأمومة

وحسب المعلومات المتوفرة لدى نادي الأسير، فإن 19 أسيرة من مجموع الأسيرات الفلسطينيات هن من الضفة الغربية، و11 أسيرة من القدس، و4 أسيرات من المناطق المحتلة سنة 1948، أقدمهن الأسيرة ميسون الجبالي المعتقلة منذ 29 حزيران/ يونيو 2015. بينما تُشير المعطيات إلى أن 18 أسيرة منهن صدرت بحقهن أحكاماً بالسجن لفترات متفاوتة، وأعلاهن حُكماً الأسيرتان شروق صلاح دويات من القدس، وشاتيلا سليمان أبو عيّاد من كفر قاسم، المحكومتان بالسجن 16عاماً، والأسيرتان عائشة يوسف الأفغاني من القدس، وميسون موسى الجبالي من بيت لحم، المحكومتان بالسجن 15عاماً، والأسيرة نورهان إبراهيم عواد من القدس، وهي محكومة بالسجن 13عاماً، ، والأسيرات فدوى نزيه حمادة وأماني خالد الحشيم وملك يوسف سليمان، المحكومات بالسجن 10 أعوام، وثلاثتهن من القدس. بينما لا تزال 15 أسيرة موقوفات. هذا بالإضافة إلى الأسيرة الأم شروق البدن من بيت لحم، والمعتقلة منذ 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي لمدة 4 أشهر رهن الاعتقال الإداري.
ويعاني عدد من الأسيرات جرّاء أوضاع صحية صعبة، أبرزهن: الأسيرة المقدسية إسراء الجعابيص التي تبلغ من العمر 36 عاماً، والمعتقلة بتاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر 2015، والتي حُكم عليها بالسجن الفعلي مدة 11 عاماً بتهمة أُلصقت بها، وذلك حين انفجرت أسطوانة غاز كانت تنقلها في سيارتها بالقرب من حاجز عسكري نتيجة إطلاق قوات الاحتلال النار على سيارتها بذريعة اقترابها من الحاجز واتهامها بمحاولة تنفيذ عملية دهس. فتسبب الانفجار باشتعال النيران في سيارتها، وفي إثر ذلك، أصيبت بحروق من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، أتت على أكثر من 60% من جسدها ووجهها، وهو ما أفقدها عدداً من أصابع يديها وأصابها بتشوهات كبيرة في جسدها، وأضرار تسببت بتغيير ملامحها كلياً، وهي بحاجة إلى رعاية صحية ومزيد من العمليات الجراحية، ومعاناتها تتفاقم في ظل استمرار سياسة الإهمال الطبي المتعمد.

وفي الحقيقة :

صعّدت سلطات الاحتلال الارهابي الصهيوني النازي استهدافها للإناث على مدار الفترة الماضية، ووسّعت دائرة الاعتقال وارتفع عدد المعتقلات، وأصدرت بحق بعضهن أحكاماً قاسية، وفرضت على أغلبيتهن غرامات مالية باهظة، وأخضعت عدداً من الفتيات والأمهات للاعتقال الإداري والحبس المنزلي. حدث كل هذا مترافقاً مع تصعيد إدارة السجون قمعها للأسيرات في سجونها والاعتداء عليهن، وعدم مراعاة خصوصيتهن، عبر تركيب كاميرات مراقبة وغيرها من الإجراءات، ومصادرة حقوقهن، بما في ذلك الحق في تلقّي الرعاية الطبية اللازمة والعلاج المناسب، والحق في التجمع لغرض الدراسة والتعلُّم، أو لأداء فرائض الصلاة جماعةً، والحق في ممارسة الأنشطة الذهنية والترفيهية، والحق في استقبال الأهل وأفراد الأسرة بصورة منتظمة، إذ تعاني الأسيرات جرّاء عدم انتظام برنامج الزيارات، وفرض قيود ووضع عراقيل عديدة أمام استقبال الزوار، بذريعة “المنع الأمني وكثيراً ما اشتكت الأسيرات من تفاقم معاناتهن جراء سوء المعاملة في أثناء النقل بين السجون، أو إلى المحاكم والمستشفيات، حيث يتكبدن العناء والتعب، ويتعرضن لكثير من المضايقات والاستفزازات لتشكل عملية النقل رحلة عذاب. هذا بالإضافة إلى معاناتهن السيئة في سجن هشارون، والتي لا تصلح للحياة الآدمية، حيث تضطر الأسيرات إلى الانتظار فيها ساعات طويلة، أو المكوث فيها أياماً عديدة كمحطة انتظار، قبل استكمال نقلهن إلى الجهة المحددة. وفي الشهر المنصرم اشتدت حملات القمع والتنكيل بحق الأسرى والأسيرات عموماً، انتقاماً منهم وعقاباً جماعياً لهم، وبغية استعادة سلطات السجون هيبتها وترميم صورتها المهزومة عقب عملية نجاح ستة أسرى فلسطينيين في انتزاع الحرية عبر نفق سجن جلبوع الصهيوني، الذي يُعتبر السجن الأكثر تحصيناً والأشد حراسةً، وما شكّلته هذه العملية من ضربة قوية وموجعة لدولة الاحتلال، وفشل ذريع لأسطورة المنظومة الأمنية والعسكرية الصهيونية، وما زالت تلك الهجمة المسعورة مستمرة تحت ذرائع وحجج متعدّدة، لكنها اتخذت في الأسابيع الأخيرة منحى خطِراً في استهدافها الأسيرات والاعتداء عليهن، ورشّ غرفهن بالغاز، وفرضت إدارة السجون جملة من العقوبات، كالحرمان من الزيارة والكانتينا، وسحب أدوات كهربائية، بالإضافة إلى عزل ممثلة الأسيرات وأسيرتين، وهو ما شكّل تعدياً صارخاً وتجاوُزاً لكل الخطوط الحمراء، الأمر الذي دفع بالأسرى في السجون الأُخرى إلى الاستنفار واتخاذ موقف موحد بدعم وإسناد الأسيرات والوقوف إلى جانبهن، والمطالبة بوقف الإجراءات القمعية، وتلبية مطالبهن. وبعثوا برسائل شديدة اللهجة إلى إدارة السجون، واتخذوا العديد من الخطوات النضالية، تخللتها عملية الطعن الفردية التي قام بتنفيذها أحد الأسرى في سجن نفحة ضد ضابط يعمل في إدارة السجون، وهو ما أشعل الأوضاع داخل السجون وخارجها وشكّل حالة ضغط على إدارة السجون التي اضطرت إلى الاستجابة لتهدئة الأوضاع. الوضع غير مطمئن والتوتر سيد الموقف، وخصوصاً بعد مصادقة الكنيست الصهيوني بالقراءة الأولى بتاريخ 14 كانون الأول/ ديسمبر على قانون ينص على إرسال وحدات من الجيش إلى السجون بذريعة ضبط الأمن، وهو ما يؤشر إلى احتمالية أن تكون المرحلة المقبلة أكثر قمعاً واستخداماً للقوة المفرطة بحق الأسرى والأسيرات عموماً. وعلى الرغم من جحيم الزنازنين وظروف الاعتقال اللانسانية وسوء المعاملة، فإن التاريخ يؤكد أن المرأة الأسيرة الفلسطينية الماجدة، وعلى مدار سني الكفاح الطويلة، لم تنكسر أمام سجّانيها، بل بقيت متماسكة في مواجهة الاحتلال وسجّانيه، وخاضت مع إخوانها الرجال الكثير من الخطوات النضالية، بما فيها الإضرابات عن الطعام، ذوداً عن كرامتها ودفاعاً عن حقوقها وحقوق شعبها، فحافظت على وجودها وبنَت داخل السجن مؤسسة تنظيمية وثقافية وفكرية، وسطّرت صوراً رائعة من البطولة يفتخر بها وتحفظ في الذاكرة الجمعية لنضالات المرأة في العالم.

المجد يركع لكن أيتها الماجدات
يا تيجان رؤوسنا
يا سنابل فلسطين التي شمخت إلى العلا
الفرج بإذن الله قريب
والفرحة قادمة وإن أجلتها الأيام

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19467

العدد 19467

الأحد 12 ماي 2024