فلاحُـون وأساتذة ومُختصون فــي ندوة “الشعب”:

خُطوات مدرُوسة ونظرة استراتيجية لتحقيق الأَمْنَيْـن الغذائي والمائي

أدار الندوة: حمزة لموشي

أكد المُتدخلُون في ندوة أعدّتها “الشعب”، حول الأمن الغذائي والمائي في الجزائر، أنّ رئيس الجُمهورية السيد عبد المجيد تبون، حريص على أولوية تحقيق الأمن الغذائي والمائي ضمن توجه جديد في تسيير شُؤون الدولة، تحقق في أنجازات الثلاث سنوات الأخيرة في قطاعي الفلاحة والموارد المائية، من خلال تحويل مُعظم المُؤشرات الحمراء إلى اللون الأخضر، خاصة مع بداية عام 2023، بتجاوز احتياطي الصرف حاجز 64 مليار دولار، ومن المُتوقع أن يصل إلى 70 مليار دولار بنهاية العام.

في هذه الندوة، ثمن خُبراء ومُختصون في الفلاحة وأساتذة جامعيون من داخل الوطن وخارجه، قرارات الرئيس تبون، واعتبروها انطلاقة جديدة نحو تحقيق السيادة الغذائية والمائية المُستدامة، عن طريق مشاريع حاضنات الأعمال، ودعم إنشاء المُؤسسات الناشئة، تنفيذ مُخرجات البُحوث العلمية، في الميدان، المبنية على منظُومة إحصائية لتوفير معلُومات دقيقة وشاملة لكُل مُتغيرات الموارد المائية والفلاحة، خاصة شُعبة الحُبوب، وتوضيح الرُؤية الحالية والمُستقبلية واحتياجات الجزائر.

كُلّ الشُرُوط متوفرة لتحقيق الأهداف
تمتلك الجزائر إمكانات طبيعية هائلة، يُمكن أن تجعل من القطاع الفلاحي قائدًا لقاطرة خلق الثروة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي تحقيق الاكتفاء الذاتي في مُختلف الشُّعب الفلاحية، ما يُحقق الأمن الغذائي، بحسب الدُكتور عبد الباسط بُومادة، من جامعة ورقلة.
ونظرا للديناميكية والحركية الكبيرة التي يشهدُها القطاع الفلاحي في بلادنا في السنوات الأخيرة، فإنّهُ يُمكن القول، إنّ الجزائر ماضية قُدما وفي الطريق الصحيح لتثبيت ركائز أمنها الغذائي والمائي، وهي توافر المواد الغذائية بزيادة الإنتاج والإنتاجية، ثُم حوافز أسعار السُّوق وتحديث البنية التحتية من طُرق، أسواق، تخزين وغيرها... إضافة إلى جوانب التغذية السليمة، وأخيرا استقرار الركائز الثلاث على مدار العام، خاصة خلال الجفاف ونُقص الغذاء، وذلك استجابة لمبدإ من لا يملكُ قُوتَهَ لا يملكُ قرارهُ، يُضيفُ المُتحدث.
وبلغة الأرقام يُؤكد بُومادة، أنّ الإنتاج الزراعي ارتفع من 3500 مليار دينار جزائري سنة 2021 إلى أكثر من 4500 مليار دينار جزائري سنة 2022، أي بنسبة تفوق 31% جعلت من القطاع الفلاحي يُساهم في تغطية 75% من الاحتياجات الغذائية ويحقق 14,7% من الناتج الداخلي الخام ويُوظف أكثر من 20% من اليد العاملة بـ2,7 مليون منصب شُغل.
وبالعودة للركيزة الأولى من ركائز الأمن الغذائي، فإنّ الجزائر حققت قفزات نوعية في إنتاج مُختلف المنتُوجات الفلاحية وفي إنتاجية الشُّعب الرئيسية، خاصة الحُبوب التي أولى لها السيد رئيس الجمهورية اهتماما خاصا خلال الجلسات الوطنية للفلاحة المُنعقدة شهر فيفري الماضي، مُركزا على ضرُورة زيادة مردُودية الهكتار الواحد من القمح إلى أكثر من 30 قنطارا في الهكتار الواحد. علما أنّ المُعُدل الحالي أقلُ من 20 قنطارا في الهكتار، خاصة أنّ الدولة وفرّت كُل عوامل النجاح لبُلُوغ هذا الهدف.
وبالنسبة للركيزة الثانية، فإنّ الكثير من الخُطوات اتُّخذَت في هذا المجال، من إنشاء أسواق الجُملة لتسهيل تسويق مُختلف المنتُوجات الفلاحية وبناء غُرف التبريد وصوامع تخزين الحُبوب في مُختلف مناطق الوطن وكذا توسيع شبكات الطُرق والسكك الحديدية، بالإضافة لتشجيع الاستثمار في الصناعات التحويلية لمُختلف المنتُوجات الفلاحية، من خلال قانون الاستثمار الجديد.
وبخُصُوص الركيزة الثالثة المُتعلقة بجوانب التغذية السليمة، فإنّ الكثير من العمل ينتظرُنا –بحسب بُومادة- في هذا المجال وخاصة العمل التوعوي، إذا علمنا أنّ استهلاك الفرد الجزائري من الحُبوب هو الثاني على مُستوى العالم بعد تركيا، بمُعدل 230 كيلوغرام للفرد في السنة، وهو استهلاك مُفرط للحُبوب فيه الكثير من التبذير وخاصة الخبز.
الجدير بالذكر هنا، أنّ إنتاج الحُبوب في الجزائر يشهدُ تبعية مُفرطة للأمطار. وبما أنّ الجزائر تمتلكُ مساحة شاسعة، تُشكل المناطق الصحراوية ثُلثيّها وبالنظر للمخزُون الهائل من المياه الجوفية في هذه المناطق المُتمثلة في الطبقة البينية القارية بـ600 ألف كيلومتر مُربع وبحجم يفوق 50 ألف مليار متر مُكعب، بالإضافة لطبقات جوفية أُخرى، فإنّ المناطق الصحراوية يُمكنها تجسيد الاكتفاء الذاتي وبالتالي تحقيق الأمن الغذائي في الجزائر، إذا ما وُفرت كُل الظُروف وذُللت كُل العقبات أمام المُستثمرين في المجال الزراعي، حيث أنّ المناطق الصحراوية تُساهم حاليا، يُضيف مُحدثنا، بـ25,7% من الإنتاج الزراعي الوطني ويُمكن أن تتضاعف هذه النسبة 3 مرات إذا ما تضافرت الجُهود لمُرافقة الفلاحين والمُستثمرين من أجل التغلب على المعيقات.
كما أنّ مُناخ وتُربة المناطق الصحراويه يُمكنها إنتاج الحُبوب خلال دورتين في السنة الواحدة وبمردُودية جدُّ عالية. وبما أنّ الأمن الغذائي مُرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن المائي، وجب ترشيد استهلاك الماء في القطاع الفلاحي، باستعمال الطُرق الحديثة للري المُقتصدة للمياه واستغلال المياه المُستعملة بمُعالجتها وإعادة استعمالها في السقي من أجل تحقيق تنمية مُستدامة.

إرادة سياسية قوية لانطلاقة جديدة للفلاحة والموارد المائية

يَعتبرُ الخبير الفلاحي والأمين العام للمُنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي لعلى بُوخالفة، أنّ الأمن الغذائي من السيادة الوطنية. فالدُول التي لا تملكُ أمنها الغذائي والمائي، ناقصةُ سيادة .وبالنسبة للجزائر، فهُناك مجهُودات كثيرة بُذلت لأجل ذلك، وحققت نسبة معقُولة جدا من أمنها الغذائي وصل لمُستوى 75% في بعض المُنتجات الفلاحية كالخُضار والبُقُوليات، لذلك تَمّ تصنيف الجزائر من طرف المُنظمات العالمية في الخانة الخضراء أُسوة بالدُول الأوروبية.
ومُنذ قُدوم الرئيس تبون، لسُدة الحكم، تغيّرت الأُمُور -بحسب بوخالفة-، عبر التشخيص الذي قامت به السُلطات العمومية وتوصلت إلى ارتباط الجزائر بالاستيراد في بعض المواد الاستراتيجية كالحُبوب خاصة القمح، حيث يتم إنفاق أكثر من 3 ملايير دُولار سنويا لتوفير هذه المادة الغذائية الاستراتيجية، ما دفع الرئيس إلى اتخاذ عدة قرارات وإجراءات، بعد دراسة مُدققة في الميدان، والمُتمثلة في رفع أسعار استرجاع الحبوب إلى وحدات الديوان الجزائري للحُبوب والبُقول الجافة بسعر 6 آلاف دينار للقنطار بالنسبة للقمح الصلب، و5 آلاف دينار للقنطار للقمح الليّن، و3 آلاف دينار للشعير والخرطال، وكذا دعم الأسمدة بـ50% بعدما كانت 20%.
وهناك إجراءات أُخرى اتخذنها الدولة خلال كل مجلس وُزراء لفائدة قطاعي الفلاحة والموارد المائية لارتباطهما الوثيق، خاصة الزراعات الاستراتيجية كالحُبوب، حيث سجّل محدثنا وُجود إرادة سياسية قوية عبر الرئيس شخصيا، بوضع إمكانات كبيرة لصالح المُستثمرين والفلاحين، وقد شُرع في تنفيذ خارطة الطريق هذه للوُصول للأَمْنَيْـن الغذائي والمائي، عبر التوجه إلى الفلاحة الصحراوية، بإنشاء الديوان الوطني للفلاحة الصحراوية.

لون أخضر للمُؤشرات الفلاحية والمائية بالجزائر
كما حدّدت الحُكومة، بتعليمات من الرئيس، مُحيطات زراعية كُبرى على مُستوى غالبية الولايات الصحراوية كأدرار، تيميمون، المنيعة، غرداية وغيرها... مُخصصة لزراعة الحُبوب، خاصة القمح الليّن، نظرا لشساعة الأراضي ووفرة المياه والطاقة. مع العلم أنّ أكبر منبع للمياه الجوفية موجُودٌ في الصحراء الجزائرية، يُقدر بـ50 ألف مليار متر مُكعب، يُمكن استغلاله لمُدة طويلة تصلُ إلى 5 آلاف سنة، واكتشف معها مُؤخرا مياه مُتجددة أيضا يُضيف بُوخالفة.
وهُناك مصدر آخر، لا يقل أهمية –بحسب المتحدث- هو امتلاك الجزائر لساحل بحري طُولُهُ 2148 كم (بحسب دراسة علمية جديدة أطلقتها وزارة البيئة والطاقات المُتجددة والمعهد الوطني للخرائط والكشف عن بُعد، تحت وصاية وزارة الدفاع الوطني)، يُمكن استغلاله لإنشاء مُركبات ومحطات تحلية مياه البحر وهو ما تفطن له رئيس الجمهورية بإسدائه تعليمات صارمة للإسراع في إنجاز هذه المحطات عبر هذا الشريط الساحلي، لتوفير المياه الشروب للمُواطنين أولا، ثُم تُوجيه كميات منهُ للفلاحة، مع تلك التي يتمُّ مُعالجتها وبذلك يُمكن للجزائر أن تُصبح قُطبًا فلاحيًا إقليميًا تُوفر أمنها الغذائي وتُحقق أمنها المائي المُستدام.
نُذكّر هُنا بتصريح الرئيس، أنّ بين ولايتي عين صالح وأدرار فقط تُوجد9 ملايين هكتار يُمكن استصلاحها للفلاحة، مُوجهًا تعليماته للشركة الوطنية سونلغاز لإيصال الطاقة إلى هذه المُحيطات الفلاحية الكُبرى. والحقيقة التي لا يُمكن إنكارها، تحقيق خُطوات كبيرة في هذا المجال عبر البرامج المُجسّدة ميدانيا لتجسيد “حُلم القرن”، ولِمَ لا الوُصُول لمُستوى الدُول الكُبرى في هذه الشُعبة كالصين، الهند، أوكرانيا وروسيا؟.
وخلافًا لولايات الشمال والهضاب العُليا، حقّق فلاحو الجنوب نسبَ إنتاج كبيرة وصلت لـ80 قنطارا في الهكتار الواحد، حيث تستوردُ الجزائر سنويا من 80 إلى 90 مليون قنطار سنويا من الحُبوب، تُجهد هذه الكمية خزينة الدولة بمبالغ مالية طائلة، لو استُثمرت -بحسب بوخالفة- في تنمية الشُعبة بالصحراء لتغيّرت الكثير من المُعطيات وأصبحت الجزائر في غُضون سنوات بلدًا مُستقلاً غذائيًا في الحُبوب وآمنًا مائيًا.
ويُفصل الخبير الفلاحي بُوخالفة في ذلك بالقول، إنّ تخصيص 1 مليُون هكتار فقط لإنتاج الحُبوب، في حال تمّ إنتاج 80 قنطارا في الهكتار، نكُونُ أمام إنتاج 80 مليون قنطار التي نستوردُها سنويًا، ونقضي بذلك نهائيًا على “مخاطر الإستيراد”، بالاعتماد على الإمكانات والقُدرات الموجُودة في الجزائر الجديدة واستغلالها من خلال التنظيم المُحكم والمُتابعة الميدانية والرقابة واستعمال التكنولوجيا في تطوير هذه الشُعبة، بالتنسيق مع مُختلف القطاعات الوزارية كالفلاحة والتعليم العالي والبحث العلمي، الصناعة، الموارد المائية والطاقة وغيرها للمُساهمة في رفع المردًودية واستعمال الري الذكي للحفاظ على المياه.

الجزائر تفوز بمعركة البذور
يرى الأمين العام للمجلس الوطني المهني المُشترك لشُعبة الحُبوب عبد الغني بن علي، أنّ الديوان يقُومُ بدور كبير جدًّا في الحفاظ على غذاء الجزائريين، لأنّهُ مُنشأة ذات سيادة ويتوفرُ على كفاءات في تسيير شُعبة الحُبوب الحيوية في إطار الأمن الغذائي، ثُم البقوليات وكُل المُنتجات الفلاحية التي تدخل في الدورة الزراعية.
وقد رفعت الجزائر، بحسبه، هذا التحدي ونحنُ في السنة الثالثة من حكم الرئيس تبون، الذي بفضل قراراته الجريئة، صُنفت الجزائر عالميا وإفريقيا في الخانة الخضراء ضمن الدُّول التي لها كُلُّ المواد التي يحتاجها المُواطن، وظهر ذلك جليا خلال جائحة كُورُونا، عندما أُغلقت كُلُّ الموانئ أين وجد المُواطن ما يحتاجه من مواد غذائية فلاحية. وتحدي الديوان حاليًا هو الوُصول للأمن الغذائي الذاتي محليًا ولمَ لا التصدير مُستقبلاً؟.
كما خطا الديوان خُطوة عملاقة بالنسبة لزيادة قُدراته التخزينية وتجاوز 40 مليُون قنطار حاليًا. وبحسب ذات المسؤول، فإنّ هذه القُدرات سمحت للجزائر بتحقيق مخزُون مُناسب لمُواجهة أي تذبذب مُحتمل للسُوق خلال الظُروف الاستثنائية.
وأكد بن علي، أنّ الجزائر الجديدة سمحت بالاستجابة للانشغالات المُتعلقة بترقية فلاحة حديثة قائمة على رفع مُستوى الإنتاج والإنتاجية للشُّعب الفلاحية من أجل تعزيز أُسُس الأمن الغذائي والحفاظ على الموارد المائية، بالاعتماد على خارطة للقُدرات الوطنية لتخزين الحُبوب تضمن استعمالها الأمثل وتُعزّز أُسُس الأمن الغذائي لهذا المنتُوج واسع الاستهلاك.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19462

العدد 19462

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024