أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية شعيب العابد لـ”الشعب”:

”طــــــــــــوفــــــــان الأقــــصــــــــى” أجـــــــهــــــض الــــتــطــبــيـــع والمخـــطــطـــــات الاقـــتصـــاديـــة لحـــلـــفـــاء الـــــكـــيـــان

حوار: أحمد حفاف

 

يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة البليدة 2، شعيب العابد، بأنّ التفوّق العسكري للمقاومة الفلسطينية منذ تفجير عملية “طوفان الأقصى” في السابع أكتوبر المنقضي، سيفضي إلى إجبار الاحتلال الصهيوني على توقيف القتال بدون أن يحقق أيّ هدف له، وهو ما يعتبر خسارة بالنسبة له ولحلفائه، ومن شأن ذلك أن يعرقل مخططات الدول الحليفة للكيان، التي تسعى إلى تحقيق أهداف اقتصادية بحتة من وراء الغزو..


^ الشعب: هل تنجح المقاومة في دحر الاجتياح البرّي على غزة؟
^^ د. شعيب العابد: بداية أود أن أشير أنّ الاجتياح البري لجيش الاحتلال في قطاع غزة امتد إلى مسافة 3 كم من المنطقة الشمالية في الأماكن الرخوة فقط، وأقصد بالأماكن الرخوة، تلك الأماكن المفتوحة التي تتميز بوجود مزارع أو حقول أو تلك التي شهدت تدمير المنازل بشكل كامل، بالتالي فهي مناطق مكشوفة، ومع ذلك وبالنظر إلى تصريحات دولة الاحتلال، فهي تقرّ بوجود 15 قتيلا في اليوم الأول من عملية التدخل البري في غزة، مع تدمير 22 دبابة وفقا لتصريحات كتائب القسام، وهذا يعني قدرة فصائل المقاومة الفلسطينية على الوصول وإصابة الأهداف المحدّدة، والالتحام مع العدو من مسافة صفر، وهذا يدل على القدرة في القتال والكفاءة في إدارة المعركة البرية من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية.
في حقيقة الأمر أنّ الجيش الصهيوني مدرّب  على خوض الحروب الخاطفة عن بعد، والتي تعتمد بالأساس على سلاح الجوّ واستعمال الضربات بالطائرات مع تدمير البنية التحتية وإلحاق أكبر قدر من الضحايا المدنيين ليتم تدخل الأطراف الدولية لتبدأ عملية الوساطة ثم وقف القتال، أما القتال بهذه الطريقة “حرب المدن” أو”حرب الشوارع” ولمدة طويلة، فالجيش الصهيوني غير قادر على تحمل خسائرها البشرية؛ لأنّها تتطلب جهدا عسكريا كبيرا في كلّ أنحاء غزة ولفترة طويلة جدا، الأمر الذي يؤدي إلى استنزاف القدرات العسكرية لجيش الاحتلال الصهيوني وهو ما يشكل ضغطا داخليا بالغا.
بالرجوع إلى الوراء قليلا، كانت التوغلات البرية لجيش الكيان في غزة بين عامي 2008-2009 والتي عرفت بـ OperationCast Lead” عملية صبّ الرصاص” وفي عام 2014 شهدت Operation Protective Edge “ عملية الجرف الصامد” محدودة للغاية من حيث النطاق والمدة، ولم تحاول قوات الكيان الاستيلاء على غزة، وكانت العمليتان جزءا من إستراتيجية تعرف باسم Mowing the Grass وتعني “عملية جزّ العشب” هدفت إلى الحدّ من التهديد الذي تشكله حماس بدلا من القضاء عليها، وهو الأمر الذي يختلف كليا هذه المرة.

^ ماذا ينتظر الكيان الصهيوني لإيقاف عدوانه على غزة؟
^^ وضع الكيان مجموعة من الأهداف في عدوانه على غزة، وتتمثل في القضاء على رموز فصائل المقاومة السياسية والعسكرية نذكر منهم: محمد الضيف زعيم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، يحي السنوار، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وكذا القضاء على الأنفاق والبنية التحتية والعسكرية لحماس وتحطيم القدرات القتالية لحماس، وإطلاق سراح الأسرى.

^ ولكن ما نلاحظه هنا، أنّ الهدف المعلن للكيان الصهيوني وهو إطلاق سراح الأسرى والذي يتناقض جملة وتفصيلا مع القضاء على حماس، فعملية إطلاق سراح الأسرى تتم بالتفاوض مع حماس، وأيضا، إذا كانت دولة الاحتلال ملتزمة بالقضاء على حماس فلماذا يتعين على حماس إطلاق سراح الرهائن؟
^^ على كلّ حال، نحن الآن ندخل الشهر الأول من هذه الحرب، وما نلاحظه أنّ دولة الاحتلال لم تحقق هدفا واحدا من الأهداف التي سطرتها، ما وضعها في مأزق حقيقي أمام الداخل الصهيوني وأمام حلفائها، إذ أنّه لا يمكن وقف العدوان دون تحقيق إحدى هذه الأهداف، وبالتالي لم تجد بديلا عن البحث عن “هدف وهمي” وهو تعظيم حجم الخسائر المدنية للفلسطينيين وهي عبارة عن أهداف مدنية غير عسكرية في نهاية المطاف، من أجل امتصاص الضغط الداخلي واسترجاع الثقة في المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية بالإضافة إلى كسب ثقة الحلفاء الدوليين.. أعتقد أنّ هذه الوضعية عمّقت وقوع الكيان الصهيوني في “مأزق إدارة الحرب” أو “إدارة العدوان” إن صحّ التعبير، فمنذ البدايات الأولى تدخل حزب الله في الجبهة اللبنانية، لتتدحرج كرة الحرب، وتنطلق صواريخ ولأول مرة من جبهة الجولان ثم اليمن، وهذا ما يشير إلى إمكانية اتساع رقعة الحرب إلى حرب إقليمية، ففي الوقت الذي تحاول فيه دولة الاحتلال الظهور كطرف منتصر، فإنّ تداعيات الإسراف في التدمير والقصف قد تؤدي إلى إشعال المنطقة بأكملها، وبالتالي، يمكن القول إنّ دولة الاحتلال دخلت الحرب، ولكن الأهم من ذلك، أنها تعجز عن التحكم في إدارة الحرب والتحكم في كيفية إنهائها.
 
^ كيف تقيّم الوضع الإنساني في غزة؟
^^ بالنظر إلى عدد الضحايا الذي خلّفه عدوان جيش الكيان الصهيوني على غزة والذي فاق الـ9 آلاف شهيد وآلاف المفقودين والمهجرين نحو جنوب غزة، لا شك أنّ هذا التكلفة كبيرة وباهظة على الصعيد الإنساني، ولكني أضيف - في هذا السياق - بأنّه ولأول مرة منذ نشأة هذا الكيان يتكبد الصهاينة خسائر بشرية قدرت بأكثر من 1500 قتيل، أما عدد الجرحى فقدر بـ5500 جريح حسب تصريح رسمي للكيان، مع العلم أنّ هناك تعتيما مقصودا في هذا الصدد، ناهيك عن الخسائر المادية والعسكرية، وكما لم نشاهد من قبل، تم استهداف مطار بن غوريون، ولأول مرة في التاريخ نشاهد مخيمات لأفراد من دولة الكيان تم نصبها هروبا من الصواريخ التي يتم قصفها من قبل عناصر المقاومة الفلسطينية، كما شهد رقما قياسيا للنازحين قدر بمليون ونصف نازح إلى خارج الكيان، وتم أسر أكثر من 240 أسيرا، خمسون منهم تم قتلهم من طرف الكيان نفسه جراء القصف المتواصل على غزة، وهنا أشير إلى أنّ الفرد الصهيوني الذي يفهم إنشاء الكيان باعتباره وعدا بعدم تعرضه للمذابح والإبادة الجماعية التي شهدها في أوروبا على حدّ زعمهم، وبالتالي فإنّ الفشل في إنقاذ الأسرى لن يتقبله الداخل الصهيوني على الإطلاق، كما أشدّد على ضرورة مراعاة فارق الترسانة العسكرية والاقتصادية بين الطرفين، وأضيف بأنّ إسقاط مشروع التطبيع الذي رسم للمنطقة، لن يكون مجانيا، وعملية طوفان الأقصى أسقطت هذا المشروع، وأيّ حركة تحررية في العالم تقوم على فكرة النضال والتضحية، فما بالك بقضية مركزية كالقضية الفلسطينية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19479

العدد 19479

السبت 25 ماي 2024
العدد 19478

العدد 19478

الجمعة 24 ماي 2024
العدد 19477

العدد 19477

الأربعاء 22 ماي 2024
العدد 19476

العدد 19476

الأربعاء 22 ماي 2024