فيضان أطفـال غـزّة وطــوفان المَشاهِـد

كتب: بكر أبو بكر


لن تعرفوا غزّة بعد اليوم مطلقًا
لقد ولدت من جديد
فائض أحزان
فائض ألم...وفراق أبدي
فيضان من العيون الباكية
فائض جراح...وأسقام بلا أمل
فائض كبرياء...في ظلّ جحود لا يوصف
فائض إهانة...وفائض كرامة
فيضان وجع
طوفان عذاب
براكين غضب
عواصف خذلان
جيشان دموع...ولوعة
أمومة طافحة...وأشواق قتيلة
أبوّة مطعونة
فيضان حنق
فيضان تحدي...على فراش من الجمر
فائض حنان
طوفان مجازر
مقتلة لا تنتهي!
ما لا يحصي من أحاسيس الظلم والجور
فائض تعابيرمجهولة النسب
سقط الفهمُ وسقطت المفاهيم وغاص الوعيُ في بئر هدير الطائرات
ورقصت الأفاعي على جثث بلا أسماء.
وارتفع السواد فلم يبقى للشعاع منفذ.
سقط التحليل وانتحر المحلّل.
وعبث القدر بتردّدات القلوب فأطلقت الآهات أو الزفرات أوالصرخات المبتورة.
توقّفت المَشاهدُ المتخيلة عن التناسل في وعيك أنت تنظر من البعيد وراء الحدث،
فأنت لا تحتاج لذلك منذ اليوم لماذا؟
لأنّ فيض المشاهد المرئية، طوفان المشاهد المتولّدة من تحت أزيز الرصاص والعراة الملهمون والبيوت المحطمة الأوصال والأرجل المقطوعة، ونقرات الجوع، وآلام المعدة والتخلي والنبذ، والشعر المعفر بالتراب لأطفال غزّة قد كفتك العمر كله! نعم العمر كله!
توقّف السادة المشاهدون، المراقبون، المتابعون عن ترف التخيّل والتوقّع، وأنت فيهم بمنزلة الضبع لأنّ المَشاهِد المرعبة، طوفان المشاهد الساحقة المجدولة أمامك هناك باتت بلا خط نهاية.
توقّفت المَشاهِد -غير ماتراه يوميًا في غزّة- عن الاجتراح
إذ لا تكف المشاهد الأليمة عن التوالد بلا نسب
فما لم يكن ليتصوّره الإنسان قد حصل!
فعندما يتعانق الخذلان والوحشية وانعدام المشاعر وتبلّد الأحاسيس يصبح الناس أرقامًا فقط في غزّة تعثرون (لمقاطع مرئياتكم/أفلامكم/متعة مشاهدتكم) بيُسر على مئات آلاف القصص ومثلها من المشاعر والعواطف غير المسبوقة
ملايين الانفعالات التلقائية
ملايين الرجفات وملايين الأدمع
ملايين منازعة بين القلب والعين
(الحُزْنُ يُقْلِقُ والتَجَمُّلُ يَرْدَعُ والدّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ
يَتَنَازَعانِ دُمُوعَ عَينِ مُسَهَّدٍ هَذا يَجيءُ بهَا وهَذَا يَرْجِعُ)
ملايين العبارات البسيطة والأليمة في قسمات أطفال الرجاء، والأمل مطأطئ الرأس.
نسيتموها فنستكم.
لأنّ غزّة النّقاء والبهاء والحزن العميم لم تكن في قلوبكم أبدًا إلاّ لعبة.
غزّة المنكوبة بفلسطينيتها الطاغية عانت فيكم من يباس مشاعر الأقربين، وتلف عقولهم ونزق أنفسهم.
هل تعلمون؟
لقد تحوّلت غزّة إلى (شهاب حرقٍ) أبدي لخذلانكم
لقد تحوّلت لمجهول، لن تعرفونه بعد اليوم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024