من بيروت إلى غزة.. هل تسمعني؟ أجب

بقلم: أسماء ناصر أبو عياش

 



تسعة وسبعون يوماً صُمَّت آذانهم وصمتت حناجرهم ونضبت أقلامهم، إنها بيروت كوّة من نار، اجتياح ودماء. لقد فتحت غزة جرحاً عزَّ التئامه وطفت على صفحة الوجدان مشاهد القتل والدمار وتداعى الدم الفلسطيني من بيروت ساعة اجتياح إلى غزة ساعة إبادة، تداعى الدم الذي مازال راعفاً دفاقاً في ما يوصف أقل ما يوصف به بأنه مقتلة، مقتلة ينتصر بها القتيل على القاتل في تأكيد لحتمية الحق وعدمية الباطل.
كان هدف الحرب التي شنتها آلة الإبادة الصهيونية في ظهيرة اليوم الخامس من حزيران 1982، هو تصفية الوجود الفلسطيني في لبنان وتمرير مشروع الحكم الذاتي غير المنجز في باقي أرض فلسطين التي احتلها الكيان الصهيوني في حزيران عام 1967. تتداعى هذه الذكرى في الوقت الذي وعلى مدار الساعة تقصف آلة الموت الصهيونية أكثر منطقة كثافة سكانية في العالم وبمساحة لا تتعدى الثلاثمائة وخمس وستين كيلومتراً مربعاً. نعيش ويعيش العالم اليوم على وقع صرخات الأطفال ومشاهد قتلهم وأمهاتهم ترجمة لما صرح به أرئيل شارون في لقاء مع الجنرال عوزي مرحام عام 1965، وأنقله عن الباحث في الشأن الفلسطيني نواف الزرو إذ قال، والقول هنا لشارون: “لا أعرف شيئاً اسمه مبادىء دولية، أتعهد بأن أحرق كل طفل فلسطيني يولد في المنطقة، المرأة الفلسطينية والطفل أخطر من الرجل، لأن وجود الطفل يعني أن أجيالاً منهم ستستمر”.
لقد كان البقاء على قيد الحياة في بيروت كما هو الحال في غزة اليوم مجرد مصادفة، فالأصل كهدف للاحتلال هو موت الفلسطيني أما الحياة فهي صدفة واستثناء. “فالفلسطيني الطيب ـ وكما وصفته رئيسة وزراء الاحتلال جولدا مائير ـ هو الفلسطيني الميت. “لئن احتضنتنا بيروت زمن ثورة وغادرناها زمن هزيمة واقع عربي، فقد غادرناها نحو الوعد الحق، وعد الثائر والقائد الشهيد “أبو عمار” حين سُئل إلى أين؟ قال: “إلى فلسطين”.
إن حصار بيروت ومغادرتي لها فتحا جرحاً عميقاً في قلبي، نظرت إلى المدينة وأنا على ظهر السفينة وشعرت كأنني طائر مذبوح يتخبط بدمه”.
إنه الوعد الحق والعهد هو العهد إما نكون أحراراً تحت سمائها وفوق أرضها أو شهداء في قلبها، هي فلسطين وهي ذي غزة عهد القلب والرصاص لن نغادرها ولن تغادرنا. في تلك الساعة البيروتية كانت الإذاعات العربية تصدح بالأغنيات والخطابات التي تبجل الزعماء ونحن مصلوبون على مذبح الدم والقنابل العنقودية، لم يسمعنا العالم ساعتئذٍ وسمعتنا اليوم شوارع العالم الحر وشاهدتنا نُذبح فيما صُمّت آذان الأنظمة وعميت أعينهم. لقد ظن الاحتلال واهماً أن غزة وعلى ضيق مساحتها ورحابة أفقها ستكون نزهة لجيشه الــ (أكثر أخلاقية في العالم!) ولم يتوقّع قادته أن أيامه ستطول، فلم تعد الحرب حرب أيام بل ربما تستمر وقد تقود إلى حرب شاملة ولن يعرف المحتل أي مصير ينتظره أمام إرادة المقاومة والإيمان بحتمية النصر، لقد هَزَمت غزة بمقاوميها وناسها وأشلاء أطفالها، هزمت آلة حرب الجيش الذي لا يُقهر وأشعلت شوارع العالم الحر بنداءات تدعو لإنهاء آخر احتلال عنصري في العالم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024