الــكــيــان الــصــهــيــوني والــقــانــون الــدولي الإنــســاني

الــــبـــحـــــث عـــــــــن إجــــــابـــــات في ظـــل حــــرب وحـــشيــــــة وقــــانون مـــــهـــمــــش

غسان الكحلوت - منى هداية

 

 حالـــــــــــة الحــــــــــرب علــــــــى غـــــــــزة.. نـــــــــداءٌ عاجـــــــــــــل للاحتكـــــــــــــام إلـــــــــــى القانـــــــــــون الـــــــــــدولي
علاوة على سبق، حتى المادة (7) من نظام روما، والمعنية بالجرائم ضد الإنسانية، تبدو منطبقة على السياق الذي تعالجه هذه الدراسة، فالأفعال التي تشكل جريمة ضد الإنسانية هي الأفعال التي ترتكب “في إطار هجوم واسع أو منهجي، موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين”، وتشمل القتل العمد وإبعاد السكان أو النقل القسري والسجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية والفصل العنصري. وقد دانت منظمة أوكسفام في الثالث من نوفمبر أمر الإخلاء، الصادر في 13 أكتوبر بحق سكان شمال غزة. ففضلاً عن المخاطر الإضافية التي خلقها وفقا للمنظمة، فهو يرقى إلى الترحيل القسري”.

 الحـــلــقــة الــثــانــــيــة

يكرر الصهاينة وحلفاؤهم الحديث عن “حق الكيان في الدفاع عن نفسه”، منذ هجوم السابع من أكتوبر، تبريرا للممارسات والانتهاكات الصهيونية بحق سكان قطاع غزة. لكن ما يجدر تأكيده هو أن قوانين الحرب تنطبق على الأطراف المشاركة في القتال كلها، بغض النظر عن دوافعها، وبغض النظر عما فعله الطرف الآخر. يحكم القانون الدولي الإنساني ما يتعلق بسير الأعمال العدائية، وهو مختلف عن القانون الذي يحكم قرار استخدام القوة أي قانون استخدام القوة الذي ينظمه ميثاق الأمم المتحدة في ما يتعلق بالعلاقات بين الدول، ومن ثم، مهما حظي قرار استخدام القوة بالشرعية، افتراضا، يبقى على الأطراف كلها الالتزام بقواعد قانون الحرب. وكما تفيد هيومن رايتس ووتش، فإن أي استهداف متعمد للمدنيين، أو عقوبات جماعية، “لا يمكن أبدا تبريرها بالادعاء بأن طرفا آخر ارتكب انتهاكات، أو أن هناك اختلالا في موازين القوى، أو غير ذلك من المظالم: أي إنه لا يمكن شرعنة جرائم الاحتلال، ولا حتى عبر رفع ورقة الجوكر.. تهمة الإرهاب التي درجت القوى الاستعمارية خلال العقود الأخيرة على استخدامها.
من ناحية أخرى، ونظرا إلى وقوع غزة تحت الاحتلال، وإن اختلفت الأساليب، فالقانون الدولي الإنساني يمنح الشعب المحتل حق المقاومة من خلال البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف في عام 1949، ومن خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 37 / 43 الذي يؤكد “شرعية نضال الشعوب من أجل الاستقلال والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية (...) والتحرر من السيطرة الاستعمارية والأجنبية والاحتلال الأجنبي بالوسائل كلها المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح . في المقابل، لا يضم القانون أي بنود تعطي قوى الاحتلال “حق الدفاع” عن نفسها ضد من تحتلهم. ولا يمكن منح استثناءات خاصة للكيان على أي أساس قانوني.
درجت الحكومة الصهيونية وصناع القرار فيها على ازدراء القانون الدولي الإنساني، والإفلات من العقاب واحتكار الحقوق، في مقابل تبرير الجرائم والاستهداف المتعمد للمدنيين، بغض النظر عن أي معطيات أو عن شرعية ممارساتها قانونيا. برز هذا خلال الحرب الدائرة الآن، من خلال التصريحات الرسمية للمسؤولين الصهاينة، فعلى سبيل المثال، عندما وجه إلى رئيس الوزراء الصهيوني السابق نفتالي بينيت سؤال من إحدى الوكالات الإعلامية حول ما يتعرّض له الأطفال في غزة في ظل الحرب الدائرة، كان رده: “هل أنت جاد بسؤالي عن المدنيين الفلسطينيين؟ ماذا دهاك؟ ألم تر ما حدث؟ نحن نقاتل النازيين”. وصرح الرئيس الصهيوني إسحاق هرتسوغ: “هناك أمة بكاملها تتحمل المسؤولية”، محاولاً تبرير جريمة العقاب الجماعي. بينما قال الممثل السابق للكيان الصهيوني في الأمم المتحدة، دان غيلرمان: “إنني محتار بشأن اهتمام العالم المستمر بالمدنيين الفلسطينيين وتعاطفه مع حيوانات غير آدمية متوحشة”، منتقدا عدم انسياق ذلك “العالم” إلى نزع الآدمية عن هذه الفئة الواقعة تحت حماية القانون الدولي الإنساني. بينما قال السفير الصهيوني السابق في إيطاليا، درور إيدار: الكيان “غير مهتم، ولديه هدف واحد، وهو تدمير غزة”، مع عدم الإشارة إلى أي استثناءات من ذلك “التدمير “.
هذا الخطاب غير المكترث بأي أبعاد إنسانية أو قانونية، صعد إلى حد تصريح عميحاي إلياهو، وزير التراث في الحكومة الصهيونية، بأن “إلقاء قنبلة نووية على غزة هو حل ممكن. وبالنسبة إلى المختطفين، فالحرب لها أثمان”. واجه هذا التصريح تحديدا، دون غيره ردات أفعال غاضبة من الحكومة، لكن ما أثار حفيظة منتقديه تركز أساسا في قضية التصريح بفكرة التضحية بالأسرى الصهاينة”. علما أن المادة (2/51) من البروتوكول الإضافي الأول، تحرّم حتى مجرد التهديد بأعمال العنف، بهدف بث الذعر بين السكان المدنيين، ومن ثم، لا يمكن إرجاع هذه التصريحات - وإن بقيت تصريحات مجردة - إلى حق الدفاع عن النفس، وكأنها ردة فعل غاضبة على مظلمة مدعاة.

هل تعفي الإنذارات الكيان الصهيوني
من الالتزامات القانونية؟

يحتج بعض الأطراف المحسوبين على الصهيونية، أو المؤيدين لها، بتوجيه إنذارات إلى المدنيين قبل قصف منازلهم، أو الأعيان المدنية الأخرى من مستشفيات وغير ذلك، على اعتبار أن هذا يبرئها مما يوجه إليها من اتهامات بانتهاك القانون. في الواقع، لا يقدم القانون الدولي الإنساني إعفاء من أي التزامات قانونية، بناء على توجيه إنذارات تسبق الأعمال العدائية غير القانونية. وقد وثقت منظمة العفو الدولية عددًا كبيرا من الحالات التي لم يتم فيها تحذير المدنيين من الجيش الصهيوني، أو أصدر فيها “تحذيرات غير كافية”. وأنه “في بعض الحالات، أبلغ شخص واحدا عن هجوم انتهى بتدمير مبان بأكملها أو شوارع مكتظة بالناس، أو أصدرت أوامر “إخلاء” غير واضحة أو مضللة. ولم تضمن القوات الصهيونية - بأي حال من الأحوال - توفير مكان آمن للمدنيين للجوء إليه. فضلاً عن مثال في إحدى الهجمات على سوق جباليا، حين غادر الناس منازلهم استجابة لأمر “الإخلاء”، ليلاقوا حتفهم في المكان الذي فروا إليه”.
ومع قرينة وجود حالات متكررة لمجازر جماعية، راح ضحيتها مئات المدنيين والأطفال، مثل مجزرتي مخيم جباليا، فلا يمكن تكوين قناعة بأنه قد سبقتها تحذيرات كافية، علاوة على أنه حتى مجرد الإضرار بهذا الحجم الواسع بالأعيان المدنية - على افتراض كفاية التحذيرات - لا يعد قانونيا، فوفقا للقاعدة (14)، المقننة في المادة (5/51 (ب)) من البروتوكول الإضافي الأول، يحظر الهجوم الذي قد يتوقع منه أن يسبب بصورة عارضة خسائر في أرواح المدنيين أو إصابات بينهم، أو أضرارا بالأعيان المدنية، أو مجموعة من هذه الخسائر والأضرار. ويكون مفرطا في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة . وقد أشار فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأونروا، إلى أن وجود ما يقرب من 3200 طفل قتلوا في غزة خلال ثلاثة أسابيع فقط (...) لا يمكن أن يكون أضرارًا جانبية “.

مسؤولية المجتمع الدولي  عن فرض احترام القانون  الدولي الإنساني

استنادا إلى القاعدة 144 المبنية على مواد في اتفاقيات جنيف الأربعة كلها، والبروتوكول الإضافي الأول. فعلى الدول الأطراف التعهد بأن تكفل احترام بنود الاتفاقيات، “ألا تشجع الدول انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل أطراف النزاع المسلح. ويجب أن تمارس نفوذها، إلى الحد الممكن، لوقف انتهاكات القانون الدولي الإنساني”. وحيث إن جرائم الإبادة الجماعية” و«الجرائم ضد الإنسانية” و«جرائم الحرب”، كما عرفها نظام روما، هي ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، فيبدو أن الكيان استطاع أن ينجو - حتى الآن - من ملاحقات مستحقة من أكثر من جانب ومدخل قانوني. ومع تصاعد الاعتداءات وسعة نطاقها، وتواطؤ عدد من دول الشمال العالمي معها، يبدو للمراقب أن الحديث عن قانون الحرب كقانون نائم، أو قانون لا ينطبق على الأقوياء هو حديث واقعي، ما دعا أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، للقول: إن “عقودا من الإفلات من العقاب والظلم والمستوى غير المسبوق من الموت والدمار الناجم عن الهجوم الحالي لن تؤدي إلا إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار”، داعية إلى تسريع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تحقيقاته الجارية في أدلة جرائم الحرب بموجب القانون الدولي.
وقد عمد عدد من الدول إلى تجاوز الاكتفاء بالتشجيع المحرم قانونيا، إلى تقديم الدعم العسكري للصهاينة. على الرغم من انتهاكاتهم، فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، أرسلت إمدادات عسكرية يتم استخدامها في الحرب الدائرة، وقد طلبت إدارة الرئيس جو بايدن من الكونغرس الموافقة على تمويل إضافي بقيمة 14 مليار دولار لدعم الكيان في حربه، بينما لم تضع واشنطن شروطاً لاستخدامات مساعداتها العسكرية”. فضلاً عن تعهد زعماء الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، قبل ذلك في بيان مشترك، بدعم قدرة الكيان على الدفاع عن نفسه”، مؤكدين “دعمهم الثابت والموحد للكيان”، مع رفع حق النقض الفيتو من الدول المعنية في مجلس الأمن مرات عدة، لمنع القرارات الرامية إلى إيقاف العدوان”. وقد دعت مواقف عدد من الدول الأوروبية، رئيس قسم العلاقات الدولية والتنمية في جامعة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن “إس أو إيه إس” (SOAS)، جيلبرت الأشقر، إلى التصريح بأن “مسارعة الدول الأوروبية لإظهار الدعم المطلق للكيان الصهيوني هو خطأ فادح، لأن هذه الدول التي تقول إنها ديمقراطية، وتحترم حقوق الإنسان تدعم حكومة يقودها اليمين المتطرف, وترتكب جرائم حرب .

خلاصة القول..

إذا كان الغرض من القانون الدولي الإنساني وقواعد الحرب” التقليل من وحشية الحرب، والموازنة ما بين تحقيق الأغراض العسكرية وحماية الأبرياء، فإن حالة الحرب على غزة تمثل نداء عاجلاً للاحتكام إلى ذلك القانون. وبغض النظر عن تصنيفها حالة احتلال أم حالة حرب، فالكيان الصهيوني يبقى متورطا في انتهاكات واسعة لتلك الأطر القانونية وارتكاب جرائم ترقى إلى درجة جرائم حرب في ظل هذا، لا يقبل القانون والواقع الميداني أي تبريرات لتلك الجرائم والانتهاكات، سواء كان حق الدفاع عن النفس أم استخدام الإنذارات للتنصل من الالتزامات القانونية، أم حتى التعلل بالأضرار الجانبية. أما عن المجتمع الدولي، فهو متورط في عدد من الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني في الحرب الدائرة، متمثلة في دعم بعض أعضائه الانتهاكات الصهيونية، وتقاعس بعضه الآخر عن اتخاذ التدابير اللازمة للضغط من أجل الامتثال لقواعد القانون.
ومما يجدر ذكره هنا، أن من المهم ألا يشترط - كما هي الحال عادة - اتخاذ الفلسطينيين مواقف محددة وامتثالهم لمعايير “الضحية المثالية”، كما يراها صاحب “الامتياز الغربي”، في مقابل تقديم الدعم السياسي والقانوني والأخلاقي اللازم. ومن دون ذلك، فإن اعتراضات أبناء ما يطلق عليه “الجنوب العالمي” بشأن القانون النائم لقواعد الحرب، وكونها تتحول إلى حبر على ورق وفقًا لقوة اللاعب ونفوذه، ستشكل توصيفا دقيقا لحقيقة الأمر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19461

العدد 19461

الأحد 05 ماي 2024
العدد 19460

العدد 19460

السبت 04 ماي 2024
العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024