كيربي كتلة من الكرب والصّلف؟!

بقلم : الأسير المحرر الأديب - وليد هودلي

« عدد الضحايا المدنيين صفر”.. تصريح لمستشار الأمن القومي الأمريكي كيربي جاء مستفزّا للصخر ولكل من كان له ذرّة من ضمير. هكذا بكلّ صلف وصفاقة يقول أن عدد ضحايا المدنيين في غزّة صفر. هذا بالطبع بعد ان اقترب عددهم من الثلاثين ألفا، معظمهم من النساء والأطفال، وقد استخدمت الأسلحة الأمريكية في الحرب بكلّ ضراوة، وكان أغلبها بتدمير العمارات السكنية فوق رؤوس ساكنيها باستخدام قنابل وصواريخ أمريكية ثقيلة، فكيف لهذه التي اعترفوا بأنها غير ذكيّة أن لا تقتل مدنيين، والحرب تدور رحاها في أماكن مكتظّة سكنيّا.
لو اعترف بقتل مدنيين لثبت بأنهم مشاركون في هذا القتل؛ لذلك فإن الكذب هو أحسن وسيلة لإنقاذ رقبتهم من حبل المشنقة. ومن الصفاقة بمكان أن يذهب إلى هذه الدرجة من الإنكار.
كان بإمكانه وحتى يصدقه الناس مثلا أن يقلّل من الأعداد أو أن يشكّك بصحّتها ويذهب بأنها تحتاج إلى تحقيق، أمّا أن يُنصّب نفسه لجنة تحقيق ويعتبر نفسه أنه قد قام بالتحقيق ووصل إلى هذه النتيجة، أو أنه قد اعتمد مصدرا موثوقا لهذه المعلومة مثلا. أمّا أن يرمي بإفكه وافترائه بهذه الجرأة على دماء الناس فهو أشد فتكا من الذي قتلهم، ذاك قتل، وجاء هذا ليخفي الدم والألم، ولا نتحدّث هنا عن دماء بسيطة، وإنما هو نهر من الدماء لشعب ظلم كثيرا وحمل جبالا من الآلام بعد أن أوقعوا عليه نكبتهم وسارت بهم منذ خمس وسبعين سنة من شتات إلى شتات ومن مذبحة إلى مجزرة.
ولنا أن نسأل أنفسنا كيف يفكّر هذا المخلوق؟ ما هي الثقافة التي بنت هذا الانسان؟ عندئذ ندرك أنه بالفعل لم ير الانسان المذبوح؛ لأنه لا يعتبره إنسانا بأيّ شكل من الأشكال، فهو سلالة أمّة قامت على أنقاض أمّة سبقتها وكانت تشكّل السكان الأصليين لبلده، جاء الرجل الأبيض الذي يشبه سحنة هذا المستشار فأباد 100 مليون من الهنود الحمر، وبنى بنيانه على جماجم وعظام ذاك الشعب المسحوق.
جاء رجل الكابوي الذي أظهرته هوليود بالبطل الخارق الذي لا يكتفي بمسدس واحد بل يحمل اثنين ويتفنّن في قتل أولئك “المتخلفين”. الذي تفضّل على البشرية بقتلهم وإبادتهم، هذا الكيربي الان هو ذات رجل الكابوي، جاء اليوم ليتفنّن في تجلياته وفبركاته الدعائية ليتفانى فيها في خدمة الجلاد المحتل وتبرئته من كل جرائمه.
ويستخفّ بعقول البشر وهو غير بعيد عن الحروب التي أشعلوها في العالم منذ فيتنام وأمريكا الجنوبيّة وأفغانستان والعراق والصومال... الخ. هذا البوق الجميل، في داخله قلب ذئب مفترس ويجيد وجهه الظهور والتشكّل بوجه حمل وديع، يحمل لسانا ذلقا يدور بالأشياء ويسوقها إلى حيث يريد المستعمر، يتفلسف ويشقلب الكلمات ويرسيها في غير أماكنها الصحيحة، يخرج منها سمّا قاتلا، وينثرها ذات اليمين وذات الشمال، فروة رأسه سميكة جدا، لا يسمع ولا يرى ولا يعقل إلا بما يمليه عليه أسياده بنو صهيون، قائم على خدمتهم ومستعد للعق أحذيتهم إذ يرى الحق أبلجا، فيلقي عليه شباكه السوداء ويعيد القول أسودا لا بياض فيه، يكفي لكلمة الحق أن تمرّ في قلبه فتصبح رمادا أسودا جاهزة لذرّها في وجوه المنافقين. سيّدي الأبله بحركاتك الساذجة، حريّ بك أن تجد لنفسك مكانا في صناعة السينما الأمريكية، في هوليود سيجدون فيك دمية قادرة على التشكّل حيث أرادوا، هناك أفلام تنتج خصّيصا للترويج لثقافة المستكبرين، ستجد لك فيها مكانا مرموقا وستشتهر أكثر في هذا الميدان الذي ظلمك من وضعك فيه كثيرا، في التمثيل تستطيع أن تقتل أكثر، أن تكذب أكثر، أن تصنع إثارة بطريقة أفضل وتقوم بدورك خير قيام. نقول له لن تخدع بكلامك الأسود أحدا إلا من هم على شاكلتك، ستبقى أنت ومن تمثّل ومعكم الدول المستكبّرة في مواجهة العالم كلّه، لقد سقطت منظومة القيم التي صدّعتم فيها رأس البشرية، سقطت سقوطا مدوّيا ولم يعد هناك من يأبه بها أو يقيم لها وزنا، ومن هنا في غزّة حيث وقع ظلمكم ستنطلق قيامة منظومة قيم إنسانية لا تشبهكم ولا تشبهوها أبدا بل هي على النقيض التام معكم، اعلموا أن فلسطين هي ملتقى الحضارات ولن تذوب في سياساتكم الضالة أبدا وستبقى شوكة في حلقكم وحلق من طاف في فلككم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024