الكاتب عماد باسي في حوار مع «الشعب»:

شــيء محزن أن يغيب التشجيع لمبـدعين يرافعون عن قضـايا اجتمـــاعية

محمد مغلاوي

عماد باسي ابن الوادي، تربّى في قرية الزقم بلدة العدواني، حلم منذ نعومة أظافره بأن يكون محبّا للقلم والسطر والريشة، فلم يجد أصدق منها. أبرز مواهبه في المرحلة الابتدائية وكان تعلقه الشديد بالرسم، فلازمه وكان شغفه وحلمه وخياله دائما كخيال طفل صغير بريء يحلم بنسخ الشخصية اللؤلؤية المؤثّرة، وأن يصنع من نفسه تاجا لامعا من الإنجاز. كان يستهويه إلى جانب الرسمّ التخطيطّ والزّخرفة، وأخيـراً اُختِتم بمسك وعطر الكتابة التي شغلته وزرعت في نفسه حباّ جميلا. بدأ حياته كاتب خواطر في مختلف المناسبات، ثم انتقل بعد ذلك إلى كتابة النصوص بامتداد الأفكار نحو المقالات الاجتماعية والنفسية ليقرّر تأليف كتاب في 2013 صدر عن دار الهدى، حمل عنوان «الشباب والحياة»، شارك به في الطبعة 19 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب 2014.
في هذا الحوار مع «الشعب» يتحدث عن جوانب من حياته، وعلاقته بالكتابة ورأيه في الكتابات الموجهة للشباب، وأمور أخرى يفصح عنها لأول مرة .

الشعب:  تعرّف عليك الجمهور الجزائري أكثر بمعرض الجزائر الدولي للكتاب 2014، الذي كنت أحد ضيوفه من خلال مؤلفك الأول «الشباب والحياة»، فنلت التقدير والإشادة من طرف رواد هذه التظاهرة الكبيرة، وحقق الكتاب رواجا لابأس به.

حدثنا عن هذه المشاركة، وصِف لنا شعورك وأنت تلتقي بقرائك لتبيع لهم مؤلفك بالإهداء؟
عماد باسي: مشاركتي في الطبعة الـ19 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب اعتبرها مقبولة، حاولت بجهدي الخاص إبراز مؤلفي «الشباب والحياة»، الصادر عن دار الهدى، أتحدث فيه عن كل ما هو ايجابي لدفع الشاب نحو ذلك المنظار التفاؤلي الجميل، ويجد فيه القارئ نوعا من الانبساط والأمل والانشراح. سعدت كثيرا بلقاء زوار المعرض وضيوفه، الذين شجعوني وزادتني كلماتهم تحفيزا وعزيمة لمواصلة المشوار، خاصة أن تأليفه مرّ بعدة مراحل صعبة مليئة بالجهد والتعب والعراقيل التي لم تنته، وتألمت كثيرا للوصول لإخراجه، حيث صرفت أموالا كثيرة من جيبي لأجل ذلك، ولا أحد أعانني أو نظر إليّ، أحسست أنه ليس من السهولة بمكان على أي مبدع أن يؤلف ويطبع كتاب. شيء محزن أن يغيب التشجيع والدعم لمبدعين من أمثالي يحاولون بقلمهم إيصال رسائل فكرية لخدمة قضايا اجتماعية وإنسانية، وما زادني تألما هو تهميش منظمي المعرض لي، رغم أني كنت أملك عقد مشاركة، لم يوفروا لي المبيت والأكل وأنا القادم من ولاية الوادي، وأعلموني أن المسؤولية تقع على دار النشر التي طبعت كتابي، فليس بهذا السلوك والتسيير يكرّم مبدع خصص جهده لخدمة الكتاب والقلم. رغم ذلك أعتبر مشاركتي جد محفزة لمواصلة التأليف وتكريس موهبتي المتواضعة بالقلم لخدمة القضايا الاجتماعية، واستثمار طاقتي كرسالة وأمانة والتزام شخصي للتطرق إلى الآفات والانحرافات للخلاص منها واستلهام طرق للنجاة خاصة أننا نعيش في واقع مرّ فلا أقسى من أن تغدو أحلام الماضي كوابيس الحاضر، رغم الآلام والوقائع سنتفاءل دوما بنفض ذلك الاستعمار الداخلي وتطهير المجتمع من الأفكار الهدامة وشفائه من الانحرافات والعلل.
 هناك من يلومني كيف أعطي كل هذا الوقت والمال للكتاب! هو يستحق ذلك وأكثر، أليس الكتاب هو نوع من الفصح عن المكتوم ودرء المكنون، هو في قيمته يحررنا من بعض القيود الخيالية ويضيف لنا مزيدا من الأفكار والقناعات ونفض الغبار عن المعتقدات، ويحاول توجيهنا وإرشادنا وتخليصنا من مفاهيم خاطئة، الكتاب هو دليل وأرض خصبة بها ينضج الفكر ويستنير العقل، وهو الذي يطلعنا بكل جديد ويوصلنا إلى منابر الحقيقة ويعرفنا في كل مرة عن المجهول وتفسير الغموض.

النجاح تضحية وكفاح

@ قلت إن ولوجك عالم الكتابة تمخّض عن مراحل مليئة بالتعب والجهد، ثمارها صدور مؤلف يحمل خواطر وأفكار ونصائح للشباب هي حوصلة لتجارب مختلفة، نريد منك إيضاحات أكثر خاصة فيما يتعلق بالمحطات التي عبرتها وصولا لإصدار أول كتاب؟
@@ أنا منذ الصغر كنت أجمع الخواطر والحكم وأطالع بحثا عن المعرفة وتَملُك المفردات والمصطلحات. فمشوار الكتابة لم يأت جزافا بل جاء بعد خطوات انطلقت بأول مشاركة لي في الأسبوع الثقافي بجامعة الوادي بمناسبة عيد الطالب، منظموه أطلقوا العنان لمساهمات الطلبة، كتبت حينها خاطرة تتكلم عن كلمة الحق وعرضتها على منظمي الحفل، أعجب بها الأساتذة الجامعيون والكثير من الزملاء، وقالوا أني أملك أسلوبا جيدا وشجعوني على مواصلة النثر والكتابة، هنا بدأت الفكرة تتمخض عن ميلاد قلم يحمل الكثير من الأفكار والقناعات. في أكتوبر 2012 اتصلت بمسؤولي جريدة «الجديد اليومي» التي كانت تصدر بولاية الوادي لنشر مساهماتي دون الحاجة لمقابل مادي، لأن الإنسان الذي يريد النجاح لابد عليه من تضحيات، فقبلوا بعرضي وبدؤوا ينشرون كتاباتي واتخذوا لي عمودا أسبوعيا. ونالت أفكاري وأطروحاتي إعجاب القراء، وبدأت كتاباتي تلقى الرواج وتتشكل الصورة البسيطة عن شخص يكتب في المواضيع المألوفة ذات الصبغة الإرشادية في طياتها تحتوي مغزى عاما ونوعا من الحكم والنصائح، لكن بعد ثلاثة أشهر جاءت الصدمة التي لم أكن أتوقعها، حيث أمر مسؤول القسم الثقافي بتوقيفي عن نشر كتاباتي، وقاموا بفصلي من الجريدة مبررهم أن كتاباتي لا تمت بصلة بالمجتع، فتقبلت وتأثرت في نفس الوقت.
ولأن ضريبة النجاح تستدعي تضحية وكفاح وجهاد، فكرت في نشر نصوصي ومقالاتي مع القيام بطرح أفكار جديدة ولملمتها في كتاب، فاتصلت بدار الهدى التي وافقت على العرض بعد فحص معمق للمضمون والمحتوى، وطُبعت منه في البداية حوالي ألف نسخة، وزعت عبر كامل ولايات الوطن. كانت سعادتي كبيرة بصدور مؤلف «الشباب والحياة» الذي هو الحقيقة مجرد قطرة البداية.

@ من خلال تجربتك واحتكاكك المتواصل بالشباب، ماهي في رأيك نظرة جيل اليوم للكتاب، وكيف ترى واقع الكتابات الموجهة للشباب؟
@@ يمكن القول، إن جزء من الشباب أصبح لا يعير الكتابة أي اهتمام. فالإبداع أصبح موسميا ونسبة كبيرة من المؤلفين الشباب فشلوا لأن هناك أشخاصا ماسكين بزمام الأمور على الساحة الأدبية عزلوا المبدعين وهمشوهم. لما يكون هناك شباب لديهم كتابات وأفكار من المفروض تُفتح لهم الفرص ويُشَجَعون، لكن مع الأسف نجد العديد من المواهب تلمس فيها جميع جوانب الإبداع ضاعت نظير عدم التشجيع والظروف الاجتماعية وعدم الاستقرار والتهميش، هذه العوامل تتداخل لتشكل صراعا أدى إلى عزوف الشباب عن التأليف والكتابة.
أما بالنسبة لإقبال الشباب على المطالعة، هناك اختلاف حسب أفكار ومعتقدات كل شاب، لا يمكن القول أن الشباب كلهم عازفون عن القراءة أو العكس. فلا توجد إحصائيات مضبوطة، لكن الشيء الأكيد أن هناك فئات مهتمة وأخرى لا تبالي، فحتى الفئات التي تسمى نخبة كالكفاءات الجامعية مثلا نجد منهم من يدرس تخصص أدب لا يقرأ كتاب إلا عندما يحضر لبحث. يمكن القول أيضا أن الكتاب فقد قيمته ووزنه في عصر الأسطوانات والرقمنة والذهنيات المغلوطة وكذا التقلبات الفكرية وحشو المفاهيم وزحزحة المبادئ وخلخلة القيم، ومن جانب آخر أصبح الشباب يبحث عن الأسلوب السلس والسريع والعبارة الموضوعية المختصرة.
أما الكتابات الموجهة للشباب، فلابد أن تكون مرآة عاكسة للشباب ومستوحاة من واقعه وتركز على النقاط الحساسة، لما يقرأها يحس وكأنها العين الصادقة لحياته والضمير الحي، وقد أحدثت كتب التنمية البشرية طفرة كبيرة، لأنها غاصت في التجارب اليومية للشباب. لكن


الكتب الموجهة لهذه الفئة تبقى في نظري قليلة.

النظر إلى الحياة بمنظار الصلابة وتحدّي الظرف

@ ما هي مشاريعك المستقبلية في عالم الكتابة والقلم؟
@@ سأواصل المسيرة وأكتب بالشيء الذي أقدر عليه، وأنا دائما أضع في ذهني أن النجاح في ما نكتبه ونفصح عنه ليس نقطة تُبلَغ، بل هي محطات تُعبر، فحتى ولو اكتسب الإنسان شعبية عليه أن يكون متواضعا، ويحاول أن يراجع ذاته ويتقبل النقد فهو إنسان ليس كاملا فقد يخطئ وقد يصيب.
لديّ مشاريع هي مجموعة أفكار أحاول تجسيدها في دواوين وكتب ومؤلفات مستقبلا ذات قواسم مشتركة، أي مجموعة من الكتب تدرس موضوع أو قضية، لأن الكاتب عليه أن يتمتع بالولاء لأفكاره ومؤمن بها ويحاول ألا يكون من النوعية الهشة المطاطية، بألا يكتب لملء سيرته الذاتية أو ليقولوا له أنت ألّفت كذا وكتبت كذا وحضرت النشاط هذا أو ذاك في سبيل الشهرة وتسلق المكانات بسرعة خرافية للوصول إلى منصب.
الكاتب الحقيقي في نظري هو الذي يكتب لقضايا الإنسان يتأثر ويوظف قلمه وأفكاره وإبداعاته كطاقة وشحنة ورصيد إضافي في قضايا مجتمع، ويساهم بشكل كبير في إحداث طفرة وتقديم بديل، لا أن يستعمل القلم للاسترزاق، بالعكس الكاتب يكتب لقيمة اعتبارية وليس لكونها قيمة مادية، من يكتب ويربط عمله الإبداعي بزيادة المكتسبات المادية والمناصب وتسلق السلطة في نظري هذا ليس كاتبا.
أشكر جريدة «الشعب» على استضافتها لي، وأدعوا الشباب ألا ينهزم ويفشل أمام المراحل القاسية والصعبة التي يمر بها، لا يبقى رهينة أقوال وأفعال الآخرين، يحاول أن ينظر للحياة بمنظار الصلابة ويتحدى الواقع والظروف فلا يهزم الألم إلا الصبر والحديد إلا الحديد.

كتاب «الشباب والحياة»

تأليف: عماد باسي
عدد الصفحات 128 صفحة

صدر عن دار الهدى للطباعة والنشر عين مليلة
يتناول الكتاب العمق الإنساني في القضايا الاجتماعية والمسائل الأخلاقية، ويتضمن العديد من المواضيع الهادفة التنموية والتربوية الخلاقة، التي تدعو إلى سلوك درب المحبة والتواصل الفكري كمسلك من مسالك السعادة الحقيقية، والاهتمام بالقيم والأصول والمبادئ، حتى لا يحدث الاصطدام والتخبط داخل المجتمع، ويخاطب الكاتب عبر مقالاته الـ28 جميع الشرائح والعينات بدون استثناء، لتبلغ النصيحة رشدها والكلمات محتواها، وركز على شريحة الشباب لما فيه من الطموح والأمل في استقاء مجرة الإبداع، وحاول أن يضع من خلالها يده على الجرح الذي يشتكي منه الكثير عبر دراسة معمقة في الوجدان الشبابي.

عماد باسي في سطور


@ من مواليد 3 جوان 1990 بالدبيلة ولاية الوادي.
ـ متحصل على ليسانس لغة انجليزية سنة 2012، من جامعة الوادي.
ـ كاتب وناشر مقالات بالجريدة المحلية «الجديد اليومي» ومجلة «الآفاق الثقافية» و»المجلة الثقافية الجزائرية»، والمجلة الإلكترونية «ناشيونال سوف» الشهرية ومجلة القلم الإلكتروني الشهرية بسكيكدة.
ـ شارك في معرض المواهب والشعر والخاطرة من تنظيم جمعية أمّ القرى بالزقم، ومهرجان المواهب من تنظيم جمعية الشباب المبدع بدار الثقافة القديمة ومعرض الكتاب جمعية الشيخ العدواني بدار الشباب بالزقم، والندوة الثقافية للشيخ العدواني.
ـ صاحب كتاب «الشباب و الحياة» الصادر عن دار الهدى عين مليلة.
ـ شارك بإصداره الأوّل في المعرض الدولي للكتاب بقصر المعارض بالعاصمة 2014.
ـ نظّم محاضرة في جامعة الوادي يوم 17 مارس 2014 بعنوان «الشباب بين الواقع والمأمـول» بالتنسيق مع نادي الفجر الطلابيّ، ومحاضرة «الشباب والتفاؤل» بمكتبة الدبيلة في 01 مارس 2014. ومحاضرة «أهمية الثقة بالنفس ودورها في النجّاح في التنمية البشرية وتطوير الذات» بثانوية الطريفاوي. ومحاضرة في الإقامة الجامعية طالب عبد الرحمان ببن عكنون الجزائر العاصمة يومي 19 و 20 مـاي 2014 بعنوان «الاستثمار الأمثل لطاقات الشباب»

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024