عائلــــــــة جزائريّـــــــــة - فلسطينيّـــــــة مــــــــن غــــــزّة تـــــروي يوميـــــــــات القصــــــــف لــــــــ “الشّعب”:

الوضع مأساوي..والإرهاب الصّهيوني يواصل جرائمه النّكراء

فضيلة بودريش

 

غــــــــــــــزّة محاصـــــــــــــرة بالمــــــــــوت والأوبئـــــــــــــــة تتهدّدنــــــــــــــــا..يا خيـــــــــــل اللـــــــــه اركبـــــــــــي..
 إنّها آلة الدمار الصهيوني تلقي بكل ثقلها على الحياة بغزة، نار موقدة تستهدف كل جامد ومتحرّك، الموت يلاحق الجميع في نومهم وصحوهم، وفي كل قصف تتحرك المنازل والبنايات مئات المرات في ارتدادات تشبه الزلازل، عشرات الآلاف من الفلسطينيين دون مأوى تركوا شمال غزة بعد أن سويت منازلهم بالأرض، فنجوا بأرواحهم دون أن يتمكّنوا من إكرام موتاهم، خطر الأوبئة هو الآخر لا يرحم، إنه قادم مع الماء الملوث، الكهرباء والغاز والخبز في قبضة المحتل. صرخات الغزاويين من عائلة سلامة، والسيدة الجزائرية سميرة دمراجي المقيمة في قطاع غزة زلزلت أسماعنا، سكان غزة على خط النار يعانقون الموت، الشهداء تحت أنقاض الدمار ، والجرحى يحضرون إلى المستشفيات مبتوري الأعضاء..إنه الإرهاب الصهيوني المقيت، فمن يوقف هذا العدوان الظالم على الأبرياء العزل؟



 تشهد غزّة اليوم حرب إبادة مفجعة وظالمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، الموت يحاصرها من كل جانب، والعدو يلقي بنيرانه على الآمنين. واضح أن المحتل الصهيوني يعمل على تحقيق إبادة جماعية حقيقية، إنه يستهدف الأطفال والنساء في مشاهد مروعة لا يقصد منها إلا محو جذور الفلسطينيين من أرضهم، ومنعهم عن الوقوف في الخط الأمامي للدفاع عن المقدسات الإسلامية، في تصفية عرقية مفضوحة شاملة.
تعالت صرخات الجزائرية سميرة دمارجي المقيمة منذ 26 عاما في قطاع غزة، رفقة زوجها إياد سلامة، وابنها الطبيب الشاب يوسف الذي نقل في شهاداته معاناة المرضى والوضع الحرج في مستشفى “شهداء الأقصى”، حيث نفد الدواء وتكدّست أجساد الجرحى والموتى في العراء، واضطر الأطباء لإنقاذ الأرواح بمباشرة العمليات في ساحة وأروقة المستشفى وممراته، ومن دون عمليات تخدير في ظل ندرة فادحة في مادة “البنج”.
غزّة..زمن متوقّف
 رسمت السيدة سميرة دمارجي مشاهد مؤلمة، وكلّفت جريدة “الشعب” بنقل شهادة حيّة عمّا يحدث من تجاوزات المحتل في حق الفلسطينيين العزل، مؤكدة بأن وضع السكان جد مأساوي، لأنه ومنذ أول يوم قصف، عزلت غزة عن الحياة، فاختفت الكهرباء وحل محلها الظلام الدامس، وقطع الماء، ومن لديه بعض المال يقتني الماء، أما من قصفت منازلهم وهدمت وصاروا لاجئين في المستشفيات والمدارس، يشربون مياها غير صالحة، وفوق ذلك، كل القمامة متراكمة في كل مكان، والوضع الإنساني تدهور كثيرا، ولا يمكن وصف خطورته، لأن خطر ظهور الأوبئة وشيك بعد أن ألقى بكل مؤشراته، إلى جانب سقوط الشهداء في كل مكان، وعدم قدرة عائلاتهم على استخراجهم من تحت الأنقاض.
ونفت الجزائرية سميرة بشدة ما يردّده الاحتلال الصهيوني بوجود أماكن آمنة في غزة، وقالت: “لا يوجد حتى سنتيمتر واحد على مستوى نطاق غزة آمن..الجميع على أرض متحركة وعلى فوهة دبابة، والدليل على هذا، أن مختلف الهياكل وكل المستشفيات تضم عشرات الآلاف من اللاجئين وتقصف من طرف الاحتلال بشكل عشوائي، وكأنه يقصف أرضا جرداء قاحلة لا يعيش فوقها بشر”.
التركيز كان كبيرا على شمال غزة، فقد تحول إلى دمار من فرط شراسة القصف بقمع الفلسطينيين، علما أن سميرة تقطن في المنطقة أو المحافظة الوسطى لقطاع غزة أي في مخيم المغازي، وكل مدارس وكالة “الأونروا” مكتظة عن آخرها، لأن مدارس الحكومة الفلسطينية المنتشرة في غزة ممنوعة، وأوضحت سميرة قائلة: “..في مكان واحد استشهد 14 فلسطينيا من الأطفال والنساء..إن الحرب تحمل شرا كبيرا، لقد حصدت عددا كبيرا من النساء والأطفال، إنها حرب مجنونة وغير طبيعية، وكل الذين لجؤوا إلى مدارس “الأونروا” المكتظة بشكل كبير، يفتقدون إلى أدنى متطلبات الحياة من أكل وشرب..وهناك من ينامون تحت الشجر وفي الساحة من دون أفرشة ولا أغطية..لقد توقف الزمن ونبض الحياة في غزة..”.
 أسلحة صهيونية جديدة فتّاكة
 واستعادت الجزائرية المقيمة في غزة صور الرعب التي تؤثر يوميا على أطفالها الخمسة بسبب العدوان العشوائي الذي يستمر طيلة 24 ساعة دون توقف، فالقصف بري وبحري وجوي، والمثير في شهادتها، أن الفلسطينيين صار لديهم خبرة بالأسلحة التي تُقصف بها غزة، ويتعرفون مع كل تفجير، على نوع الصاروخ وإذا كان جديدا وهل صوّب جهة الشرق أم الغرب. ولم تخف محدّثتنا أن الفلسطينيين صاروا يسمعون صوت صواريخ جديدة، على خلفية دعم أمريكا للصهاينة بأسلحة جديدة ضخمة، يمكن لطلقة أن تدمّر مربعا سكنيا بالكامل، ومن جانب آخر ومن مؤشرات خطورة الوضع الكارثي، قصف الاحتلال البغيض للمخبز الوحيد الذي كانوا يقتنون منه مادة الخبز، في ظل عدم توفر مادة الدقيق، ورغم ذلك وجدنا سميرة وأسرتها يحمدون الله على بقائهم على قيد الحياة.
وتحدّثت السيدة سميرة بأسف وأسى، وقالت إنهم يشعرون بالوحدة أمام النار، نحن وحدنا نواجه آلة الاحتلال الشرسة، فالصهاينة يبطشون بفلسطين ببرودة أعصاب ومكر ممزوج بحقد دفين..إنهم يقتلون وينزلون نيرانهم من كل جانب، وبكل الوسائل المتاحة على وجه الأرض..نحن شهداء مع وقف التنفيذ تقول السيدة سميرة.
إنّها الحرب الخامسة في غزة التي تعيشها سميرة، وتتمنى النجاة مع أسرتها والفلسطينيين الذين تمارس عليهم كل التجاوزات التي تحظرها القوانين والتشريعات الدولية والإنسانية.
وتحدّثت السيدة سميرة عن مبادرة جمع التبرعات من أجل توفير الطعام للعائلات اللاجئة بالمدارس والمتواجدة على مستوى المستشفيات، فهي تعكف مع شقيقتها من الجزائر على جمع التبرعات، ويتم إرسالها يدا بيد أي من أشخاص موثوقين يقدّمونها لعائلة بالجزائر لديها أقارب في غزة، ويكون التبادل أي تمنح بالدينار لعائلة الفلسطينيين بالجزائر، ومن ينوبهم في غزة يسلمها لهم بعملة “الشيكل”، ولم تخف أنهم قاموا بتوزيع كمية معتبرة من وجبات الإطعام، وقالت إن الشعب الفلسطيني يواجه بمفرده الاحتلال، داعية الشعب الجزائري إلى تقديم يد المساعدة والدعم لإخوانهم بغزة.
رائحة الموت في كل مكان..
 من جهته، أكّد زوج السيدة سميرة، الفلسطيني إياد سلامة، أنّهم في غزة صاروا يشمون رائحة الموت في كل مكان، ينامون وهم ينتظرون الشهادة ويستيقظون وهم يتأهّبون في أي لحظة للاستشهاد، لأن غزة في على خط أحمر من النار ملفوف على رقبتها، وبنيان منزلهم يهتز حوالي 300 مرة في اليوم، وكأنّ القيامة ستقوم في كل لحظة، وتساءل قائلا: “لماذا يقتل الاحتلال الأطفال والنساء والمسنين؟ إنه يستهدف العزل الأبرياء، وإلى جانب ذلك ما لا يقل عن 1500 شهيد ما يزالون تحت الأنقاض..لا توجد أي معدات لإخراجهم، وأحيانا تستعمل بعض الآلات البدائية”.
وحول بشاعة الوضع، تحدّث السيد إياد عن قصف عائلة منذ أيام، تبعد عن منزله بحوالي 300 متر، ما زالت تحت الأنقاض إلى يومنا هذا، يضاف استشهاد الأقارب وعذاب عدم القدرة على انتشالهم ودفنهم إكراما لهم كما هو حقهم، وقال: يوميا نسمع عن قصص مأساوية ينفطر لها القلب ولا يصدقها العقل، و20 يوما من العدوان مرت على غزة وكأنها عشرون عاما، إنّها حرب شرسة ومختلفة عن سابقاتها، وتنذر بالمزيد من الوحشية والشر بعد حصار لقطاع غزة دام 17 عاما.
أكّد السيد سلامة أنّ الصهاينة يخوضون حربا شعواء تهدم المنازل والبنايات وتقطع رقاب البشر، وعدد كبير من العائلات يفترشون العراء من دون زاد ولا أغطية، فقدوا كل شيء وأكثر ما فقدوه الأمان، لأن مستشفى تابعا للكنيسة تمّ قصفه، لذا انفضح وجه الاحتلال الحقيقي، فهو لا يفرق بين مسلم ومسيحي ويضمر الشر للجميع، ولن يسلم أحد من انتقامه.
وتطرّق السيد إياد سلامة إلى مبادرة يمكنها أن تسمح بتموين وجبات العديد من العائلات بدون مأوى، بعد أن دمّرت الحرب منازلها، وصارت لاجئة من دون سقف أو مصدر رزق، لأنه ينسّق مع عائلة صهره بالجزائر للتجند وجمع التبرعات، وكونه لا يتوقف في دعم كل الضحايا ممّا يملك من ماله الخاص خاصة في إعداد الوجبات الغذائية.
انهيار الوضع الصحي والأدوية نفدت
 أما الطبيب الشاب يوسف سلامة، فهو متطوّع بمستشفى الأقصى، وحمل إلينا صورا عن واقع مرير وقاس يعانيه الفلسطينيون في غزة، وفي البداية تحدّث عن تسجيل عجز فادح في الطاقم الطبي، ووصف الوضع العام تحت القصف الوحشي للصهاينة بغير المسبوق من قبل، فالجرحى من الأطفال والنساء صاروا يُحملون على جناح السرعة وقد فقدوا نصف أعضاء أجسادهم، ولكن يجدون مستشفيات خاوية، وأشار محدثنا - في السياق - أن الغزاويين كانوا يعانون من نقص فادح في الأدوية قبل العدوان، ولكم أن تتصوروا الوضع..اختفت الأدوية الضرورية مثل المسكّنات والمضادات الحيوية والمخدر “البنج” لإجراء العمليات، وانهار القطاع الصحي، لأن الكارثة كبيرة والمستشفى يستقبل الضحايا أكثر من طاقته بنحو عشرة أضعاف.
وصوّر الطبيب يوسف الوضع الحرج عندما انقطعت الكهرباء عن المستشفى، ووجد الأطباء أنفسهم أمام واجب مهنتهم والظلام الدامس، وفي هذا المقام، قال إنّ الاحتلال ليس له خطوط حمراء في تجبره وغطرسته، رغم أنّ القانون الدولي يحمي قطاع غزة، لكنه لا يعترف بأي تشريعات ويضرب بها عرض الحائط، في ظل قصفه لسيارات الإسعاف المخصصة لانتشال الضحايا وحمل الشهداء، علما أن العديد من الشهداء ممّن لفظوا أنفاسهم الأخيرة بالمستشفى ما زال يحتفظ بهم خارج ثلاجة المستشفى، لأنها لا تتسع للعدد الكبير.
وبألم وحسرة..تحدّث الطبيب يوسف عن سقوط العديد من الأطباء الذين يعمل معهم تحت القصف من بينهم الطبيبة دعاء عوض، مع أسرتها في نفس عملية القصف التي استشهدت فيها أسرة الصحافي وائل دحدوح، إلى جانب استشهاد الطبيب معاذ النبهي.
ومن أخطر ما تطرّق إليه الطبيب يوسف سلامة، أن العمليات الجراحية الحسّاسة يتم إجراؤها في ساحة وممرات المستشفى ومن دون عملية تخدير للمريض، وذكر أنّ حجم المستشفى ليس كبيرا، وأغلب الجرحى والشهداء من النساء والأطفال يحضرون مبتوري الأعضاء وبنصف جسد..وردّد يوسف: “الوضع مأساوي..إنّها مجزرة..إنه إرهاب..لا ضمير ولا عقل له، وفي كل دقيقة يتّسع حجم المجزرة في غزة والوضع يزداد سوءاً”.
إنّه الوضع المسكوت عنه من طرف الدول الغربية، في ظل تمادي الاحتلال في قتل الحياة والإنسان بشكل بشع وفظيع في غزة، إنّه جانب من يوميات عائلة في غزة، وكيف تتواصل الجزائرية مع أسرتها في الجزائر والتجند لدعم إخواننا الفلسطينيّين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024